في سياق الشهادة التي أدلت بها أمام الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، قالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إن الإدارة الأميركية \"حاولت ترك مجال مفتوح للعمل مع بوليفيا\"، في وقت أشار مساعدوها إلى أن هذه الإدارة مستعدة للحوار مع بوليفيا لبحث أفضل السبل الكفيلة بمحاربة تجارة المخدرات من دون معاقبة المزارعين الفقراء الذين يزرعون نبات الكوكا. وفي هذا السياق قال توماس إي. شانون، رئيس قسم أميركا اللاتينية في الخارجية الأميركية، \"إننا مستعدون للجلوس من أجل التحدث مع موراليس\"، مضيفا: \"نحن نحترم انتخاب الشعب له، ولدينا مصالح مشتركة عديدة. كما نرغب في مساعدة بوليفيا ولكن المخدرات تمثل تهديدا حقيقيا، ولذلك علينا أن نجد وسيلة لمواجهتها\". \r\n واللافت أن موراليس، البالغ من العمر 46 سنة، قد خفف من اللهجة الحادة لخطاباته المعادية للولايات المتحدة والتي ميزت حملته الانتخابية. كما أنه تراجع عن تنديده القوي ببرامج الولاياتالمتحدة لمحاربة المخدرات باعتبارها ذريعة للتدخل العسكري، وتعهد بالسماح باستمرار هذه العمليات شريطة التزامها بالقوانين البوليفية. \r\n وحسب عدد من المراقبين، فإن محاولة التقرب من موراليس، رغم ماضيه في صفوف المعارضة البوليفية، ورغم المعارضة القوية التي أبدتها بعض الدوائر الأميركية، إنما تعكس في واقع الأمر سعي إدارة بوش إلى تفادي الأخطاء التي ارتكبت مع دولتين أخريين هما فنزويلا وأفغانستان. ففي حالة فنزويلا تطورت الحرب الكلامية بين واشنطن والرئيس هوغو شافيز، صاحب الخطب النارية والمتحكم في احتياطيات النفط المهمة، إلى مواجهة دائمة، وذلك في وقت يسعى فيه شافيز إلى نسج علاقات وثيقة مع كوبا وإيران والصين. أما في حالة أفغانستان فقد أدى التركيز الكبير للولايات المتحدة على سياسات محاربة الإرهاب إلى ازدهار زراعة الأفيون وتجارته. \r\n وعلى نطاق أوسع تعرضت الإدارة الأميركية لانتقادات لاذعة بسبب تقصيرها إزاء أميركا اللاتينية وإهمالها لها بسبب انشغالها في حربها ضد الإرهاب، وذلك على خلفية انحراف عملية انتقال المنطقة من الحكم العسكري إلى أنظمة ديمقراطية تتميز بانفتاح السوق، وهي العملية التي كانت محط ترحيب وإشادة من قبل المجتمع الدولي، إلى حكم مدني ديكتاتوري في البيرو وفنزويلا أو إلى الشعبوية اليسارية في دول مثل البرازيل وأوروغواي حيث يستشري الفقر والعنف والتفاوت الاجتماعي. \r\n ويرى عدد من المحللين أن التعامل مع موراليس سيظهر أن لواشنطن الثقة والقدرة اللازمتين للتمييز بين الخصوم الافتراضيين والحقيقيين، كما سيساهم ذلك في الوقت نفسه في تبديد شكوك البوليفيين إزاء دوافع الولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق يقول جون وولش، المحلل في \"مكتب واشنطن الخاص بشؤون أميركا اللاتينية\"، وهي منظمة حقوقية غير ربحية، \"لقد استفادت الولاياتالمتحدة من العديد من الدروس في هذه المنطقة من العالم\"، مضيفا: \"بالرغم من حدة النقاش الداخلي حول بوليفيا على خلفية المتشددين الذين يدفعون في اتجاه عزل موراليس، فإنه من اللازم جس النبض أولا، فهذه البلاد حساسة جدا تجاه النفوذ الأميركي، وبالتالي فليس ثمة ما يدعو إلى الضغط بقوة\". \r\n والواقع أن جملة من المشكلات يمكنها، حسب عدد من الخبراء والمسؤولين، إضعاف حسن النوايا الأولي بسهولة، نتيجة عدد من المشاكل، إذ سيكون من الصعب مثلا فصل حاجيات مزارعي الكوكا البوليفيين وتقاليدهم، والذين تعهد موراليس بحمايتهم، عن الهدف العاجل المتمثل في مكافحة التجارة الدولية للمخدرات. وفي هذا الإطار يقول أحد أعضاء الكونغرس الأميركي؛ \"في حال كان لديك أشخاص يقومون بعرض أكياس الكوكا على حافة الطريق للبيع، فما الذي يضمن لك أن رحلتها ستنتهي في فم أحد البوليفيين عوض أن يتم تهريبها عبر الحدود من أجل معالجتها وتحويلها إلى كوكايين\". ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الولاياتالمتحدة تنفق حاليا 80 مليون دولار في السنة لمحاربة المخدرات في بوليفيا، في وقت يعارض فيه بشدة أعضاء من الكونغرس أي تليين في الجهود من جانب الولاياتالمتحدة. \r\n أما المشكلة الأخرى التي يمكن أن تعترض طريق العلاقات الأميركية- البوليفية فتتمثل في أن أنصار موراليس يتوقعون منه تنفيذ ما قطعه على نفسه من وعود على صعيد التغييرات الاقتصادية الجذرية، من قبيل تشديد مراقبة احتياطات الغاز الطبيعي، وهو ما يمكن أن يشكل عامل تنفير بالنسبة للاستثمارات الخارجية ويبعد بوليفيا عن اتفاقات التجارة الإقليمية التي تدعمها الولاياتالمتحدة. \r\n ولكن بالرغم من أن موراليس قد يبدو منسجما إيديولوجيا مع شافيز في فنزويلا، فإن عددا من المحللين والمسؤولين الأميركيين يرون أن موراليس يبدو أكثر براغماتية واستعداداً للقيام بتوافقات. كما يرون أن بإمكانه كسب الكثير من وراء ربط علاقات مع جار آخر في المنطقة، وهو رئيس كولومبيا ألبارو أوريبي الذي يعد حليفاً كبيراً للولايات المتحدة في المنطقة. \r\n ففي حوار أجرته معه صحيفة \"واشنطن بوست\" الأسبوع الماضي، تحاشى \"أوريبي\" انتقاد بوليفيا أو فنزويلا، وشدد على ضرورة أن يتم لمُّ شمل البلدين في إطار اتفاقيات التجارة الإقليمية، مشيرا إلى أن السبيل الوحيد لمواجهة الشحن السياسي المتزايد في المنطقة هو معالجة المشاكل المرتبطة بالفقر والتفاوت. وقال \"أوريبي\": \"لا نسعى إلى التسبب في مشاكل بالنسبة لفنزويلا أو بوليفيا\"، مضيفا: \"علينا حل مشكلات أميركا اللاتينية كافة. ومن أجل التغلب على النقاش السياسي الدائر في أميركا اللاتينية، يجب علينا أن نكون قادرين على إثبات أن التجارة الحرة هي تجارة نزيهة في الواقع\". \r\n \r\n باميلا كونستابيل \r\n محررة في قسم الشؤون الخارجية ب\"الواشنطن بوست\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"