فالاستقرار النسبي لحكومة الرئيس حامد قرضاي وانتخابات الشهر الماضي الناجحة للمجلس التشريعي الوطني والمجالس التشريعية في الأقاليم كل هذا يقدم أساسا لبعض الارتياح من جانب صانعي السياسات الأمريكيين. \r\n لكن محللين مستقلين يقولون إن أفغانستان لا زالت معتمدة بشكل كبير للغاية على المساعدات الخارجية، كما أنها مهددة بحشد من المشاكل، بدءا من تجدد تمرد طالبان وانتهاء بالاقتصاد المحلي المعتمد بشكل كبير على تجارة المخدرات الممنوعة. \r\n وقد تأخرت بشكل كبير برامج التدريب للجيش الوطنية وقوات الشرطة عن الموعد المقرر لها، وهو ما تسبب في ترك أجزاء واسعة من الريف تحت سيطرة زعماء الحرب المحليين، بينما تزايدت حصيلة القتلى من المدنيين والقوات الأمريكية الذين قتلتهم قوات طالبان وحليفهم الرئيسي، قلب الدين حكمتيار، منذ الربيع الماضي. \r\n وبحسب مجموعة الأزمة الدولية فإن 86 من الجنود الأمريكيين قد قُتلوا حتى الآن في هذا العام، مقارنة ب55 قُتلوا في الفترة من 7 أكتوبر 2001 عندما بدأت واشنطن عملياتها لطرد حركة طالبان ونهاية 2002. كما قُتل أكثر من 1200 شخص في الشهور الست الأولى فقط من هذا العام. \r\n يقول مايكل شوير، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه): \"لقد وصلت الحرب في أفغانستان إلى معدل لم يكن متوقعا\". وقد كان مايكل شوير على رأس الجهود التي بذلتها سي آي إيه لتعقب أسامة بن لادن في أفغانستان منذ نهاية التسعينيات من القرن العشرين، كما أن له كتابا بعنوان \"صلافة إمبريالية\". \r\n إلا أن هجمات المتمردين قد أصبحت معقدة بشكل متزايد خلال السنة الماضية، وسط أدلة على أن الإسلاميين المتطرفين الذين قاتلوا ضد القوات الأمريكية في العراق قد جلبوا إلى أفغانستان التجهيزات والخبرة والمعرفة التي اكتسبوها في العراق. \r\n وحتى الانتخابات أبرزت شيئا من خيبة الأمل للمراقبين الذي كانوا يأملون في تصويت عدد من الناخبين يقارب نسبة ال70 بالمائة ممن يحق لهم الانتخاب، والذين قاموا بالتصويت في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام الماضي. \r\n في هذه المرة قام حوالي 53 بالمائة فقط من الناخبين بالاقتراع. وبحسب المحلل بارنيت روبين، من جامعة نيويورك فإن هؤلاء الذين حصلوا على أعلى الأصوات في أكثر المناطق أمنا من الدولة، مثل راميان باشاردوست في كابول، هم الذين كانوا قد أداروا حملات شعبية، هاجموا فيها بشكل أساسي الفساد وتبديد المساعدات الدولية وإعادة الإعمار. \r\n وقد تحدث روبين وكذلك شوير والعديد من الخبراء الآخرين يوم الأربعاء في منتدى بواشنطن من أجل تقييم تقدم أفغانستان، وقد كان هذا المنتدى برعاية جامعة جورج واشنطن ومركز التقدم الأمريكي. \r\n وفي الحقيقة أنه رغم النمو المتسارع في إجمالي الإنتاج المحلي منذ تأسيس الحكومة المؤقتة برئاسة قرضاي نتيجة لاتفاق بون في ديسمبر 2001 ، والزيادة الضخمة في التسجيل في المدارس، وخاصة بالنسبة للبنات، فإن الظروف السيئة التي يعاني منها معظم الناس لا زالت غير مبررة. ولا زالت أفغانستان من بين أشد ست دول في العالم فقرا، وبحسب تقرير لوزارة الخارجية نُشر في يوليو، فإن أفغانستان لديها أكبر معدل من سوء التغذية في العالم، والذي يبلغ 70 بالمائة. \r\n وبحسب خبراء فإن النشاط الاقتصادي غير المرتبط بجهود المساعدات الدولية يرتبط بتجارة المخدرات والفساد (والمرتبط بدوره غالبا بالمخدرات)، وهو ما أشار إليه قرضاي نفسه في الشهر الماضي باعتباره أكبر المشكلات التي تعاني منها الدولة. وقد قدرت وكالة الأممالمتحدة المعنية بالمخدرات في وقت سابق من هذا العام أن زراعة الأفيون