من جانب آخر اضحى على الهامش «المسار السوري» للتسوية السلمية العربية الاسرائيلية، وهذا شيء غير صائب بل وخطير، فيما قد يعارضني البعض بالقول ان تفعيل المفاوضات الاسرائيلية السورية في هذه المرحلة قد يلحق الأذى بتحرك عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية. وعلى اي حال، فشارون يؤكد بأنه يصعب عليه استمالة الرأي العام الاسرائيلي الى ضرورة التوصل الى حل وسط مع القيادة الفلسطينية، واذا ما اضيفت الى ذلك المفاوضات مع سورية، فإن هذا يمكن، حسب زعمه، ان يزيد الطين بلة، ويجعل «القارب مثقلا بالحمولات اكثر مما ينبغي». ولنفترض ان شارون يفكر فعلا بهذه الصورة، ولكن هل يكفي ان يؤخذ الكلام عن وجود صعوبات في المجتمع الاسرائيلي بصفته «حجة» لأبعاد سورية، وكذلك لبنان، بصورة مصطنعة عن عملية السلام؟ إجابتي على هذا السؤال بالنفي، في مقابل رغبتي وقبل كل شيء ان اضع فاصلا بين التسوية «الجزئية» والتسوية «على مراحل»؟ وسيفهم القارئ مما سأورده لاحقا السبب في وجود ضرورة لذلك. \r\n \r\n لقد اتهم السياسيون والباحثون الغربيون الاتحاد السوفياتي أكثر من مرة، وفيما بعد اتهموا روسيا ايضا، بأننا ننفي احتمال حل ازمة معقدة وطويلة الامد مثل ازمة الشرق الاوسط بأسلوب «خطوة فخطوة». وكان هذا الاتهام وما زال مجافيا لموقفنا. فنحن كنا ندرك، وما زلنا، بأن من غير الممكن التوصل دفعة واحدة الى تسوية شاملة في الشرق الاوسط. لكن، كما اوردت آنفا، يوجد فرق بين الحلول الجزئية ذات الطابع الانفرادي، وبين الحلول على مراحل، والتي تتميز بأنها تتم بالسير الدائب في الطريق المؤدي الى الهدف النهائي والمحدد، ألا وهو التسوية السلمية العادلة والشاملة. \r\n \r\n ويعمل الفلسطينيون الذين يشاركون في المفاوضات مع اسرائيل في اطار التسوية على مراحل، لأنهم يعتقدون ان صيغة المفاوضات معهم ومع العرب عموما هي «السلام مقابل الارض». وقد اعلنت هذه الصيغة في مؤتمر مدريد واقرتها كافة الدول العربية. وتجري عملية التسوية وفقا لهذه الصيغة بالذات، مع بعض التحديد الملموس لكلا جزءيها. ولا يوجد سبيل آخر. اذن لماذا لا تعلن تل ابيب في هذه الحالة الآن، انها تعتزم التوصل الى اتفاق سلام نهائي، ويضمن ذلك مع سورية، بينما تعطي الاولوية اليوم لأسباب معروفة الى المسار الاسرائيلي الفلسطيني؟ \r\n \r\n لكن لا يمكن لهكذا أقوال أن تصدر، بينما توجه القيادة الاسرائيلية الاتهامات الكثيرة الى سورية ورئيسها بشار الاسد. واعتقد ان الهدف الرئيسي لهذه الحملة ضد سورية والاسد «والمقصود بالأمر الحملة بالذات» يكمن في تبرير رغبة اسرائيل في اجراء المفاوضات «لتكون ببطء وبدون تسريع» مع القادة السوريين. فلم يلق شارون وغيره من القادة الاسرائيليين اهتماما الى اعلان بشار الاسد عن استعداده لبدء المفاوضات مع اسرائيل بدون اية شروط مسبقة. وقد ثبت هذا الموقف ايضا تحريريا في الوثيقة التي وقعها الرئيسان الروسي والسوري في اثناء زيارة الاسد الى موسكو. \r\n \r\n كما ان اسرائيل، وكذلك