برشقة صاروخية.. حزب الله يستهدف تجمع لقوات إسرائيلية في اللبونة    خالد الغندور: المصري يرفض خوض مبارياته على برج العرب ويحدد ملاعب بديله    إصابة 6 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة على طريق الإسكندرية الصحراوي    عاجل - تراجع كبير في أسعار الحديد والأسمنت اليوم.. فرصة ذهبية للحصول على خامات البناء بأسعار منخفضة    شعبة السيارات تكشف مفاجأة صادمة بشأن الأسعار بعد قرار البنك المركزي    التحالف الوطني يوسع آفاق التعاون الدولى من خلال زيارة دولة الإمارات    التوطين والتمكين.. مسؤولية الجميع    جودة عبد الخالق: أرفض التحول للدعم النقدي لعدم وجود ضمانة لاستقرار الأسعار    التلفزيون اللبناني: حزب الله استهدف إسرائيل بالمسيرات وأسقط قتلى وجرحى    إسرائيل تتهم حزب الله بمُهاجمتها من مواقع قرب مواقع قوات اليونيفل بجنوب لبنان    عمرو أديب يعلق على تهديد الدعم السريع بضرب السد العالي    المقاومة في بنان تُهدد بتحويل "حيفا" إلى كريات شمونة    هل يدرب جوارديولا منتخب إنجلترا فى المستقبل؟.. مدرب مانشستر سيتى يجيب    أسوشيتد برس: نتنياهو يدرس خطة لتفريغ شمال غزة من المدنيين وتجويع من يبقى    عاجل - "فلوسك في أمان".. طرح شهادة استثمار بعائد 35% من البنك الأهلي وبنك مصر "حقيقة أم شائعة؟"    وصول بعثة منتخب مصر إلى موريتانيا قبل لقاء الثلاثاء (صور)    ملف رياضة مصراوي.. عرض جديد لمرموش.. قائمة الأهلي للسوبر.. وأول منتخب يتأهل لنهائيات أفريقيا    جوارديولا يجيب عن السؤال الصعب بشأن الفريق الذي لا يتمنى مواجهته    علي فرج: أخي منعني من اعتزال الإسكواش.. والتجنيس بالنسبة لي «مستحيل»    الرمادى: القندوسى لن يتأثر بالضغوط فى السوبر.. والزمالك لم يفاوضنا لضم بيكهام    عاجل - توقعات بارتفاع أسعار الذهب إلى 5000 جنيه للجرام.. فهل هي حقيقة أم مجرد شائعة؟    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بسوهاج    ضبط طن أسماك وكبدة منتهية الصلاحية بكفر الشيخ    آثار على ملابس «تلميذ إبتدائي» تكشف جريمة مدرس رياضيات في المقطم.. ما القصة؟    عمرو أديب تعليقًا على حادث قطار المنيا: "في حاجة غلط"    بعد أزمة أمواله، طارق الشناوي يوجه رسالة قوية ل عمر كمال    بعد تعرضها للانتقادات.. هكذا دافعت إلهام شاهين عن ابنة شقيقتها    بالفيديو.. سميحة أيوب تناشد الرئيس السيسي بوقف قرار إزالة المسرح العائم    خاص| أمين الفتوى يحسم جدل فتوى المطرب عمر كمال    عاجل - موعد عرض مسلسل صلاح الدين الأيوبي الموسم الثاني 2024 والقنوات الناقلة    فوائد دبس التمر، يقوي المناعة ويحسن المزاج ويعزز صحة القلب والعظام    تفحم سيارة اشتعلت النيران بداخلها في مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    بالصور.. "طيبة التكنولوجية" تُنظّم ندوات حول الشمول المالي وريادة الأعمال حتى نهاية أكتوبر    زيلنسكي يتهم كوريا الشمالية بإرسال جنود للقتال مع روسيا    تعرف على سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الإثنين 14 أكتوبر 2024    مدير الهابيتات ل"اليوم السابع": المنتدى الحضرى العالمى فرصة لمواجهة التحديات    طاقم حكام مباراة وادي دجلة ولافيينا في دوري المحترفين    عقب حادث قطار المنيا.. اجتماع طارئ ل وزير النقل مع قيادات السكة الحديد اليوم    فتح الله:مواجهة بيراميدز والزمالك متكافئة    رئيس الكنيسة الأسقفية ينصب قسا جديدا للكنيسة بالسويس    أستاذ علوم سياسية: مصادرة موقع الأونروا جريمة إسرائيلية ضد القانون الدولى    آخر الليالي العجاف.