\r\n وهي بهذا المعنى مستعدة للتخلي عن قوة ليست في حاجة إليها مقابل حصولها على الاعتراف الدولي وبعض السلع الأساسية. بيد أن القوة الآسيوية التي يتعين الاحتياط منها ليست هي كوريا الشمالية، بل الصين. فقد كان أسلاف النظام الصيني الحالي من أجبر الولاياتالمتحدة على الانسحاب من الجزء الشمالي لكوريا، كما ساهموا في إلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية في حرب فيتنام. \r\n واللافت أن الصين استطاعت مضايقة أميركا على مسرح القارة الآسيوية بإتقانها اللعبة الاستراتيجية المجبولة عليها منذ القدم، بينما كانت تعاني من الفقر والفوضى، وتعوزها الأسلحة الحديثة. وابتداء من عام 1978 شرعت الصين في توظيف نموها الاقتصادي وتطورها التقني الهائل لبناء قدراتها العسكرية ساعية إلى تمثل النموذج الياباني في عهد \"ميجي\" الذي حول اليابان من بلد إقطاعي متخلف إلى دولة صناعية هزمت الأسطول الروسي في معركة \"تاسوشيما\". وبتغيير الصين لموقفها من الولاياتالمتحدة وتحسن العلاقات قليلاً في العقود الأخيرة سارع الرئيسان الأميركيان الأخيران إلى تقديم مساعدات إلى بكين في الوقت الذي تم فيه داخل الولاياتالمتحدة الركون إلى اطمئنان مبالغ فيه والسقوط في نوع من التراخي العسكري رافقه نشر للقوات الأميركية في آسيا تميز بانعدام الكفاءة. والحال أن الصين ما فتئت تتقدم إلى الأمام بينما تتراجع الولاياتالمتحدة؛ والسبب، من بين أمور أخرى، هو امتلاكها لرؤية منضبطة وواضحة، في حين تنوء رؤيتنا تحت هاجس الخوف وغياب فهم حقيقي لدى المسؤولين باستراتيجية الصين الكبرى، وبعنصرها النووي الذي تقوم عليه. \r\n هذا التخاذل الأميركي في مواجهة الصين شجعها على السعي إلى اللحاق بالولاياتالمتحدة في المجال النووي. وجاء إقدام أميركا على تقليص ترسانتها النووية طيلة الخمس سنوات الأخيرة من 10 آلاف صاروخ استراتيجي إلى 1700 صاروخ ليفاقم الوضع، حيث عملت الصين على زيادة عدد صواريخها وتطوير مداها لتنتقل من 80 صاروخاً إلى 1800 صاروخ. وإذا كان التفوق الأميركي في السابق المعتمد على العدد الهائل من الآليات العسكرية ساهم في ردع الصين وإخافتها، إلا أنه في ظل التقدم الكبير الذي تشهده الصين وانعكاس ذلك على قدراتها العسكرية، يصبح التفوق الأميركي في خطر، وعما قريب ستصبح الصين على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة. فمع تنامي عدد الصواريخ التي تملكها الصين تصبح الأهداف الأميركية ضئيلة نسبياً وعلى مرمى من قدرتها، وهو ما قد يغري الصين، مهما كان الاحتمال بعيداً، بتوجيه الضربة الأولى إلى أميركا. وفي الوقت الذي قامت فيه الولاياتالمتحدة بتقليص أسطولها من الغواصات النووية، الذي يعتبر عصب استراتيجيتها البحرية، من 37 إلى 14، تعمل الصين على بناء قدرتها لحماية ثغورها البحرية وملاحقة ما تبقى من السفن الأميركية. \r\n ولئن كان التنافس النووي بين القوى الصاعدة على الساحة الدولية أمراً مألوفاً، فإن القاعدة الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية هي ضرورة مواجهة التحدي النووي كلما كشر عن أنيابه. وخلافاً للتوقعات قد تقدم الصين على استخدام سلاحها النووي بعدما تبين لها أن أميركا مستعدة للجوء إليه أيضاً إذا ما انتهكت الصين اتفاق الهدنة الكورية. ولا يقتصر الخطر فقط على اختلال التوازن الكمي في عدد الأسلحة لدى بكين وواشنطن، بل يكمن الخطر أيضاً في الاستراتيجية النووية الصينية التي باتت تعتمد على تقنيات متطورة تفوق ما كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة. وإذا كان من السهل على الخبراء وضع استراتيجيات محكمة تواجه الصعود العسكري الصيني، إلا أن ذلك يصبح متعذراً في ظل غياب إجماع سياسي لدى الشعب الأميركي وتراخيه في مجال الدفاع عن أمنه القومي مع ما يتطلبه ذلك من دعم سياسي ورصد الاعتمادات المالية الكافية. \r\n وللتدليل على مدى قدرة الصين على استغلال الإنجازات التكنولوجية للانخراط في حرب غير تناظرية مع الولاياتالمتحدة ما علينا سوى النظر إلى التجربة الصينية الناجحة التي أجرتها على سلاح مضاد للأقمار الاصطناعية. فبالنظر إلى التطلعات الصينية وتصادمها مع المصالح الأميركية ليس مستبعداً نشوب حرب بين البلدين حول تايوان، أو كوريا الشمالية، بحيث تلجأ الصين إلى إخراج القدرة النووية الأميركية من المعادلة ليس بالاعتماد على التوازن في السلاح، بل إلى طرق أخرى للردع. فالصين تدرك أن جميع الجوانب الاقتصادية والعسكرية الأميركية تعتمد على أجهزة وشبكات إلكترونية موصولة مع بعضها بعضاً. وفي حال تعرضت تلك الأجهزة لخلل مفتعل وتعطلت فإن أميركا كلها ستتوقف لفترة قد تمتد لسنوات وتغرق في الظلام والفوضى. فقد تلجأ الصين إذا ما حصرت بين النصر، أو الهزيمة، إلى تفجير شحنات نووية عالية في الهواء متسببة في انتشار الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي سيعطل بدوره جميع الأجهزة الإلكترونية للحكومة الأميركية مع ما لذلك من تداعيات خطيرة. \r\n وبالطبع لن تستطيع الولاياتالمتحدة الرد بضربة نووية مباشرة لأن التفجيرات الكهرومغناطيسية الصينية لم توقع ضحية واحدة أميركية، فضلاً عن أن اللجوء إلى تقنية تعطيل أجهزة الصين الإلكترونية لن يجدي نفعاً بالنظر إلى عدم ارتهان الحكومة الصينية لتلك الأجهزة. ولعل النقطة الأهم في الاستراتيجية النووية التي يتعين الاهتمام بها هي إبقاء الاحتمالات المطروحة أمام جميع الأطراف متوازنة، بحيث يصعب نقلها من نطاق الفرضية إلى نطاق الواقع. وفي هذا الإطار يتعين على الولاياتالمتحدة تقوية أنظمتها الإلكترونية، وبناء نظام للصورايخ ينهي ليس فقط احتمال توجيه الصين ضربة أولى، بل يضمن أيضاً حماية أفضل لقدرتنا العسكرية وتوجيه الضربة الثانية. \r\n \r\n زميل بارز في معهد \"كليرماونت\" الأميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n