منذ سنوات تسعى إسرائيل لانتزاع الاعتراف بها كدولة يهودية و قد تحول ذلك على يد باراك أوباما إلى واحدة من مسلمات السياسة الغربية في المنطقة ويجري العمل لتمرير ذلك الاعتراف المنشود في بقايا الجامعة العربية بزعامة قطر كما تبين من زيارة واشنطن الأخيرة و من إعلان حمد بن جاسم. أولاً، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يعني التسليم بأن أرض فلسطين هي حق يهودي وهو يعني أيضاً الخضوع للأسطورة الصهيونية المؤسسة على تزوير فظ لتاريخ المنطقة و هذا معناه أن الحكومات العربية التابعة للغرب توقع صكا بالتنازل عن الحق التاريخي للفلسطينيين في وطنهم و تنهي حق العودة بجرة قلم، فعندما تعتبر إسرائيل دولة يهودية يصبح الفلسطينيون غاصبين لحقوق اليهود عبر التاريخ و ينازعون بما ليس لهم بأي شكل كان و عندها يصبح يوم النكبة يوما لاسترجاع الصهاينة حقهم الزعوم في فلسطين. ثانياً، إن هذه الصيغة السياسية هي الأخطر منذ كامب ديفيد وهي تتخطى بنتائجها الكارثية سياسياً وقانونياً كل ما ألحقته الأنظمة العربية بقضية فلسطين، ففي الاتفاقات الثنائية التي وقعت خلال الأعوام الأربعين الماضية استسلام للعدو وخضوع للهيمنة الإسرائيلية تحت الوصاية الأمريكية وتفريط بقسط كبير من الحقوق الوطنية الفلسطينية لاسيما في اتفاقات اوسلو و طبيقاتها الإسرائيلية، لكن التسليم بإسرائيل دولة يهودية يقود لفرض عقبات كبرى في طريق نضال الشعب الفلسطيني من أجل عودته لوطنه وهو كناية عن تسليم إسرائيل كمية من أوراق القوة السياسية والحقوقية لتعويض هزائمها أمام منظومة المقاومة في السنوات الأخيرة بحيث يتسنى لها قلب الاتجاه، فبدلاً من مطالبتها بالحقوق الفلسطينية المغتصبة ستنشأ لها حقوق مزعومة تمكنها عالميا من محاصرة النضالات الفلسطينية وخنقها. ثالثاً، يفتح الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية أبواب المذابح بحق الفلسطينيين في أراضي وطنهم المحتلة عام 1948 وكذلك في الضفة الغربيةالمحتلة، فالمفهوم بذاته قائم على عنصرية فظة و قادة الكيان يتحدثون جهارا عن دولة يهودية نقية أي دولة تقوم على التطهير العرقي، بينما ستتحول رقع التواجد الفلسطيني المتقطعة في الضفة لمعازل عنصرية على طريقة الأبارتهايد، و قد بشر رئيس الأركان الصهيوني الجنرال بني غانتس بتهجير السكان الأصليين من فلسطين عندما طرح رؤيته لازدحام الشرق بملايين المقتلعين والمشردين من سوريا ولبنان والأردن واعتبر ذلك السيناريو سانحة مهمة لتهجير شعب فلسطين و التخلص منه لصالح نقاء الدولة اليهودية التي هي محور مشروع التفتيت في المنطقة وغاية الحرب الكونية ضد سوريا، و قد حلم المخططون الصهاينة وحاضنهم الاستعماري الغربي بتفتيت الشرق إلى ساحة تناحر ديني وعرقي تهيمن فيها إسرائيل بوصفها قوة إقليمية عظمى تقود حكومات عاجزة و مهمشة تدور في الفلك الإسرائيلي أمنياً واقتصادياً و بالتالي سياسياً. إن السبيل لمجابهة هذا الفصل التصفوي الجديد هو الوعي الشعبي لخطورة ما يدبر و الأصل في ذلك هو انبثاق نهضة عربية و فلسطينية جديدة تنطلق من حيث بلغت التجربة التاريخية للنضال التحرري الفلسطيني والتحدي مطروح على جميع المناضلين العرب الحقيقيين ففي مراحل الفرز الحاسم لا ينبغي الالتفات للوراء.