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الإثنين: والأرصاد تُناشد: «توخوا الحذر»    إجراء 876 عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار ببني سويف    الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة    تامر عاشور يروج لحفلة الأخير في الكويت    انطلاق ثالث ليالي مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية بروائع بليغ ووردة    "كريمة" رداً على عمر كمال: "كمل على بركة الله ولا تلتفت للناس الجاهلة"    سويلم يلتقي وزيرة المياه والصرف الصحي الجنوب أفريقية    ‫وزير الري: 30 دولة اشتركت فى مبادرة AWARe ضمن فعاليات أسبوع القاهرة للمياه    وكيل "صحة سوهاج" يتفقد الخدمات الطبية المقدمات بمستشفيات المحافظة    مستشار الرئيس للصحة يكشف أسباب زيادة أعداد الإصابة ب"الإنفلونزا الموسمية"    هل نقرأ التشهد فى صلاة التسابيح؟.. أمين الفتوى يجيب بالفيديو    ‫وزير الري: الأنهار العابرة للحدود تخدم 37% من سكان العالم.. وتشكل 60% من التدفقات العذبة العالمية    عضو «العالمي للفتوى»: هذه العبادة تفتح أبواب الرزق والخير (تعرف عليها)    رئيس جامعة الأزهر: 10 معجزات علمية في القرآن أذهلت العالم كله    الطبيب المصري محمد توفيق يكشف للقاهرة الإخبارية سر نجاح 33 عملية في 13 ساعة بغزة    قائد قوات الدفاع الشعبي: هدفنا رفع كفاءة الأجهزة التنفيذية بالمحافظات لمجابهة الأزمات    أسباب انتشار تطبيقات المراهنات في المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطأ الأمريكي في العراق
نشر في التغيير يوم 14 - 02 - 2005

إلا أنه كانت هناك كذلك مشكلات لا ينبغي تجاهلها. أولاً: أوجدت الخطة العسكرية مخاطر لم يكن لها أي داع، لأنها اتسمت بالشُح بشأن عدد القوات التي جري توفيرها للقادة. ورغم ثبوت أن مستوي القوات ملائم لهزيمة الجيش العراقي، فإن الفكرة الأساسية في العمليات العسكرية هي الفاعلية، وليست الكفاءة. فلا ينبغي إدارة العمليات العسكرية كالأعمال التجارية التي لها متطلبات يمكن التنبؤ بها وتهدف إلي تقليل نفقات تلبية تلك المتطلبات.
\r\n
\r\n
فالقتال، وخاصة القتال البري، واحد من أكثر الأنشطة البشرية غير المتوقعة نتائجها. فهو ينطوي بطبيعته علي المخاطر، حيث تنتج المخاطر في العادة عن عوامل غير محتملة أو لا يمكن التنبؤ بها. لذلك يفرض المنطق السليم ضرورة تقليل الأخطار المتوقعة قبل بدء أية أعمال عسكرية.
\r\n
\r\n
كانت القوات الإضافية متاحة؛ بل كانت مكلفة بالاستعداد للقتال في العراق. وكانت هناك فرقة قتالية أخري، وقوة إضافية لتأمين خطوط الإمداد، والمزيد من الشاحنات ووحدات التموين لتوفير الغزارة التي تتطلبها العمليات الحربية؛ حيث يقلل كل منها المخاطر. وكان بعض المخططين يعلم أن استخدام تلك القوات أو عدمه هو المسألة الأساسية داخل التوترات المستمرة أثناء عملية التخطيط. إلا أنها لم تُنشر إلا بعد فوات الأوان.
\r\n
\r\n
في أوائل شهر مارس، في الوقت الذي بات فيه واضحًا أن تركيا لن تسمح بمرور القوات الأمريكية، كان الوقت قد فات بالنسبة لتمركز فرقة قتالية رابعة في الكويت. ولكن علي الأقل كان من الممكن نقل فوج الفرسان الثاني أو الشرطة العسكرية الإضافية جوًا إلي داخل العراق، بدلاً من تأخير وصولها إلي ما بعد الأزمة التي حدثت علي طول خطوط الإمداد بعد بداية الحرب بخمسة أيام. ومن الصعب تصديق أن القوات الإضافية علي طول خط الإمداد ما كانت لتساعد في الحيلولة دون الخطأ الذي كلف بعض جنود فرقة الصيانة 507 حياتهم.