وتجارته يشكلان 60 بالمائة من الاقتصاد، أو ما تزيد قيمته عن 2.8 بليون دولار. \r\n وفي تقرير آخر نُشر في العام الماضي حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من أن أفغانستان كانت \"على حافة التحول إلى دولة مخدرات\"، حيث إنها مسئولة عن حوالي 90 بالمائة من إنتاج الأفيون في العالم. وفي الوقت الذي انخفض فيه الإنتاج بدرجة ضئيلة في عام 2005، بحسب تقرير صدر مؤخرا عن الأممالمتحدة، فإن أفغانستان قد انتقلت في العام الماضي إلى إنتاج فعلي للهيروين. \r\n وبحسب روبين، والذي كان من بين من مستشاري قيادة الأممالمتحدة في اجتماعات بون، فإن هذه الدرجة التي تعتمد فيها الدولة بشكل كبير للغاية على تجارة المخدرات قد أدت إلى التزام جاد من الولاياتالمتحدة وغيرها من المانحين الدوليين. \r\n وأضاف روبين: \"لا يمكن أن يكون لديك سياسة لبناء بلد في جانب وسياسة لتدمير قطاع عريض من الاقتصاد في جانب آخر\". كما أشار إلى أن زراعة الخشخاش قد انتشرت الآن إلى كل أقاليم أفغانستان، وأنه \"لا توجد إشارة لوجود إستراتيجية تنمية شاملة لبناء اقتصاد يتفق مع القانون\". \r\n وقد تردد نفس هذا التقدير على لسان السفير جيمس دوبينز، أحد كبار المحللين في مؤسسة راند، والذي مثل الأممالمتحدة في محادثات بون عام 2001، فقال: \"إنني لا أرى إستراتيجية قريبة الأمد\" من أجل تخفيض اعتماد الدولة على تجارة المخدرات بشكل كبير. \r\n وبحسب روبين فإن أي جهد لاستئصال الخشخاش في هذا الوقت لن يؤدي فقط إلى إفقار الريف، ولكنه أيضا سيؤدي إلى توسيع مشكلة عدم الاتصال المتزايدة بين الحكومة في كابول وبقية الدولة. كما أشار روبين إلى أن المساهمة في زيادة عدم الاتصال وزيادة الشعور بالعزلة هي \"فجوة مؤسسية كبيرة\" بين الجماعات المحلية الريفية، والمتركز أغلبها حول المسجد، وبين الحكومة المركزية. \r\n ويؤكد روبين أن حقيقة أن العلماء المسلمين في أفغانستان –والذين يملكون شبكة وطنية يمكنهم من خلالها تعبئة العامة بطرق لا تستطيع الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية القيام به– لم يصلوا بعد إلى إجماع على شرعية الحكومة، هذه الحقيقة تمثل فشلا خطيرا للنظام المدعوم من الولاياتالمتحدة. \r\n وبحسب نظيف شاراني، وهو من أصل أفغاني وعالم في الأنثروبيولوجي في جامعة إنديانا، فإن ثمة مشكلة أخرى وهي التنافر، فقد أشار إلى أن الدولة قد \"وصلت في النهاية إلى ثلاثة أو أربعة حكومات\"، وهي مكتب الأممالمتحدة في كابول، والسفارة الأمريكية هناك، والمنظمات غير الحكومية الدولية، التي تقوم بإدارة معظم المساعدة الدولية، وحكومة قرضاي، \"والآن الحكومة الخامسة وهي البرلمان\"، والذي وصفه بأنه خليط من الأيديولوجيات والاهتمامات المتضاربة. \r\n وأضاف أن الولاياتالمتحدة وبقية المجتمع الدولي قد ارتكبت خطأ كبيرا بمحاولتها دعم الحكومة المركزية، وخاصة الجيش والشرطة، والمكرس لهما الآن ما يقرب من نصف ميزانية الحكومة على حساب الحكم الذاتي المحلي ومنحه السلطة القانونية. \r\n وأضاف شاراني: \"وهذه الحكومة سوف ستستمر ليس لأنها مدعومة من قِبل الشعب، ولكن لأنهم يخافون عودة طالبان\". \r\n وبحسب دوبينز فإن ثمة خطأ آخر ارتكبته الولاياتالمتحدة بشكل خاص، وهو تحويل \"الموارد التي كان يمكن أو كان ينبغي أن يتم استخدامها في أفغانستان\" من أجل الإعداد للحرب في العراق. وقد أشاد دوبينز بسبب زيادة التزامها تجاه أفغانستان منذ ذلك الحين. \r\n وأضاف: \"نحن لدينا الآن حوالي ضعف القوات (20 ألفا)، كما فعلنا في السنة الأولى، كما نقدم أربعة أضعاف المساعدات التي كنا نقدمها في السابق\".