\r\n \r\n وتغامر وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بتهديد سمعتها من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية العام الحالي ترسي فيه وثيقة إسرائيلية فسلطينية مشتركة الأساس \"الملموس\" لهذه الدولة الجديدة. وأوضحت رايس بأنها لا ترغب في تركيز هذا المؤتمر المزمع عقده في مدينة أنابوليس بولاية ميريلاند على الأمور العامة. \r\n وقالت رايس خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته يوم الإثنين الماضي في مدينة رام اللهالمحتلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس: \"بكل صراحة، نحن نمتلك أشياء أفضل يمكن أن نفعلها بدلاً من دعوة الناس إلى مدينة أنابوليس للمشاركة في مؤتمر شكلي لالتقاط الصورة التذكارية\". وأضافت رايس: \"أتمنى أن يتفهم كل شخص أن (الرئيس بوش) قرر عقد هذا المؤتمر كواحد من أهم أولوياته خلال الفترة المتبقية التي سوف يمضيها في منصبه. وهو جاد تماماً بشأن تحريك هذه القضية إلى الأمام وتحقيق تقدم سريع في عملية السلام بأقصى سرعة ممكنة من أجل الوصول إلى نهاية مقبولة لها\". \r\n ومع بعد المسافة وإختلاف وجهات النظر بشكل كبير بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفي ظل بقاء وقت محدود على إنتهاء ولاية الرئيس بوش، يمكن القول بأن هذه الخطوة تمثل مقامرة دبلوماسية ضخمة. وقد يتطلب الأمر ما يشبه المعجزة بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين من أجل تضييق هوة خلافاتهم الكبرى قبل حلول موعد انعقاد المؤتمر. وسوف يعزز فشل المؤتمر من وضعية الجماعات الإسلامية المتشددة في قطاع غزة والضفة الغربية وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه عام. \r\n ويجب أن اعترف بأنني أشعر بصراع بين إعجابي بجرأة رايس في تبني هذه القضية خلال هذا الوقت المتأخر، وقلقي من إمكانية تعرضها لإخفاق كبير مع قرب انتهاء فترة ولاية بوش الثانية. وبالعودة إلى عام 2002، دعا بوش إلى تبني خيار إقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب. ولكن إدارة الرئيس بوش تركت عملية السلام تنحرف إلى مسار غير مقبول، وركزت بدلاً من ذلك على الأوضاع المتردية في العراق. وكان الأعضاء الصقور في إدارة بوش يرفضون عملية السلام منذ البداية، وزعم هؤلاء الأشخاص أن الطريق إلى السلام في القدس يجب أن يتم عبر النجاح في بغداد. \r\n ومع انقشاع هذه الأكذوبة والوهم، امتلك البيت الأبيض فرصة جديدة للإمساك بالخيط العربي الإسرائيلي من جديد في عام 2004 عندما توفى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ولكن البيت الأبيض فشل في دعم وتعزيز وضعية الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس في عام 2002 عندما كان يتعين عليه أن يحقق الإختلاف الحاسم، وإختار بدلاً من ذلك دعم الإنسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة. وكانت النتيجة المتوقعة هي بسط حركة حماس لقبضتها على قطاع غزة. \r\n ولكن لماذا نتعامل مع هذه المشكلة المهمة في الوقت الحالي؟ حدد الرئيس بوش سبباً واحداً في مؤتمره الصحفي الذي عقده خلال الأسبوع الماضي عندما قال: \"إن الجهد الجاد والمركز لتسريع إقامة الدولة الفلسطينية سوف يمنح الأشخاص الذين يرغبون في نبذ التطرف ........هدفاً يدافعون عنه\". وأنا أعتقد بأن تصريحات بوش تعني الأمور التالية: في منطقة ساهمت حرب العراق وزيادة أحداث العنف والفوضى الجارية هناك في تعزيز مشاعر العداء تجاه الولاياتالمتحدة وزيادة الدعم للجماعات الإسلامية، فقد يساهم الجهد الأميركي الجاد الذي يهدف إلى تسهيل وتسريع إقامة الدولة الفلسطينية في الحد من هذا التوجه. والسبب الثاني هو أن الإدارة الأميركية تؤمن بأن هذه هي اللحظة المناسبة التي يمكن فيها جر الدول العربية السنية التي لا تعترف بإسرائيل إلى عملية السلام. والأهم من ذلك هو ان الممكلة العربية السعودية التي تشعر بالقلق إزاء المكاسب الإقليمية لإيران، ترغب بشكل قوي في تحقق بعض التقدم في القضية الفلسطينية. \r\n ولكن القوة المتمثلة في إمكانية نجاح مؤتمر أنابوليس جاءت من جهود رايس. وقد تحولت رايس بشكل حاد من تشجيع الشركاء الإقليميين إلى المشاركة في \"مؤتمر غامض\" يهدف إلى استكشاف \"الفضاء السياسي\" لمفاوضات السلام. وفي الوقت الحالي، تبذل رايس مجهودات مضنية من أجل الدفع في إتجاه عقد \"مؤتمر حقيقي\" وتحث الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على الوصول إلى إتفاق بشأن \"القضايا