\r\n
\r\n
\"كانت القوات والقدرات الأمريكية غير متكافئة مع المهمة. فقد كان من واجب المخططين أن يتوقعوا الأمور الطارئة المختلفة، بما في ذلك احتمال مقاومة الاحتلال الأمريكي بعد الحرب، وتحديد ما يتناسب معها من إمدادات\"
\r\n
\r\n
أصبحت مخاطر خطة الحرب الزائدة عن الحد واضحة في مرحلة ما بعد القتال، فقد كانت القوات والقدرات الأمريكية غير متكافئة مع المهمة. فقد كان من واجب المخططين أن يتوقعوا الأمور الطارئة المختلفة، بما في ذلك احتمال مقاومة الاحتلال الأمريكي بعد الحرب، وتحديد ما يتناسب معها من إمدادات. ما جعل ذلك مستحيلاً هو فلسفة «البداية المتدحرجة» الخاصة بكبار القادة، التي بدا أنها ناشئة عن مشاكل نشر القوات المستمرة بقدر نشوئها عن أية حسابات استراتيجية.
\r\n
\r\n
وكانت النتيجة عند انتهاء الأعمال القتالية الرئيسية هي أن القوة الأمريكية كانت عاجزة عن توفير الأمن ووقف أعمال السلب والنهب والتخريب وخلق حضور جدير بالتصديق في أنحاء البلاد؛ حتى داخل بغداد. وقضي ما نتج عن ذلك من فوضي علي بعض التنامي في المصداقية الأمريكية التي اكتسبت علي أرض المعركة، كما فتح الطريق أمام مقاومة أشد وأكثر تنظيمًا في الأسابيع التالية.
\r\n
\r\n
في العشرين من مارس، حين بدأ القتال، كان لدي مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) أربعة أفواج مستعدة للحرب. وكان لدي الجيش الأمريكي سبعة ألوية مقاتلة فقط موجودة في الكويت ثلاثة ألوية من الفرقة الثالثة مشاة، وثلاثة من الفرقة 101 المحمولة جوًا، ولواء من الفرقة 82 المحمولة جوًا وكان البعض في 101 غير مستعد للذهاب. وبحلول الحادي عشر من أبريل، حين سقطت الموصل وتكريت، كان عدد ألوية الجيش في العراق قد ازداد إلي تسعة بوصول الفوج الثاني فرسان واللواء 173 المحمول جوًا.
\r\n
\r\n
وفي الأول من مايو أعلن الرئيس بوش انتهاء أعمال القتال الرئيسية. وبنهاية مايو كان عدد الجنود علي مسرح العمليات قد بلغ سبعة عشر لواء من الجيش. وفي ذلك الوقت جعلت الفوضى المنتشرة النجاح النهائي للمهمة معرضًا لخطر متزايد، رغم القوات الإضافية التي وصلت متأخرة.
\r\n
\r\n
قد يقول قائل إن هذه «البداية المتدحرجة»، حيث تجري إضافة الوحدات علي مدي شهور، حتمية في الحرب الحديثة؛ ذلك أن بناء قوة أشد بأسًا، أو البدء في تجميع القوات مبكرًا، كان سيخرِّب محاولات البحث عن حل دبلوماسي. إلا أن بيانات الحكومة تكذِّب هذا الأمر. فقد كان من المعتاد الإعلان عن نشر القوات قبل وقت طويل من بدء القوات تحركها الفعلي، وكان يبالَغ في حجمها، مما يعطي انطباعًا بوجود أعداد أكبر كثيرًا مما هو مشارك بالفعل في القتال.
\r\n
\r\n
أشار آخرون إلي أن قوة مشاة أقل عددًا نسبيا كانت أمرًا غريبًا، ذلك أن أسئلة وزير الدفاع رامسفيلد المستمرة عن الخطة ونشر القوات أربكت العملية وحسب، إلي حد أنه لم يمكن توصيل القوات المطلوبة؛ وأن القادة تكيفوا في النهاية مع هذا الوضع، حيث لم يكونوا يرغبون في مواجهة غضب الوزير بإثارة الاعتراضات. ومع ذلك فقد أشار آخرون إلي أن القوة البرية كانت صغيرة نسبيا بسبب إصرار رامسفيلد علي تقليل التكاليف المالية.
