\r\n \r\n هل يمكن ان يظل المخدوعون مخدوعين وان تقصر عيونهم عن رؤية العري الفاضح للعقيدة العنصرية الكامنة وراء دولة اسرائيل? \r\n \r\n وهل يعني ذلك ان المتحررين من الاوهام الاسرائيلية هم وحدهم القادرون على رؤية الانهيار القادم للصهيونية مصحوبا بانهيار اسرائيل نفسها كدولة عنصرية لليهود وحدهم? \r\n \r\n لقد شكلت العنصرية عصب الحياة بالنسبة لاسرائيل, والصهيونية تقوم على اعتقاد اساسي بوجود حق طبيعي وبشري وقومي لليهود في الارض التي يطالبون بها وهو اعتقاد يتعارض جوهريا مع احتمال نشوء اية ديمقراطية او مساواة في الحقوق بين الامم والاعراف المختلفة وبناء على ذلك فان العربدة المدمرة التي مارستها اسرائيل في كل من لبنان وغزة ليست سوى الخطوة التالية في مسيرة الايديولوجية الصهيونية. لان هذه الايديولوجية التي تكرس تميز وتفوق حقوق شعب معين لا يمكن ان تقر بوجود قيود قانونية او اخلاقية تقيد توسعها كما انها لا تقر بوجود حدود جغرافية ما دامت الجغرافيا التي تنشدها هي جغرافيا توسعية قادرة على استيعاب تلك الحقوق اللامحدودة التي تدعيها. \r\n \r\n ولا تستطيع الصهيونية ان تتقبل ابسط تحد لهيمنتها التامة على ما تعتبره مجالها الخاص وهو لا ينحصر بمساحة اسرائيل داخل حدود 1967 انما يتعداه الى المجال المحيط الذي يمتد الى حدود جغرافية لم يحن بعد وقت مطالبة الصهيونية بها. \r\n \r\n ان الهيمنة التامة كما تعرفها اسرائيل, تعني غياب كل تهديد مادي او ديمغرافي للدولة العبرية التي يسود فيها اليهود ويحتكرون كامل القوة العسكرية ويديرون جميع الموارد الطبيعية ويتفوقون فيها بالعدد ويظل جميع جيرانها ضعفاء ومغلوبين على امرهم هذه هي الرسالة التي ارادت اسرائيل ابلاغها من خلال هجومها على لبنان ومفادها ان لا حزب الله ولا من يدعم حزب الله مسموح له بالبقاء ما دام يتحدى السلطة المطلقة لاسرائيل في المنطقة لان اسرائيل لا تستطيع التعايش مع المجابهة, والصهيونية غير قابلة للتعايش مع اية ايديولوجية مغايرة حيث تستشعر الخطر في كل ما هو غير صهيوني. \r\n \r\n ان ما حاولته اسرائيل من خلال عنفها الوحشي الاعمى في لبنان هو تدمير الشعب وتحويل البلاد الى منطقة قتل يموت فيها كل من هو غير يهودي او يهرب او يخنع للقوة الاسرائيلية كما حصل في فترة احتلالها للبنان التي امتدت ما بين عام 1978 وعام 2000 وقد كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك عن مشاهداته لما فعلته اسرائيل في لبنان يقول انه يشعر بان اسرائيل قد اصدرت حكمها على بيروت بالموت.. اذ يجب ان لا يسمح لاحد بالعمل على ابقاء بيروت حية, وكان فيشك يعلق على مقتل اربعة فنيين لبنانيين كانوا يعملون على اصلاح خطوط الماء والكهرباء في غارة اسرائيلية, وكان رئيس الاركان الاسرائيلي دان حالوتس قد تعهد في بداية الحرب على لبنان بان يعيد البلاد 20 سنة الى وراء والكل يعلم ان لبنان قبل عشرين عاما لم يكن يعتبر على قيد الحياة. \r\n \r\n وتقدم القنابل العنقودية التي القتها اسرائي ̄ل الدليل