لكن مزاج المعسكر المؤيد للحرب بات اليوم يطفح بالنشوة فالانتخابات العراقية والفلسطينية, والتظاهرات الحاشدة في لبنان, وعلامات ذوبان الجليد في مصر, نفخت حياة جديدة في مذهب وولفويتز. وصرنا نسمع من يقول بأن العراقيين قد لا يكونون استقبلوا الامريكيين بالورود والرياحين, لكن تحريرهم دفع بقية العرب الى التحرك لتغيير انظمة الحكم في بلادهم, وها هي الولاياتالمتحدة توشك ان تجني ثمار الدمقرطة. \r\n لا شك انها حكاية جميلة. لكن ما يعيبها هو انها ليست واقعية. فالحرب, في حقيقة امرها, كانت هدية لدعاة الجهاد, اما في مجال الدمقرطة, فان ما تم احرازه من تقدم في الشرق الاوسط جاء على الرغم من الضغوط الامريكية وليس بسببها. \r\n تتركز اطماع المحافظين الجدد في الوقت الحالي على لبنان. واذا اردنا معرفة ما يجري في المنطقة على حقيقته, فان لبنان هو الحالة الافضل لدراسة ابعاد »النجاح« الامريكي المزعوم. عندما تدفقت حشود المعارضين لسوريا الى ساحة الشهداء في بيروت لتطالب بسحب القوات السورية من لبنان, سارع الجميع في امريكا من ثوماس فريدمان في »النيويورك تايمز« الى رويل مارك جيريخت في معهد »اميركان انتربرايز« الى منح ادارة بوش فضل الهام الجماهير اللبنانية, متجاهلين ان الشرارة التي اطلقت المعارضة اللبنانية كانت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وليست الانتخابات العراقية, وان المطالبة الجماهيرية كانت تريد الاستقلال لا الديمقراطية, وان الشيعة الذين يشكلون الجماعة الدينية الاكبر في لبنان, كانوا قد غابوا عن التظاهرات. كما تناسى المهللون في واشنطن ان لبنان يتمتع بالانتخابات, وان كانت انتخاباته, شأنها في ذلك شأن الانتخابات العراقية والفلسطينية, تجرى تحت رقابة القوى المحتلة. \r\n اعتبر الرئيس جورج بوش »ثورة الارز« فاتحة لربيع عربي جديد, لكن متظاهري ساحة الشهداء, رغم اصالة رغبتهم في الاستقلال, لا يمثلون في الواقع الا قطاعا محدودا من الجسم السياسي المتشرذم في لبنان وهو قطاع النخبة العلمانية المتعلمة من المسيحيين والدروز والسنة. وربما لهذا السبب يفضل بعض المراقبين اطلاق اسم »ثورة البي. ام. دبليو«. على تلك التظاهرات. اما زعماء حركة الاحتجاج مثل شيخ الدروز وليد جنبلاط وحليف صدام حسين الضابط الماروني ميشيل عون, فإن من الصعب اعتبارهم ديمقراطيين ليبراليين. \r\n وهذه ليست المرة الاولى التي يفتتن بها المثقفون الغربيون بمدينة بيروت الرومانسية التي اعتادوا على ان لا يروا منها الا الوجه الذي يعجبهم: طبقة وسطى متعلمة, واغلبية مسيحية, وتململات حركة موالية للغرب, ومطالبة بالديمقراطية. \r\n لذا, كان انطلاق التظاهرة العملاقة التي دعا اليها زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بمثابة جردل من الماء المثلج الذي انسكب على رؤوس »ثوار الارز«. \r\n متظاهرو نصر الله, الذين حملوا بدورهم الاعلام اللبنانية, لم ينطلقوا بدافع حبهم لسوريا انما بدافع الشك بنوايا المعارضة ونوايا البيت الابيض الذي خلع بركاته على »ثورة الارز«. ان الغالبية الفقيرة في لبنان, وفي مقدمتها الجماهير الشيعية, كانت قد عانت طويلا من هيمنة الاقلية المسيحية قبل الحرب الاهلية. وهي اليوم تخشى ان تكون المعارضة المناوئة لسوريا