ان هذا النزاع لم يكن في يوم من الأيام مجرد نزاع محلي يتعلق بالفلسطينيين والاسرائيليين. ان ما يحدث هو صراع بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى عكر العلاقات الدولية خلال القرن الماضي ولن تتم تسويته إلا عبر اتفاقية دولية. \r\n \r\n والأمر لا يتعلق فقط بالسلام في الشرق الأوسط ولكنه يتعلق ايضا بمستقبل حركة النضال الاسلامي وعلاقات أميركا المتكدرة والمتوترة مع العالمين العربي والاسلامي. \r\n \r\n بعد ذلك الطريق المسدود الذي استمر لأربع سنوات متواصلة فإن اعادة انتخاب جورج بوش ووفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ينظر اليهما على أنهما خلقتا فرصة لانطلاقة جديدة في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية. بوش نفسه اعاد التأكيد على التزامه باقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش الى جانب اسرائيل في أمن وسلام، ولمح بوش ايضا الى استعداده لإنفاق «رأسمال» لتحقيق ذلك. ولكن ما الذي تعنيه هذه الكلمات على أرض الواقع فلا احد يعرف ذلك على وجه التحديد. \r\n \r\n من هي الاطراف التي ستشارك في المعركة القادمة؟ على أحد هذه الجوانب هناك قوى كثيرة تعارض اقامة دولة فلسطينية يأتي على رأسها رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وحزب الليكود وحلفاؤه في الأحزاب الدينية المختلفة وحركة الاستيطان المسلح التي كان شارون مهندسها الرئيسي. \r\n \r\n وهذه القوى تتمتع بدعم «المحافظين الجدد» الموالين لشارون في واشنطن وهم يحتلون مناصب عالية اضافة الى الدوائر المسيحية الانجيلية الأميركية. \r\n \r\n وبالرغم من النفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه القوى إلا انها تتعرض لضغوط لا يستهان بها، فشارون لا يريد اجراء أي مفاوضات مع الفلسطينيين وسيبذل كل جهد ممكن لتجنبها، وفي نفس الوقت وجد شارون أن من الصعب عليه تأخير أو منع الانتخابات لاختيار قيادة فلسطينية جديدة المقرر اجراؤها في 9 يناير الحالي والتي يبدو ان بوش متحمس لاجرائها. \r\n \r\n وليس هناك شك في ان شارون يراهن على حدوث «عمل ارهابي» ما او حدوث عنف فلسطيني داخلي يساعده على التخلص من هذا الوضع. \r\n \r\n واتخذ المحافظون الجدد مواقف دفاعية لانهم يتهمون على نطاق واسع بانهم السبب وراء الورطة الأميركية الحالية في المستنقع العراقي. \r\n \r\n وكبار المسؤولين من المحافظين الجدد امثال نائب وزير الدفاع بول وولفويتز وزميله في البنتاغون دوغلاس فيث واليوت أبرامز مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ليسوا متأكدين من مستقبلهم السياسي. ان تعيين كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية وستيفن هادلي مستشارا للأمن القومي حطم آمال وولفويتز في ان يترقى ليشغل أيا من المنصبين. \r\n \r\n فيث يواجه الآن اشكاليات كثيرة وغيوم تتلبد في سماء مستقبله السياسي بسبب تلفيقه تقارير استخباراتية وتلاعبه في مضمونها من أجل ايجاد المبررات الكافية لدفع أميركا للحرب ضد العراق. \r\n \r\n أما ابرامز فهو شخصية مثيرة للجدل بسبب التزامه اللامحدود الذي يصل الى حد السعار بقضية اقصى اليمين الاسرائيلي وارساله لاجراء مفاوضات مع شارون حول الاستيطان يشبه الى حد بعيد الطلب من شارون ان يفاوض نفسه بنفسه حول هذا الموضوع. \r\n \r\n ابقاء مثل هذه الشخصيات في مناصبها الحالية يعني ان بوش ليس جادا بشأن احداث تقدم فعلي حول الدولة الفلسطينية. وهناك الآن ائتلاف دولي جديد شكل ضد ائتلاف اليمين الذي يقوده شارون، وهو يتضمن القوى الضعيفة والمبعثرة لليسار الاسرائيلي واعضاء الحرس القديم من أصحاب النفوذ في المؤسسة الخارجية الأميركية مثل زبيغنيو برزنسكي وبرنت سكوكروفت وجيمس بيكر وانتوني زيني وغيرهم. \r\n \r\n هؤلاء منزعجون جدا من سياسة بوش الخارجية اضافة للقادة الأوروبيين ويأتي على رأسهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك. \r\n \r\n في المؤتمر الصحفي المشترك الأخير الذي عقده رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج بوش قال بوش انه يأمل في ان يرى ظهور دولة فلسطينية خلال السنوات الأربع القادمة. \r\n \r\n وجاء الرد الفرنسي سريعا عندما صرح وزير الخارجية الفرنسية مايكل بارنر لصحيفة «لوفيغارو» قائلا «ليس بامكان الدولة الفلسطينية الانتظار حتى عام 2009». \r\n \r\n وقال ان أوروبا مستعدة لمساعدة الفلسطينيين لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وان