الاكيد على عزمها على اعادة تشكيل لبنان, او الجزء الجنوبي منه على وجه التحديد, لتحوله الى منطقة »مطهرة« من سكانها العرب وغير قادرة على العيش خارج رحمة اسرائي ̄ل. ان القاء المتفجرات التي تصيب عشوائيا ومن دون تمييز على مناطق مكتظة بالسكان لا يمكن ان يعتبر اجراء جراحيا تقوم به قوة عسكرية لاستئصال اهداف محددة. فهو لا يمكن ان يكون الا تطهيرا عرقيا. وتبعا لجان ايجلوند, منسق الشؤون الانسانية في الاممالمتحدة, فان 90% من القنابل العنقودية القيت من قبل اسرائي ̄ل خلال ال ̄ 72 ساعة الاخيرة التي سبقت الهدنة, عندما اصبح واضحا ان القتال في طريقه الى التوقف. ومن هنا فان القاءها كان لغاية مستقبلية هدفها اخلاء المنطقة من السكان. يضاف الى ذلك الهجمات التي استهدفت تدمير 50%, وفي بعض الحالات 80%, من المساكن في عديد من القرى والحقت اضرارا بليغة بالبنية المدنية للبلاد. \r\n \r\n لقد دأبت اسرائي ̄ل منذ قيامها على انزال مثل هذه الضربات بجيرانها. وقد كان الفلسطينيون اكبر ضحاياها. فقد حسب الصهاينة انهم قد تخلصوا من اخطر مشاكلهم عندما ارغموا حوالي ثلثي سكان فلسطين على الهرب من ديارهم عام ,1948 وظنت انها تخلصت بذلك من الاغلبية السكانية غير اليهودية التي كانت تشكل عقبة على طريق اقامة الدولة العبرية ذات الاغلبية اليهودية, لكن اسرائي ̄ل اكتشفت بعد تسعة عشر عاما عندما بدأت بتوسيع حدودها والاستيلاء على الضفة الغربية وغزة ان الفلسطينيين الذين حسبتهم قد اختفوا ما زالوا هناك وسرعان ما تحولوا الى خطر يهدد الهيمنة الصهيونية خلال السنوات الاربعين التي تلت ذلك ركزت اسرائي ̄ل جهودها على ارغام الفلسطينيين على الاختفاء نهائيا. اما اساليبها في التطهير العرقي فمتعددة منها: سرقة الاراضي, وتدمير الموارد الزراعية, والخنق الاقتصادي, وتهديم المنازل, ومصادرة تراخيص الاقامة, والاغتيال, والترحيل, والاعتقال, وتشتيت شمل العوائل, وفرض القيود على حرية الحركة, والتجويع وغيرها. فاسرائي ̄ل تريد كامل الارض الفلسطينية. لكنها لا تستطيع تحقيق غالبية يهودية في الضفة والقطاع. ومن هنا, دأبت على ممارسة سياسة الخنق البطيء. \r\n \r\n في مقالة حملت عنوان »الانتفاضة الالكترونية« كتب المفكر الاسرائي ̄لي ايلان باب يصف ما تقوم به اسرائي ̄ل بانه »ابادة بشرية بطيئة«. فكل عمل للمقاومة يصدر عن الجانب الفلسطيني منذ عام 1948 يشكل حسب قول باب, مبررا لاجراء تطهيرات عرقية لاحقة تقوم بها اسرائي ̄ل. ويقول باب ان التطهير العرقي صار ممارسة معتادة في اسرائي ̄ل حتى ان »قتل الفلسطينيين, وخاصة الاطفال منهم, لا يرد الا في الصفحات الداخلية من الصحف الاسرائي ̄لية مكتوبا بحروف مجهرية« حسب وصفه. ويتنبأ باب بان مواصلة تقتيل الفلسطينيين بالمعدلات الراهنة ستؤدي الى هجرة جماعية, او الى المزيد من تمسك الفلسطينيين بارضهم, وهو الاحتمال الارجح, الذي لا بد ان يقود الى المزيد من التقتيل على يد الاسرائي ̄ليين. واخيرا, يقول باب ان العالم اذا استمر في صمته ازاء الجولة