\r\n
\r\n
ويعني هذا أن القوات الإضافية كان ستحتجز إلي أن تكون هناك حاجة واضحة إليها. ورأي البعض أن رامسفيلد بتحجيمه القوة البرية كان يثبت رأيه بشأن المزايا النسبية للقوات الخاصة والقوة الجوية مقارنة بالجيش التقليدي. وكما قال أحد الضباط، فإنه «كان يريد دائمًا تقليل عدد قوات الجيش البرية؛ كما حدث في أفغانستان». ربما ساهمت هذه العوامل كلها في عدم نشر القوات علي الوجه الصحيح.
\r\n
\r\n
الانتقاد الرئيسي الثاني لخطة الحرب يتعلق بالمرحلة الأخيرة؛ فقد جعلت التخطيط لما بعد الحرب أقل مما يجب أن يكون عليه. والواجب علي من يخططون العمليات العسكرية الخاصة بأية حرب أن يأخذوا في اعتبارهم ما بعد انتهاء تلك العمليات. وهناك أربع خطوات لابد من أخذها في الاعتبار: نشر القوات، وحشد القوات، والقتال الحاسم، وعمليات ما بعد الصراع. ويخلق تدمير قوات العدو علي أرض المعركة ظرفًا ضروريا للنصر، ولكنه ليس بالظرف الكافي.
\r\n
\r\n
فليست هزيمة الجيش المقابل وحدها هي التي تحقق أهداف الخطة الشاملة ونواياها، بل هو النجاح في العمليات التي تلي ذلك. وفي هذه الحالة كانت الأهداف، كما أعلن وزير الدفاع رامسفيلد، تتضمن القضاء علي نظام صدام حسين، وطرد الشبكات الإرهابية المزعجة، والعثور علي أسلحة الدمار الشامل وتدميرها، والقضاء علي أية أنشطة إرهابية أخري، وخلق الظروف لانتقال العراق السريع إلي حكومة نيابية «لا تهدد جيرانها».
\r\n
\r\n
يتطلب النصر تخطيطًا، حيث يبدأ بتعريف لنجاح ما بعد الحرب يليه تحديد كل من طبيعة العمليات اللازمة والقوات الضرورية. وهنا قوض تركيز الحكومة وتصميمها علي كسب الحرب من الناحية العسكرية احتمالات النجاح بمجرد احتلال البلاد.
\r\n
\r\n
فسرت حكومة بوش الوضع داخل عراق ما بعد الحرب بأنه مسألة افتراضات لم تتحقق، فقد «كانت تميل إلي الاستهانة بالمشكلة». ومن الواضح أنها كانت تعتقد أن القضاء علي صدام حسين سوف يقضي علي تهديد حزب البعث، وأن أعدادًا كبيرة من الجيش والشرطة سوف تنضم إلي الأمريكيين، وأن الموظفين العراقيين سيبقون في أعمالهم.
\r\n
\r\n
الواقع أن قلة الاستعدادات كانت من ناحية نتيجة للقيادة واتخاذ القرار داخل حكومة بوش، ومن ناحية أخري نتيجة لقوي واتجاهات أشد قوة تعمل مع الحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي. فمنذ البداية كانت «العمليات الحاسمة» (كيفية هزيمة القوات العراقية) لها الأولوية علي خطة ما بعد الحرب (كيفية تحقيق الأهداف الحقيقية لخلق عراق آمن ومسالم).
\r\n
\r\n
ركزت هيئات البنتاجون العسكرية علي الاستفادة من خبرتها الأساسية تطبيق القوة العسكرية بدلاً من المتطلبات الأكثر اتساعًا الأصيلة في هذا الوضع. وقد أُضيف إلي ذلك صراع بيروقراطي مستمر بين وزارتي الخارجية والدفاع، حيث كانت الأولي حذرة وحكيمة، بينما الثانية عاقدة العزم علي المضي قدمًا متجاهلة المسائل علي ما يبدو. وكان ذلك صراعًا لم يحسمه حتى يناير 2003 إلا قرار من البيت الأبيض بتخويل وزارة الدفاع مسئوليات ما بعد الحرب بالكامل.
\r\n
\r\n
لا يعني هذا أنه كانت هناك بنية حقيقية أو تنظيم حقيقي لدعم التخطيط العسكري داخل الحكومة الأمريكية. فالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، وهي جزء من وزارة الخارجية، تبرم عقودًا مع منظمات خارجية؛ وهي ليست هيئة تخطيط وتنفيذ. فقد مضي زمن طويل علي أي أثر لبنية كانت تسعي وراء بناء الأمة في فيتنام.
