وفي يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، دخل وودوارد بهدوء الى مكتب هوارد شابيرو للمحاماة وهو مكتب ويلمر وكاتلر وبيكرنج وهيل ودور وأدلى بشهادة دامت ساعتين امام مدعي "بليمجيت" باتريك فيتزجيرالد، وهو رجل كان وودوارد قد استهزأ به خلال برنامج تلفزيوني في الليلة التي سبقت اتهام سكوتر ليبي ووصفه بأنه "مدع تافه". \r\n وجاء إدلاء وودوارد بشهادته نتيجة لاتصال هاتفي بفيتزجيرالد من مسؤول في البيت الأبيض في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، اي بعد أسبوع من توجيه الاتهام الى ليبي. وقال المسؤول لفيتزجيرالد ان المدعي كان مخطئاً في زعمه خلال مؤتمره الصحافي ان ليبي كان أول من كشف حقيقة ان زوجة جوزيف ويلسون، فاليري بليم، عميلة لوكالة "سي اي ايه". وأبلغ المسؤول فيتزجيرالد انه هو شخصياً كشف لوودوارد حقيقة عمل بليم خلال مقابلة أجراها معه في منتصف يونيو/ حزيران اي قبل اسبوع تقريباً من ابلاغ ليبي ميلر بالأمر ذاته. \r\n وعندما رأى فيتزجيرالد ان تسلسل الأحداث الذي اجتهد كثيراً في بنائه ينهار على نحو يُضعف قضيته ضد ليبي، استدعى وودوارد في اليوم ذاته اي في الثالث من نوفمبر ليدلي بشهادته. ولا شك ان وودوارد وهو مدير التحرير المساعد لصحيفة "واشنطن بوست" وجد في اتصال فيتزجيرالد به دعوة غير مرحب بها بما انه تفادى ابلاغ اي شخص في "واشنطن بوست" بمن فيهم رئيس التحرير لين داوني والناشر دونالد جراهام بأنه كان أول صحافي يتلقى معلومات تم تسريبها من البيت الأبيض بشأن بليم. وقد التزم وودوارد الصمت بينما كان اثنان من رفاقه هما والتر بينكوس وجلين كيسلر يساقان للإدلاء بشهادتيهما أمام فيتزجيرالد. \r\n وبعد وقت قصير من اتصال فيتزجيرالد الهاتفي ابلغ وودوارد داوني انه سيضطر الى الادلاء بشهادته. وفي يوم الأربعاء نشرت "واشنطن بوست" تقريراً اخبارياً لاذعاً نوعاً ما ومعه رواية وودوارد بشأن شهادته. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم نشر هوارد كيرتز تعليقاً على موقع "واشنطن بوست" في شبكة الانترنت. وكان واضحاً من التقرير الاخباري وتعليق كيرتز ان رفاق وودوارد يجدون سلوكه السري غير لائق (وقد وصف داوني ذلك السلوك متلطفاً بأنه "غلطة") ومحرجاً نوعاً ما في ضوء كل ما يقال عن طريقة جودي ميلر الاستبدادية في التعامل مع مسؤولي صحيفتها. \r\n وتماماً كما اختلفت ميلر ومسؤولي التحرير في صحيفتها بشدة حول ما اذا كانت الصحيفة قد أبلغتهم بما تنوي القيام به كذلك اظهرت رواية وودوارد تحدياً عسيراً من مراسل الصحيفة المتخصص في شؤون الأمن القومي لسنوات طويلة والتر بينكوس. \r\n وفي رواية وودوارد لشهادته (التي حرص على ان يقوم محرر صحيفة ال"واشنطن بوست" بن برادلي على تفحصها والموافقة عليها بعد ذلك علناً، كتب انه قال لفيتزجيرالد انه تقاسم تلك المعلومات اي استخدام بليم في السي اي ايه مع بينكوس. ولكن بينكوس يصرّ بعناد على ان وودوارد لم يفعل مثل هذا الامر. وعندما سأله مراسلو ال "واشنطن بوست" عن رواية وودوارد اثناء اعدادهم لمقالة يوم الاربعاء، أجاب بينكوس، "هل تمزحون؟ (لو حدث ذلك) لكنت أتذكره بكل تأكيد". \r\n وقال بينكوس لجو ستروب فيما بعد يوم الثلاثاء انه كان يخامره الشك منذ فترة طويلة بأن وودوارد كان متورطاً على نحو ما في مسألة بليم. وبعد تعيين فيتزجيرالد في منصب المدعي العام الخصوصي في خريف سنة 2003 ذهب وودوارد الى بينكوس وطلب من زميله، كما قال بينكوس حرفياً "ان أبقيه خارج الحكاية، وأنا وافقت على فعل ذلك". ومثل آخرين كثيرين، يتذكر أعضاء هيئة تحرير ال"واشنطن بوست" بوضوح شديد تقليل وودوارد الذي لا ينتهي من شأن حكاية بليم برمتها، باعتبارها ذات أثر ضئيل، و"مضحكة" وضئيلة الشأن الى أبعد حد. وقال