الحالية التي تمارسها اسرائي ̄ل من التطهير العرقي فان هذا التوجه سوف يتصاعد »بوتائر كارثية«. \r\n \r\n هنا تكمن الاشكالية في الموقف السائد اليوم. فقد كشفت اسرائي ̄ل من خلال حملتها الوحشية هذا الصيف على كل من لبنان وغزة عن الافلاس الكامل للفكرة التي قامت عليها وهي فكرة الخصوصية اليهودية. فهل سيظل المخدوعون مخدوعين الى الابد وهل سيواصل العالم الاشاحة ببصره عن الجرائم التي ترتكبها اسرائيل باسم المحافظة على جوار آمن لا يهدد اليهود? \r\n \r\n تسود العنصرية تفكير المحور الاسرائيلي الامريكي المحافظ وهو التفكير الذي يتحكم في منطقة الشرق الاوسط في الوقت الحالي. فقد وجدت العنصرية المتأصلة في العقيدة الصهيونية حليفا طبيعا في الفلسفة العنصرية الامبريالية التي يعتنقها المحافظون الجدد في ادارة جورج بوش. يقول الناشط الاسرائيلي ميشيل وورشاوسكي, من مركز المعلومات البديلة في القدس, ان الهدف النهائي للحرب الاسرائيلية- الامريكية العالمية هو»عرقنة« او »اثننة« جميع النزاعات حيث لا يعود المرء في حالة حرب ضد سياسة او حكومة او هدف محدد انما ضد »تهديد« يتجسد في جماعة اثنية محددة, وهي في حالة اسرائيل كل جماعة غير يهودية. \r\n \r\n في اعقاب الفشل الاسرائيلي في لبنان, ظهر بين العرب والمسلمين لاول مرة منذ قيام دولة اسرائيل عام 1948 شعور بان اسرائيل قد تخطت امكاناتها وان قوتها ونفوذها قابلان للتحجيم. فالهجمة المجنونة التي شنتها اسرائيل على لبنان اظهرت عملية »اثنته« النزاعات التي تحدث عنها وورشاوسكي على حقيقتها, وفضحت الموقف الاستعماري المتعجرف الذي يؤمن بالتفوق الغربي والاسرائيلي ويسعى الى فرض نوع من »الصدام القدري المحتوم« ما بين الغرب »المتمدن« والشرق »المتخلف« الغاضب. وكما يقول تشارلي رور فان »حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين, اللذين انبثقا كنتيجة لحروب الهيمنة الاسرائيلية السابقة هما الاستجابة السياسية لشعوب اهينت واحتلت وقصفت وقتلت المرة بعد الاخرى على يد الاسرائيليين وبتأييد مباشر او غير مباشر من الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n ان شيئا ما في طريقه عمل اسرائيل وفي طريقة دعم الولاياتالمتحدة لها يجب ان يتغير انها القناعة التي تزداد رسوخا داخل العالم العربي وخارجه والتي باتت تتنبأ بنهاية الصهيونية بالشكل العنصري والانعزالي الذي تقوم به حاليا. \r\n \r\n ان اسرائيل لن تهزم عسكريا لكن بالامكان هزيمتها نفسيا, الامر الذي يعني وضع حدود لهيمنتها وايقاف توسعها العدواني على حساب جيرانها وانهاء السيطرة اليهودية الدينية- العرقية على بقية الشعوب. \r\n \r\n ومن يتطلع الى المستقبل لا بدان يلمح اختيارين لا ثالث لهما: فاما ان تصمد اسرائيل وانصارها في الولاياتالمتحدة الى تجاوز الجوانب العنصرية في الصهيونية والموافقة على اقامة دولة واحدة في فلسطين يقطنها الفلسطينيون واليهود ويتمتعون فيها بحقوق متساوية, او ان العالم سيواجه حريقا لا يستطيع تصور ابعاده احد. \r\n