\r\n
\r\n
"لم يكن هناك وجود لأي برنامج يحظى بشرعية السلطة الدولية كي يحل محل قوانين صدام حسين البائدة، أو لنشر قوات حفظ السلام في المحافظات. وكذلك لم تكن هناك آلية لجذب الدول الأخرى إلي المهمة"
\r\n
\r\n
وقد أنشأ الجيش معهد حفظ السلام في كلية الحرب التابعة له في كارلايل باراكس بولاية بنسلفانيا، ولكن المجموعة الصغيرة من المحاضرين المخلصين هناك خُفِّض عددها مرارًا وكانت تحارب ضد قرار الميزانية الذي كان سيؤدي في واقع الأمر إلي إغلاق المعهد.
\r\n
\r\n
وأنشأ الكونجرس المعهد الأمريكي للسلام في فورة من المثالية المناوئة للحرب في السبعينيات، وكان بمثابة مركز مهم للنقاش والبحث؛ ولكنه لم يكن نظيرًا حقيقيا لمركز الأبحاث والتطوير التابع للقوات الجوية، أو مركز التحليلات البحرية التابع للبحرية، أو مركز الأبحاث والتطوير في أرويو التابع للجيش، وكل منها يموَّل تمويلاً فدراليا كي يبحث القضايا الصعبة المرتبطة بمهام القوات المسلحة.
\r\n
\r\n
كما أنه لم تكن هناك بنية بيروقراطية مخصصة لاستثمار المليارات في كل عام لتحسين قدراتنا كي ننفذ عمليات ما بعد القتال. ولم تكن هناك نظائر للصناعات الحربية بما لديها من جيوش من الاستشاريين وأعضاء جماعات الضغط للحصول علي المخصصات الكافية.
\r\n
\r\n
إدراكًا من حكومة كلينتون للمشكلة، حاولت علي أقل تقدير خلق آلية للتنسيق بين الوكالات لتجميع كل الوسائل المتاحة للحكومة الفدرالية ووضع منهج شامل للتعامل مع مشاكل ما بعد الصراع. ولأن سلسلة من الإجراءات الإدارية قد اتخذت بطريقة براجماتية نتيجة للاستعدادات الموسعة لتوفير استراتيجية خروج لقوات الجيش الأمريكي من هايتي عام 1994، فقد جعلت كل وكالة مسئولة عن التعاون مع الأخرى علي مستوي النواب.
\r\n
\r\n
وكان هذا المنهج في المقام الأول توسيعًا لإجراءات تخطيط أركان الجيش وأمرًا لوكالات الحكومة الأخرى، حيث كُلِّفت الوزارات المدنية والعسكرية بتنظيم مهام بعينها وإنجازها. وقد صيغت العملية في هيئة الأمر الرئاسي رقم 56 المنشور في عام 1997. ولكن حتى الأمر الرئاسي رقم 56 لم يكن كافيا بالنسبة لاتساع وكثافة التحديات الموجودة في التعامل مع مشكلة الدول المتخاذلة مثل هاييتي.
\r\n
\r\n
حين عدت إلي البنتاجون لمراجعة الحقائق قبل الإدلاء بشهادتي أمام مجلس الشيوخ بشأن مشكلة العراق في سبتمبر من عام 2002 خاب أملي عندما علمت أنه جري القليل جدا من المناقشات حول تخطيط ما بعد الحرب الخاص بالعراق. فقد أبلغوني أنه «ليس موضوعًا محبوبًا في الطابق الثالث» حيث تقرر القيادات المدنية سياسة وزارة الدفاع. وحين بدأ التخطيط أخيرًا في ذلك الخريف، كان يقوم علي افتراض أن الغزو الأمريكي سوف يلقي ترحيبًا من معظم أهل العراق باعتباره تحريرًا.
\r\n
\r\n
فقد أساءوا تقدير قوة حزب البعث والقومية العراقية القطرية، وكذلك الحال بالنسبة لدرجة الروح الحزبية بين الشيعة. وحدث الشيء نفسه بالنسبة لاحتمالات المشاركة المستترة من جانب سوريا وإيران، وغيرهما، إلي جانب الاحتمال الأساسي وهو أن القوة الأمريكية المسيحية في معظمها لن يقبلها الشعب العراقي، خاصة إذا شقت طريقها إلي داخل البلاد بالقتال.