الولاياتالمتحدة، وهو بلا ريب أمر يتسم بأهمية ملموسة بالنسبة اسرائيل، تصرفان الانظار عن الخطوات الهامة الأخرى التي يقوم بها بشار الاسد ولا سيما في الفترة الاخيرة. فقد سحبت سورية قواتها من لبنان، وبهذا نفذت قرار مجلس الأمن الدولي. وقد فرض الرئيس الاسد الرقابة على التحويلات المالية للمنظمات الفلسطينية في سورية مدفوعا بالنية الواضحة في عدم السماح بأن تصل هذه الاموال الى من يرفض المساعي السلمية، ويتوجه نحو ممارسة الارهاب، وليبقى في مقرات هذه المنظمات الفلسطينية الموجودة في الاراضي السورية السياسيون فقط، ولا يوجد فيها عسكريون، فيما وجهت اليها جميعا التحذيرات بأن وجودها في سورية يتجافي مع ممارسة الافعال الارهابية، او الاعمال الرامية الى احباط المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. \r\n \r\n بيد ان القضية لا تكمن في ان هذا المسعى السوري لا يحظى باهتمام الادارة الأميركية وكذلك القيادة الاسرائيلية، إذ ما زال نظام بشار الاسد هدفا لشتى الاتهامات ومن ضمنها حتى اقامة صلات سرية في الماضي مع صدام حسين. وبالمناسبة، فقد اعترف تشارلز دولفر رئيس مجموعة الخبراء الأميركيين الذي امضى فترة عامين تقريبا في البحث عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، اعترف نهائيا بان «اعمال البحث قد بلغت نهايتها المنطقية». وأكد تشارلز دولفر على انه لم يعثر على سلاح الدمار الشامل في العراق فحسب، بل وكذلك لم يجد ما يدل على نقل المواد الخطرة قبيل الحرب الى سورية. \r\n \r\n وبالمناسبة أيضا، فموقف بشار الأسد يحظى بالدعم التام في العالم العربي. وتدل على ذلك زيارة الامير عبدالله بن العزيز ولي العهد السعودي الى دمشق في 7 مايو حيث نوقشت اكثر القضايا حيوية في منطقة الشرق الاوسط. وكما قال وزير الاعلام السوري فان هذه الزيارة تجري في اطار سعي الاقطار العربية الى احلال السلام الشامل في الشرق الاوسط الذي يعتبر مفتاح حل جميع المشاكل في المنطقة، وتدل على تمسك البلدين بمبادرة السلام العربية للتسوية والتي طرحت في قمة بيروت عام 2001 . ومعروف ان العالم العربي اجمع ووافق في لقاء القمة المذكور على فكرة اقامة علاقات سلام مع اسرائيل في كافة الاتجاهات بدون استثناء، اذا وافقت اسرائيل على الانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة في عام 1967 . \r\n \r\n ومن هنا فاذا ما كانت اسرائيل وحماتها يهتمون حقا ببلوغ التسوية السلمية لأزمة الشرق الاوسط، فاقصاء سورية ولبنان عن العملية السلمية يبدو أمرا غير بناء على الاطلاق. وفي المقابل، واذا كان البعض يعتقد بأن من الممكن عزل سورية، وابقاءها لوحدها مع اسرائيل، ومن ثم املاء شروط غير مقبولة عليها، فإنه سيصاب بخيبة أمل، أضف لذلك ان من شأن مثل هذا المنظور لتطورات الاحداث، مضافا اليه مواقف العالم العربي، ان يعقد عملية السلام في الشرق الاوسط بدلا من أن يدفع بها للأمام. \r\n \r\n * رئيس وزراء روسيا الأسبق \r\n \r\n (خاص ب «الشرق الأوسط») \r\n