\r\n ولعل أبرز وأوضح ما في هذه المشكلة اليابانية مع التاريخ, تلك الزيارات السنوية التي يقوم بها رئيس وزرائها إلى ضريح \"ياسوكوني\" الواقع في وسط العاصمة طوكيو, حيث يرقد هناك 14 جندياً من الجنود اليابانيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية, مع العلم أنهم من مجرمي الحرب الذين جرى تكريمهم بذلك الضريح. وفي كل من الصين وكوريا, تثير هذه الزيارات ذكريات ومرارات الحرب اليابانية عليهما, مما يشعل مظاهرات الشجب والاحتجاج عليها في كلا البلدين. ليس ذلك فحسب, بل تدفع ردود الأفعال الإقليمية ذاتها اليابان سنوياً إلى خانة الدفاع, وتضرب حولها طوقاً منيعاً من العزلة الإقليمية, التي تبقيها عاجزة تماماً عن ممارسة أي نفوذ إقليمي في تلك المنطقة. \r\n وقد تجددت هذه المشكلة تارة أخرى يوم الثلاثاء الماضي– الذي صادف ذكرى نهاية الحرب الباسفيكية- حيث قام جونيشيرو كويزومي بزيارته السنوية إلى الضريح المذكور, وتمت تغطيتها حية من قبل القناة التلفزيونية اليابانية. ومما زاد الطين بلة أن حثت الولاياتالمتحدة الأميركية اليابان مؤخراً على تسريع عملية التطبيع. ومما لا شك فيه أن هناك من الاستراتيجيين الأميركيين من ينظر إلى اليابان كما لو كانت \"بريطانيا الشرق\" بالنسبة لهم, كناية عن الدور الذي تؤديه لواشنطن في تلك المنطقة الآسيوية المهمة. والمقصود بهذا أن تكون اليابان دولة حليفة لواشنطن وذات قدرات عسكرية هائلة, تمكنها من الوقوف جنباً إلى جنب معها. تلك هي بالدرجة الأولى رؤية التقرير الذي أعدته لجنة أرميتاج, التي اتخذت اسمها من نائب وزير الخارجية السابق ريتشارد أرميتاج, وهو التقرير الذي أصدرته مجموعة حزبية ثنائية من اختصاصيي الأمن القومي, فضلاً عن كونها الرؤية الأكثر انتشاراً في أوساط كل من \"الجمهوريين\" و\"الديمقراطيين\" المعنيين بمسألة الأمن الياباني. \r\n بيد أن المشكلة هي أنه لا سبيل البتة للجمع ما بين التاريخ والتطبيع في اليابان. ذلك أن التطبيع يقتضي إجراء تعديلات دستورية هناك, وكذلك تطوير قدرات عسكرية جديدة, مضافاً إليها تخطي حاجز السلبية الطويلة الأمد فيما يتعلق باستخدام القوة. وفي المقابل فإن المصالحة التاريخية, تتطلب من جانبها تقديم ما يوحي بالاعتذار من جانب الحكومة اليابانية, علاوة على تشديد الالتزام إزاء عدم استفزاز مشاعر الجيران وإبداء النوايا السلمية الحسنة تجاههم. ومما لا شك فيه أن هذين الأمرين سيشكلان لعبة عصية مخادعة ربما لا تستطيع اليابان مجاراتها. ولذلك فهي تتطلب قدراً أكبر من الاستنارة والخيال, مما لم يخطر على قلب طوكيو مطلقاً. كما ينبغي على واشنطن في المقابل أن تعيد النظر مجدداً في رؤيتها الخاصة بمنطقة شرق آسيا, بما فيها فكرة التحالف الأميركي-الياباني. \r\n ثم إن هناك قدراً كبيراً من السخرية إزاء المأزق الجيوبوليتيكي الذي دبرته طوكيو لنفسها. ويتلخص هذا المأزق في النجاح الباهر الذي حققته اليابان في تحديد هويتها لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن باب تحويلها الضرورة إلى حرية, فقد احتفلت اليابان مؤخراً ب\"دستورها السلمي\", ناعتة نفسها بأنها دولة عظمى سلمية متحضرة, وفي وسعها الاستثمار في مجالات السلم والأمن العالميين, تحت مظلة مجلس الأمن الدولي. ولكن المشكلة أن العالم الأوسع يبدي احترامه وإعجابه بتميز النمط المدني السلمي المتحضر الذي اختطته اليابان لنفسها, في حين لا تشاطره الدول الإقليمية المجاورة مثل كوريا والصين هذا الموقف. وبما أن نهاية عهد كويزومي قد أزفت, فقد حان لكل من طوكيو وواشنطن, إعادة النظر ملياً في سياساتهما المتبعة حالياً. \r\n وفي الجانب الياباني, فربما حان الوقت لإيجاد طريقة لائقة لوضع حد لزيارات ضريح مجرمي حربها أولئك. أو تحت أسوأ الفروض, ينبغي لها أن تشير إلى المسؤولين عن الضريح بإزالة الأربعة عشر اسماً المثيرة للاستفزاز لدى الدولتين الجارتين. بيد أن الأهم من ذلك أن يجعل رئيس الوزراء الجديد من هدف المصالحة الإقليمية هدفاً رئيسياً له. ولا سبيل لطوكيو إلى تحقيقه سوى تبني أسلوب الدبلوماسية الإقليمية النشطة مع جيرانها الآسيويين. \r\n \r\n جون إيكنبيري \r\n أستاذ كرسي \"ألبرت جي. ملبانك\" للسياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n