\r\n
\r\n
هكذا ركزت كل استعدادات عراق ما بعد الحرب من جانب مكتب التعمير والمساعدات الإنسانية بقيادة اللفتنانت جنرال جاي جارنر علي المهام الأقل أهمية. لقد كان من الأولي معالجة المشاكل الأساسية، وهي استعادة النظام والإحساس بالمشروعية، قبل بداية إعادة التعمير. وعلاوة علي ذلك لم يتركوا جاي جارنر ما يكفي من الاتصالات والنقل والأمن والموارد البشرية لمواجهة هذه المشكلة وحسب، بل إنه بدلاً من أن يعمل مباشرة تحت إمرة الرئيس أو وزير الدفاع، كان مرؤوسًا كذلك لقادة الجيش الأمريكي في المنطقة.
\r\n
\r\n
كان أثر ذلك انعزال مهمة جارنر، بينما كان هناك أقل أثر لسلطة الأمم المتحدة، واندفاع لإقناع الحلفاء والدول الصديقة المترددين لتوفير قوات الشرطة والجنود والمترجمين ومساعدات إعادة الإعمار المدنية التي يمكن أن تقلل المخاطر بالنسبة للقوات الأمريكية وتشارك في عبء إعادة البناء وبناء الأمة. ولم يكن هناك وجود لأي برنامج يحظى بشرعية السلطة الدولية كي يحل محل قوانين صدام حسين البائدة، أو لنشر قوات حفظ السلام في المحافظات. وكذلك لم تكن هناك آلية، بخلاف المناشدة المباشرة، لجذب الدول الأخرى إلي المهمة. وفشلت حكومة بوش في اجتذاب القدر الكامل من الموارد والدعم الذي كان من الممكن توفيره.
\r\n
\r\n
المفارقة هي أن بعض أعضاء الكونجرس، الذين كانوا يشكون مر الشكوى لسنوات من الجيش بشأن مشاركته في بناء الأمة، وكانوا يشكون من «ذعر المهمة» و«المشاركة في الأعباء»، مضطرون الآن لدعم الجيش الأمريكي وهو يقوم بهذه المهمة بمفرده في واقع الأمر. لقد كانت (ولا تزال) مهمة أكثر صعوبة وخطورة وعدم تحديد لموعد انتهائها من أية مهمة سابقة.
\r\n
\r\n
يعيدنا هذا إلي الانتقاد الأساسي الثالث لخطة الحكومة، وهو أنه أثناء محاولة الاحتفاظ بالسيطرة التامة، زادت الحكومة تكاليف المهمة ومخاطرها بمنعها استفادتنا من نفس الحلفاء والموارد الذين كان من الواجب أن يتوافروا للولايات المتحدة. فلم تكن حكومة بوش حتى ذلك الوقت علي استعداد للاستفادة من الشرعية والدعم الدوليين اللذين كان يمكنها الحصول عليهما من المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وحلف الناتو.
\r\n
\r\n
فبدلاً من كسب النفوذ عن طريق الشرعية الدولية، رفضت الولايات المتحدة، حتى خلال صيف 2003 الطويل، التخلي عن السلطة السياسية للأمم المتحدة أو منح سلطة مهمة لأية مؤسسة دولية أخري. ومع ذلك كان لتلك الشرعية أهميتها إذ كان للحكومات الأوروبية أن توفر القوات والموارد للمساعدة في جهود ما بعد الحرب في العراق. ففي ظل قدر أكبر من المشروعية الدولية، وخاصة في أوروبا، كان من الممكن الاستفادة من المزيد من التأثير علي الحكومات في أماكن أخري.
\r\n
\r\n
ذلك أن سلطة الأمم المتحدة لها ثقلها المهم في ميدان الرأي العام العالمي. وكان من الممكن أن يتوفر هذا كله للولايات المتحدة، لو أن حكومتنا أدركت وحسب أنه من الضروري السعي للحصول عليه.