الأساسية\". وهذا يعني أن المواضيع الحساسة مثل حدود الدولة الفلسطينية، كيفية تقسيم مدينة القدسالمحتلة، حق العودة يجب أن يتم مناقشتها بشكل جدي. \r\n ويبدو أن القضية الفلسطينية قد دخلت في صميم عواطف رايس العميقة. وقال الحاخام ديفيد روسين، أحد الأشخاص الذين كانوا حاضرين في إجتماع رايس مع القيادات الدينية المسيحية، اليهودية والإسلامية في تصريحات صحفية لجريدة واشنطن بوست: \"لقد تحدثت رايس بعاطفة روحية عن الحاجة إلى تحقيق السلام والتغلب على الآلام والمظالم\". \r\n ويبدو أن بوش أصبح يشعر بعاطفة تجاه عملية السلام أيضاً، حيث قال الرئيس الأميركي في المقابلة التليفزيونية التي أجراها مع قناة العربية الفضائية الإخبارية: \"أؤمن من صميم روحي وقلبي بأنه ليس فقط من الضروري أن يكون هناك دولتين تعيشان جنباً إلى جنباً من أجل تحقيق السلام، ولكنني أؤمن بأن هذا المر ممكناً. وأنا متفائل جداً بأننا يمكن أن نحقق حل الدولتين\". \r\n والمشكلة التي تعرفنا عليها هو أن تفاؤل الرئيس الأميركي (أو تفاؤل وزيرة الخارجية) ليس كافياً لحدوث الأمور الجيدة. \r\n وقد اعترفت رايس بأنها تخوض مساراً خطيراً من خلال إعلانها بأنه لم يتم الإتفاق بعد على الخطوط العريضة لمؤتمر السلام الدولي المقبل. وقالت رايس إنها تبذل الجهود الحالية من أجل تحريك الجانبين تجاه تحقيق التقدم. ولكن يبدو كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت في وضعية سياسية ضعيفة حالياً. وإذا قبل عباس وثيقة لا تتناول بوضوح تفاصيل \"القضايا الأساسية\" التي تقدم إطار عمل للتفاوض على الإتفاق النهائي، فسوف يرفض الشعب الفلسطيني هذه الوثيقة. وإذا وافق أولمرت على مثل هذه التفاصيل، بدلاً من الموافقة على مقترح يتم صياغته بشكل غير محكم، فإن حكومته يمكن أن تسقط. \r\n وفي نفس الوقت، من المستبعد أن يشارك السعوديون في مؤتمر أنابوليس القادم إلا إذا تم تناول أمور محددة في هذه الوثيقة، تتوافق حسبما يفضل السعوديون مع مبادرة السلام العربية التي تم صياغتها في عام 2002. وتقضي هذه المبادرة بإنسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 في مقابل تطبيع العرب لعلاقاتهم مع إسرائيل. \r\n وتدرك رايس أن اجتماعات السلام العربية الإسرائيلية كان قد سبقها شهور من الدبلوماسية المكثفة التي شملت رحلات مكوكية متكررة إلى دول الشرق الأوسط قام بها أسلافها. وتحاول رايس أن تضغط الجهود التي يمكن أن تستغرق شهور طويلة في أسابيع محدودة. \r\n وقد تحدثت يوم الأربعاء الماضي مع واحدة من أبرز وأذكى المحللات السياسيات الإسرائيليات وعضوة الكنيست الأسرائيلي السابق ناعومي تشازان، التي كانت واحدة من بين مجموعة الناشطات المدنيات الإسرائيليات التي حضرت مأدبة العشاء مع رايس في إسرائيل خلال الأسبوع الماضي. وقد سألتها عن رأيها في الجهود التي تبذلها وزيرة الخارجية الأميركية. وذكرت تشازان التي تتواجد حالياً في مدينة فيلادلفيا للتحدث أمام منتدى إسرائيل الجديدة أنها شعرت بأن رايس كانت جادة جداً. وقالت إنها تعتقد بأن السياق الإقليمي يمر بزخم كبير يشبه تحول الكواكب، وأن رايس تحاول التدخل قبل أن تجد هذه الكواكب مكانها الجديد بالصدفة. \r\n وشعرت تشازان بأن رايس كانت محقة تماماً في محاولة التوصل إلى اتفاق بشأن اقامة الدولة الفلسطينية، وإن كانت هذه الخطوة متأخرة جداً.لماذا؟ لأن تشازات تقول بأنه حتى الأحزاب اليمينية في إسرائيل تتحدث عن حل \"اقامة الدولتين\"، وأن هذه الفكرة مهمة جداً لبقاء إسرائيل كدولة يقطنها أغلبية يهودية وأن الوقت يمر بسرعة\". \r\n لذا، يمكن القول بأن رايس تحاول أن تفعل الشئ الصحيح ولكن في وقت متأخر جداً، مع استبعاد تعهد القيادة الإسرائيلية والفلسطينية بإنجاح هذه الجهود. وتعتقد رايس بأننا نمر بمخاض ولادة شرق أوسط جديد حسبما ذكرت أثناء الحرب اللبنانية الإسرائيلية التي جرت العام الماضي. وقد قررت رايس بشكل متأخر أنها يمكن أن تساهم في تحقيق نتيجة جيدة من خلال المساعدة في إقامة الدولة الفلسطينية. \r\n وإن شئنا الحقيقة، فإن منطقة الشرق الأوسط تمر بزخم كبير من الأحداث في الوقت الحالي، بسبب حرب العراق التي أدت إلى تقويض الإستقرار في المنطقة بأكملها، وذلك فضلاً عن حرب لبنان. وقد أعلنت رايس بأن مؤتمر أنابوليس يجب أن يمضي قدماً. ويمكننا فقط أن نأمل في نجاح هذا المؤتمر. \r\n \r\n ترودي روبين \r\n كاتبة عمود، وعضو هيئة التحرير بجريدة فيلادلفيا انكوايرار. \r\n خدمة ام سي تي خاص ب (الوطن)