أما الرسوم الكاريكاتورية، فلم تكن سوى الشرارة التي فجرت الغضب المحتقن؛ فهيمنة إسرائيل على الفلسطينيين، وظهور تنظيم ''القاعدة''، ثم هجماته المأساوية على الولاياتالمتحدة، و''الحرب على الإرهاب'' التي تلت ذلك، والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق واحتلالهما، والتهديدات الغربية الأخيرة بالهجوم على إيران، كلها عوامل أضيفت إلى تضافر قوى سياسية-نفسية ودينية انفجرت، أو تم تفجيرها، واستغلالها من قبل البعض سراً. \r\n هل يتعلق الأمر بصراع حضارات؟ أجل بكل تأكيد. وهل تطور الأمر إلى حرب بين الحضارات؟ كلا، فأعمال الشغب في الشارع لا تؤدي إلى الحرب، تماماً كما لا تؤدي الهجمات الإرهابية في البلدان الغربية إلى الحرب. صحيح أن حرباً حقيقية تدور رحاها الآن في العراق، وربما تُستأنف الحرب في أفغانستان، ولكنهما حربان تجمعان المسلمين من أجل السيطرة على العراق وأفغانستان، فالأميركيون سيرحلون في الأخير. كما أنهما حربان وطنيتان ترميان إلى إرغام الأميركيين على الرحيل عاجلاً وليس آجلاً. \r\n أما في العالم الغربي، فيمكن ملاحظة ردود الفعل التالية إزاء ما جرى: أولاً، الهجوم المضاد الأوروبي ضد ازدواجية معايير المجتمع الإسلامي حيث لا يسمح في بعضها ببناء الكنائس، وانتشار مشاعر معاداة السامية، والقمع الديكتاتوري للآراء المعارضة، وغيرها. ثانياً، الدفاع الغربي القوي عن حرية التعبير، كما لو أن حرية الصحف الغربية كانت في خطر. وهو ما قد يكون صحيحاً في بعض الحالات، حين تحاول بعض الأقليات المسلمة في أوروبا منع الصحف من نشر مواد تتضمن انتقاداً للإسلام، كما تفعل أقليات أخرى في حالات مماثلة. \r\n إنه لمن المبالغ فيه أن يتسبب التعبير الحر، الذي لم يكلف المتحدث أو الناشر أو الرسام شيئاً، في أعمال عنف وشغب في دمشق وبيروت وطهران والقاهرة وكابول وأماكن أخرى -بعضها استغلته بعض الحكومات، وبعضها حرضت عليه الصحف، وبعضها تلقائي حقيقي. وتعتزم إيران اختبار حرية التعبير لدى الأوروبيين عبر تقديم رسوم كاريكاتورية حول المحرقة اليهودية من أجل إعادة نشرها في الصحف الغربية. بيد أن بعض الغربيين عبروا أيضاً عن استنكارهم إزاء الغباء أو المكر والخبث الذي ينطوي عليه نشر تلك الرسوم، والاستفزاز المتعمد والمقصود من وراء إعادة نشرها في عدد من الصحف الأوروبية. لماذا نزيد الطين بلة في وقت يُقتل فيه الناس، وتنظم فيه المظاهرات الحاشدة والغاضبة، ويتم فيه تأجيج الكراهية الدينية؟ \r\n الواقع أنه لا يمكن للمرء أن يتجاهل عمق ما يعتمل في كلا الجانبين، ذلك أن رد الفعل الإسلامي، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، ينبع بشكل أساسي من الضعف والهوان الذي استدعى التدخل الأجنبي والسيطرة الأجنبية، وبالتالي فإلقاء اللوم على الإمبريالية ليس سوى ذريعة. صحيح أن العرب، أو المسلمين عموماً، عانوا الكثير على يد الغرب، ولكنهم يتحملون أيضاً قسطاً من مسؤولية ما حدث لهم. فإذا كان البعض ينظرون إلى الإسلام على أنه دين جامد، فإن المسلمين هم المسؤولون، وليس الغرب. وإذا كان المجتمع العربي يعاني منذ 1920 من التخلف والحكم الديكتاتوري، فالعرب يتحملون قسطاً من المسؤولية في ذلك. لقد ظلت تركيا قوة كبرى مستقلة طيلة العصر الحديث. وبالرغم من أن الإمبراطورية العثمانية أصبحت ''رجل أوروبا المريض'' في بداية القرن العشرين، فإن الأتراك تمكنوا سنة 1915 من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات البريطانية والأسترالية والنيوزيلندية، التي كانت تسعى إلى بسط سيطرتها على الحركة الملاحية بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والهجوم على القسطنطينية. وفي أعقاب الحرب العالمية، أعاد الأتراك بناء دولتهم بقيادة كمال أتاتورك، وحولوها إلى دولة علمانية حديثة. في حين مُنيت الجهود العربية من أجل الحرية بالفشل، حيث حارب العراق البريطانيين، ولكنه اضطر في الأخير إلى الانضمام إلى سوريا ولبنان وفلسطين ومصر تحت الحكم البريطاني أو الفرنسي شبه الاستعماري. ثم بعد ذلك أتت إسرائيل والحروب، والديكتاتوريات الشعبوية تحت حكم جمال عبدالناصر في مصر، والديكتاتوريات ''البعثية'' شرق المتوسط، والآن التدخل الأميركي لدمقرطة المنطقة. \r\n مما لاشك فيه أن كل تلك العوامل تسببت في تأجيج مشاعر كراهية الغرب التي انتشرت اليوم في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. والحال أن الكراهية تولد الكراهية، وتقوي الأحكام الجاهزة والخوف الفطري من الآخر، فاليوم كذلك بات الغضب وكراهية المسلمين في أوروبا والولاياتالمتحدة أمراً ملموساً. ويبدو أن ظلاماً أخلاقياً قد سقط على طرفي الاصطدام. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع تريبيون ميديا سيرفيس \r\n \r\n