\r\n
\r\n
"أظهرت تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية مزايا العمل، حين يكون ذلك ممكنًا، في إطار تحالفات ومؤسسات متعددة الجنسيات, وتجعل الولايات المتحدة نفسها بتجاهلها تلك الدروس معرضة للمخاطر من الناحية القانونية والمالية والعسكرية"
\r\n
\r\n
أظهرت عملية تحرير العراق الحاجة إلي قدر أكبر من التخطيط والمشاركة متعددي الأطراف، وخاصة أثناء مرحلة ما بعد الصراع. وهذه بعض الأسئلة المتواترة التي لم تُبحث البحث الواجب. فمن الذي سيوفر قوات الشرطة ويؤمِّن الأمن العام؟ وعلي أي أساس من السلطة؟ هل سيكون هناك نظام قضائي، بما فيه من محامين وقضاة وسجون؟ قانون من هو الذي سيحكم؟ كيف سيكون التعامل مع مسلسل الجريمة المنظمة والفساد والسلطة شبه الحكومية من جانب القيادات الدينية وغيرها من القيادات؟
\r\n
\r\n
إن طرح الأسئلة الصحيحة وإيجاد الحلول المناسبة ليس من المهام التي تقوم بها قوة واحدة بمفردها، حتى ولو كانت قوة في عظم حجم الولايات المتحدة. فقد أظهرت تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تمتد لأكثر من خمسين عامًا مزايا العمل، حين يكون ذلك ممكنًا، في إطار تحالفات ومؤسسات متعددة الجنسيات. وتجعل الولايات المتحدة نفسها، بتجاهلها تلك الدروس لمصلحة التعاون الثنائي في غالبه، معرضة للمخاطر من الناحية القانونية والمالية والعسكرية. وبغض النظر عما تقوله اللغة العسكرية عن «العمليات الحاسمة»، فإن الأحداث علي الأرض في العراق، بعد نجاح العملية العسكرية في هزيمة قوات صدام، كانت ستصبح حاسمة بالفعل علي المدى الطويل.
\r\n
\r\n
انطوت رؤية وزير الدفاع رامسفيلد الاستراتيجية الخاصة بتغيير استراتيجية الحرب الأمريكية علي قدر أكبر من الاعتماد علي الضربات المُحْكمة والقوات الخاصة، علي أن يصاحب ذلك تقليل للاعتماد علي القوات البرية الكبيرة. وأكدت العمليات التي جرت في العراق حكمة عدم التوقف عن تعديل استراتيجيتك في ذلك الاتجاه؛ إلي حد معين.
\r\n
\r\n
إلا أن تلك لم تكن رؤية جديدة بحال من الأحوال. فالقوات المسلحة الأمريكية يجري تغييرها باستمرار منذ خروجها من حرب فيتنام في منتصف السبعينيات. وكانت القوات التي حاربت في عام 2003 إلي حد كبير من إنتاج خمسة رؤساء أمريكيين وعملية تطوير مستدامة زادت سرعتها بالفعل بعد حرب الخليج في عام 1991.
\r\n
\r\n
أعدت قيادة الأركان المشتركة الأمريكية في عام 1996، بمساعدة فروع الخدمات، أول مشروع لخوض الحرب بصورة مشتركة، وهو «الرؤية المشتركة 2010». وشرحت تلك الوثيقة غير السرية مفاهيم السيطرة العسكرية باستخدام كامل الموارد العسكرية، والضربات المُحْكمة، والحماية عالية التطوير للقوات، والأعمال اللوجستية دقيقة التركيز، وقد نُفِّذت جميعها علي أرض المعركة في العراق.
\r\n
\r\n
وبما أنه كانت هناك رؤية تنطوي علي التغيير الأساسي، فمن المؤكد أنها كانت سابقة علي تغيير الإدارات في عام 2001، وكانت قد أصبحت رؤية جماعية. إذ كانت تُدَرَّس في مدارس الأفرع، وتناقش في التدريب والمناورات، وتُدمج في مبادئ التعليم، وشروط المعدات، والأبحاث والتطوير، والمشتريات.
\r\n
\r\n
أكدت الرؤية بشدة أهمية السيطرة من خلال التحكم في المعلومات والضربات المُحْكمة. وقال أحد كبار الضباط: «تخيل صندوقًا من أرض العدو عرضه 200 كيلومتر وعمقه 200 كيلومتر. ينبغي علينا تحديد كل هدف معاد هناك، وأن نضرب كل هدف نريده ونقتله». كانت رؤية مقنعة بما تميزت به من بساطة ووضوح. وقد جري تأملها في البرامج والميزانيات وجلسات استماع الكونجرس، وحتى الثقافة الشعبية. إذ كانت الإرادة الجماعية التي خلف رؤية التغيير كاسحة.
\r\n
\r\n
المفارقة هي أن رؤية التغيير تلك ميدان المعركة ذو التكنولوجيا الفائقة الذي يري من خلال مجموعة من أجهزة الإحساس، بينما المعارك تُخاض وتُكسب بالضربات المُحْكَمة وبالمكوِّن الأرضي صغير الحجم التي أعلنتها حكومة بوش، وخاصة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، كانت قد أصبحت بالفعل واقعًا إلي حد كبير حين تولي بوش السلطة في عام 2001.