على جميع الفلسطينيين ان يشاركوا في هذه الانتخابات بمن فيهم الفلسطينيون المقيمون في القدسالشرقية. \r\n \r\n واضاف الوزير الفرنسي «ان هناك اجماعا أوروبيا على ابلاغ الولاياتالمتحدة بأن هذه هي اللحظة المناسبة لكتابة صفحة جديدة». \r\n \r\n في نفس اليوم قدم برزنسكي مستشار الأمن القومي السابق في إدارة كارتر الى صحيفة «لوموند» اليومية أفكاره المتعلقة بالتسوية السلمية التي يرغب في ان تقوم الولاياتالمتحدة وأوروبا بتحديدها وتعزيزها والترويج لها من أجل التأثير على الرأي العام الاسرائيلي والفلسطيني. \r\n \r\n كانت خطته على النحو التالي: \r\n \r\n انكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين. \r\n \r\n دمج المستوطنات الاسرائيلية التي اقيمت على طول حدود عام 1967 مع اسرائيل والتي يقطنها حوالي ثلثي المستوطنين مقابل قيام اسرئيل بتعويض الفلسطينيين بأراض أخرى في أماكن أخرى. \r\n \r\n وجود القدس كعاصمة مشتركة. \r\n \r\n اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. \r\n \r\n أين يقف كل من بوش وبلير من هذه القضايا؟ يبدو ان الزعيمين يقفان في منطقة وسط بين هذين المعسكرين. \r\n \r\n خلال مؤتمرهما الصحفي في واشنطن تحدث الرجلان بصورة مراوغة حول الحاجة لقيام الفلسطينيين بتبني «الديمقراطية» دون ان يذكر أي منهما العراقيل المخيفة التي اقامتها اسرائيل في طريق الشعب الفلسطيني لابعادهم عن خيار الديمقراطية والهائهم بمصاعب الحياة وجعل حياتهم جحيما لا يطاق مثل: اغتيال القادة والمقاتلين الفلسطينيين وفقدان حرية التنقل والقهر والإذلال الذي يمارس ضدهم على 700 نقطة تفتيش اقامتها اسرائيل والتوسع في حركة الاستيطان اضافة الى اقامة جدار العزل. \r\n \r\n شأنهم شأن العراقيين فإن الفلسطينيين ليسوا معنيين بالديمقراطية أكثر من اهتمامهم بحق تقرير المصير الوطني، انهم يريدون ان يديروا حياتهم بعيدا عن السيطرة الاسرائيلية والاحتلال البغيض. \r\n \r\n ان النقاش الدائر بين الفلسطينيين هو كيف يحررون انفسهم من نير الاحتلال الاسرائيلي وبعضهم يقول ان الثورة المسلحة هي الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الأمر. البعض الآخر يدافع عن المفاوضات السلمية بالرغم من ادراكهم التام ان المفاوضات السابقة لم تحقق لهم سوى القليل وان شارون سيفعل أي شيء من أجل تجنب ذلك. \r\n \r\n حماس والجهاد الاسلامي قررتا مقاطعة الانتخابات الخاصة باختيار رئيس للسلطة الفلسطينية التي يحتقرانها ويريان فيها منتجا مسخا لاتفاقيات اوسلو المجهضة ومع ذلك دعتا لاجراء انتخابات بلدية وتشريعية من أجل اظهار الدعم الشعبي لهما وكسب مكان لهما في أي قيادة موحدة قد تظهر. \r\n \r\n انهما لن تتخليا عن «الثورة المسلحة» إلا إذا قدمت لهما ضمانات وتأكيدات بوجود دولة فلسطينية في نهاية الطريق، انهما بحاجة لرؤية «افق سياسي» وهو شيء يحرص شارون على انكار حقهم في الحصول عليه. ان السؤال الرئيسي في هذا المقام هو: من خلال الاشتراط على الفلسطينيين الأخذ بالديمقراطية هل هذا يعني ان بوش وبلير يحملان نفسيهما مهمة مستحيلة وبالتالي يعطيان شارون عمليا حرية اطلاق اليد لفعل ما يريد من أجل اقامة «اسرائيل الكبرى» وتنفيذ طموحاته بهذا الشأن؟ \r\n \r\n إذا كان الحال فعلا كذلك فعلينا إذن ان نتوقع إراقة المزيد من الدماء. \r\n \r\n او على العكس هل يرتب بوش وبلير فخا لشارون والجناح اليميني الاسرائيلي لاجبارهما على الموافقة على اجراء الانتخابات الفلسطينية على اساس ان هذه الانتخابات ستعزز قيادة فلسطينية قادرة على خوض المفاوضات مع اسرائيل وبالتالي الوصول للدولة الفلسطينية عبرها؟ \r\n \r\n بالرغم من تعصبهما الروحي والايديولوجي فإن بوش وبلير يعتبران سياسيين بارعين. انهما يدركان ان الديمقراطية الوحيدة لتهدئة الشرق الأوسط واطفاء نيران التمرد الاسلامي العالمي وحتى ربما مغادرة العراق بشرف يتم من خلال التحرك نحو حل النزاع العربي الاسرائيلي. \r\n \r\n ومثل هذا الأمر يحتاج الى الكثير من التأني حتى لا يثيروا رد فعل غاضب وعنيف من قبل اصدقاء شارون. \r\n \r\n بوش يقول انه يريد التواصل مع أوروبا التي يخطط لزيارتها قريبا. فهل بامكان كوندوليزا رايس ان تقيم على أساس انها من «المحافظين الجدد» او «المعتدلين» وهي التي ستناط بها مهمة القيام بالمهام التي كانت ملقاة على كاهل باول؟ \r\n \r\n المستقبل كفيل باعطاء اجابة عن هذا السؤال. \r\n