وودوارد ذلك خلال برنامج لاري كينج التلفزيوني في الليلة التي سبقت توجيه الاتهامات، وكأنه كان يحاول ايصال رسالة الى فيتزجيرالد. \r\n لم يكشف وودوارد عن التعارض المحتمل في مصالحه بينما راح يطلق مواعظه على الهواء مباشرة بشأن فضيحة بليم، ولكنه نجح فيما يبدو في إخماد اجراء تحقيق في دوره الخاص، من قبل زميله بينكوس، كما قد يكون عرّض بينكوس لخطر قانوني بشهادته لفيتزجيرالد التي قال فيها انه كان قد أخبر بينكوس عن بليم في يونيو/ حزيران 2003. وكان بينكوس قد شهد لفيتزجيرالد تحت القسم في سبتمبر/ ايلول ،2004 بأن أول معرفته بهوية الجهة التي كانت بليم تعمل لديها، كانت قد جاءته خلال حوار مع مصدر في البيت الابيض في وقت لاحق. اذن، مَنْ كان مصدر وودوارد وماذا كان دافعه لمهاتفة المدعي العام فيتزجيرالد في الاسبوع الذي اعقب توجيه الاتهام الرسمي الى ليبي، ليكشف انه كان قد تحدّث الى وودوارد قبل ان يبدأ ليبي تسريب المعلومة على نحو مبرمج؟ يقول وودوارد ان هذا الشخص لم يكن كبير المساعدين في البيت الابيض اندرو كارد. كما يقول انه ذهب لمقابلة مصدره الخبري ومعه 18 صفحة من الأسئلة من بين موضوعها حكاية اليورانيوم من النيجر، وتقديرات الاستخبارات الوطنية الشهيرة في اكتوبر/ تشرين الأول بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة. \r\n وبعد مقابلته الأولية مع احد المسؤولين في البيت الأبيض في منتصف يونيو/ حزيران ،2003 علم وودوارد بما فيه الكفاية انه عندما قابل اثنين آخرين من المسؤولين في البيت الأبيض بعد ذلك بوقت قصير كانت لديه عبارة "زوجة جو ويلسون" موجودة ضمن اسئلته. وهكذا فإن المسؤول الأول هو الذي سرّب المعلومات ومن الممكن جداً ان يكون نائب الرئيس ديك تشيني، لأن مقابلة وودوارد حدثت، تماماً في الوقت الذي كان فيه مكتب تشيني يدق أجراس الخطر في أعقاب مكالمة هاتفية من بينكوس يخبرهم فيها أنه يعمل على خبر عن جو ويلسون. \r\n وفي ذلك المساء أخبر تشيني ليبي ان زوجة ويلسون كانت تعمل في وكالة "سي اي ايه" وقد أمضى ليبي الاسبوع التالي يجمع المعلومات عن بليم. وفي 23 يونيو تحادث ليبي ووودوارد على الهاتف. وكانت لدى وودوارد الصفحات الثماني عشرة من الأسئلة التي كان قد عرضها مرتين قبل ذلك، وبدأ يعمل عليها. ويقول انه لا يستطيع ان يتذكر ان ليبي قد ذكر اسم بليم. \r\n ونحن نخمّن ان ليبي الذي كان يتحرّق شوقاً الى ذكر دور بليم لمراسل ال"واشنطن بوست" الشهير، ملّ في نهاية الامر من الاسئلة التي لا تنتهي، فقاطع وودوارد وأسرع الى تناول الغداء مع ميللر. ويدعي وودوارد انه لم يدوّن اي ملاحظات، وكذلك فعلت ميللر حتى ظهر دفتر ملاحظاتها الشهير وهو يحوي كلمة "فليم" في صحيفة "نيويورك تايمز". وبوجه عام كان يوم تسريبات سيئاً بالنسبة الى سكوتر، لأن وودوارد، لم يكن يعمل بوصفه مراسلاً بل مؤرخاً للبلاط، كما تم إبعاد ميللر عن الخبر من قبل المحررين المسؤولين عنها في الصحيفة. وإذا كان مصدر وودوارد الأول هو تشيني، فلماذا هاتَفَ تشيني فيتزجيرالد في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني؟ واعتراف تشيني بأنه كان قد تحدث الى وودوارد قد يضلل المدعي العام على ليبي، كما يضعف التهم التي يمكن توجيهها بإفشاء سرّ عمل التجسس، بأن يصب هذا الاعتراف في المسار الذي اتخذه وودوارد خلال ظهوره في برنامج لاري كينج التلفزيوني، وعبر غيره من الوسائل، والذي يدعي فيه ان ذلك لم يكن إهانة شنيعة للأمن القومي، بل هو من قبيل "القيل والقال" و"الدردشة". \r\n لقد دارت عجلة الحظّ كثيراً، لتحوّل وودوارد من نصير للعدالة والانتقام من نيكسون، إلى منقذ لتشيني. \r\n \r\n * صحافي ايرلندي راديكالي، \r\n ويترأس بالاشتراك تحرير نشرة "كاونتر بانش" الإخبارية \r\n