مجرد يد تتخفى وراءها المصالح الامريكية والاسرائيلية والمسيحية الساعية الى اذلال الجارة سوريا, وتقويض حزب الله الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدوره في انهاء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني, وارغام لبنان على توقيع معاهدة سلام منفصلة مع اسرائيل وفقا للشروط الاسرائيلية. \r\n ولم يفت الجماهير الشيعية التي عاشت 22 عاما تحت نير الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان ان تلاحظ ان الولاياتالمتحدة كانت تطالب بانسحاب فوري وكامل للسوريين قبل موعد الانتخابات اللبنانية القادمة, على الرغم من انها قد طبلت كثيرا وزمرت للانتخابات التي جرت تحت الاحتلال في كل من فلسطين والعراق بصفتها نموذجا للديمقراطية في الشرق الاوسط, اي بكلمة اخرى, ان الثناء الامريكي على تلك الديمقراطية, لم ينطل على شريحة كبرى من شرائح المجتمع اللبناني, فلو ان الولاياتالمتحدة لم تحتل العراق ولم تبارك استحواذ اسرائيل على اراضي الضفة الغربية ولم تطلق التهديدات بحق كل من ايران وسوريا, لكان بالامكان ان يثق شيعة لبنان بكلامها وان ينضموا الى متظاهري ساحة الشهداء باعداد غفيرة. لكنهم اختاروا الاصطفاف وراء حزب الله الذي يعتمد على الدعم السوري من اجل مواصلة معركته مع اسرائيل على الحد الجنوبي للبنان. \r\n ان مظهر التأييد الكبير الذي يتمتع به حزب الله قد دفع جنبلاط وعددا اخر من زعماء المعارضة الى التهافت على خطب وده وهو امر لم يعجب الحكومة الامريكية التي تعتبر الحزب وجناحه المسلح منظمة ارهابية, يضاف الى ذلك ان التظاهرة المضادة التي دعا الىها حزب الله قد حصرت الامريكيين في الزاوية ودفعت بادارة بوش الى التلميح مؤخرا بأنها لن تعارض استمرار حزب الله في المشاركة بالعملية السياسية البرلمانية في لبنان. \r\n في الايام التي اعقبت تظاهرة حزب الله, نظمت المعارضة اللبنانية تجمعا ارادته ان يكون تظاهرة مضادة للتظاهرة المضادة التي دعا اليها حزب الله. وفي هذا التجمع اعاد الشعب اللبناني تأكيد رغبته في السيادة وسط حشود فاقت في اعدادها الحشود التي استجابت لحزب الله وشارك فيها الشيعة الى جانب بقية الشرائح اللبنانية. \r\n لكن المثال اللبناني لا يعزز ما يذهب اليه وولفويتز من نجاح التأثير الامريكي. لان الاستخدام الامريكي المفرط للقوة قد شوه سمعة امريكا في العالمين العربي والاسلامي وجعل الدعم الامريكي تبعة على جماعات مثل المعارضة اللبنانية اكثر من كونه سندا لها. \r\n وكنتيجة لذلك, فإن الجهات المرشحة اكثر من غيرها للاستفادة من عملية الدمقرطة هي تلك الافضل تنظيما والاكثر اصالة. وفي عالم كانت المساجد فيه المساحات الاكثر حرية ولو بشكل نسبي, فان تلك الجماعات لا بد ان تكون اسلامية مثل حزب الله في لبنان والمعسكر الشيعي في العراق. \r\n لا يعني هذا ان على الامريكيين ان يكفوا عن تشجيع الديمقراطية في العالم العربي. ولكنهم اذا استمروا في مواقفهم الحالية التي تجعلهم في نظر العرب وسطاء غير نزيهين في النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني ومحتلين لبلاد لم تعلن الحرب عليهم, فان تبني واشنطن لانصار الديمقراطية من العرب والمسلمين يمكن ان ينقلب ضدهم.0 \r\n عن «لوس انجلوس تايمز«