\r\n
\r\n
ولابد بطبيعة الحال من استمرار التغيير الأوسع مجالاً للدفاع وجعله أكثر قوة وحيوية. فمن بين التجديدات الكثيرة الأخرى، ينبغي أن يكون لدينا أجهزة إحساس أفضل، واتصالات أكثر حماية، ومدي أبعد للنيران، وصواريخ أسرع، و«آثار أقدام» أمامية أصغر حجمًا للقوات، وتكامل أفضل للأفرع والعمليات الخاصة، واعتماد متزايد علي شبكات الاتصال لتركيز العمليات. إلا أن جوهر المهمة الكشف المتقدم تكنولوجيا عن قوات العدو وتدميرها علي أرض المعركة بأقل مخاطرة بالنسبة للقوات الأمريكية لن يتغير.
\r\n
\r\n
لابد أن تحذرنا تجربة العراق من أن كلاً من الخطة والتغيير أو علي الأقل ما سمعناه عن رؤية وزارة الدفاع لها لم يكونا كاملين، حيث كانا يركزان فقط علي «العمليات الحاسمة» وغاية «الكثافة العالية» الخاصة بسلسلة الصراعات المحتملة. وفي منتصف التسعينيات، حين وضعنا «الرؤية المشتركة 2010» علي الورق لأول مرة، كان كثيرون معنيين بضرورة موازنة إيقاع القتال السريع ورؤيته عالية الكثافة بواقع ما يجري قبل وبعد.
\r\n
\r\n
ولم يكن ذلك ضيق أفق من جانب الجيش وحسب، فالأرجح أن الجيش لابد له من التعامل مع ذلك الواقع وكان بذلك الفرع الأكثر تمكينًا من التعبير عن المخاوف. ورأينا مرارًا أن تدمير القوات المعادية لم يكن وحده كافيا ل«الفوز» في معظم الأوضاع التي قد تجد القوات الأمريكية نفسها فيها. فقد كانت هزيمة القوات العسكرية ضرورية لكسب المعركة، ولكنها لم تكن كافية لكسب الحرب.
\r\n
\r\n
"ربما كان من السهل جدًا التركيز علي القتال وقتل العدو وتدمير قواته. إلا أن كل طالب جاد من طلاب الكلية الحربية يعلم أن الحرب تسعي إلي تحقيق أهداف سياسية"
\r\n
\r\n
شهدنا الصعوبات في القتال وسط السكان المدنيين في بنما أثناء البحث عن الرئيس البنمي مانويل نورييجا، ومشاكل التعامل مع اللاجئين وعدم الاستقرار وأسري الحرب في أعقاب حرب الخليج الأولي، والفشل في الصومال والصعوبات في هاييتي والتحديات الكثيرة الخاصة بالعمليات في البلقان. وكان معظم تلك الصراعات ينطوي علي المواجهة العسكرية المكثفة القصيرة والعملية اللاحقة طويلة المدى الأقل كثافة ولكنها ليست أقل أهمية. ولابد من تدريب القوات المسلحة وتزويدها بالمعدات كي تتعامل مع هذه المتطلبات.
\r\n
\r\n
هناك القليلون داخل الحكومة وخارجها الذين يدعون إلي نوع أكثر اتساعًا من التغيير للتعامل مع هذه الأوضاع الصعبة. وبدلاً من التشبث بهذه الأنشطة باعتبارها المهام الجوهرية، يقاوم الجيش منذ فترة طويلة الاستثمار والمشاركة في عمليات ما بعد الصراع والعمليات السلمية. ويرتبط جزء من هذه المقاومة بمجموعة قوانين الولايات المتحدة الحالي (وخاصة القانون العسكري Title 10 )، التي تحدد أدوار الأفرع والمهام وتنص علي أن يدرب الجيش الأمريكي قواته وينظمها ويزودها بالمعدات «من أجل القتال البري المستدام».
\r\n
\r\n
إلا أنه للإنصاف أقول إن كثيرًا من التردد يعود إلي المجمع العسكري الصناعي وسياسة البقاء كتنظيم. فقد جعل الجيش، بعد وقوعه لسنوات في شرك الرؤية القوية الخاصة بالتغيير العسكري التي هبطت بأنشطة ما بعد الصراع وحفظ السلام إلي مرتبة أقل من الأولوية، وجوده معتمدًا علي تجديد التكنولوجيا الفائقة ووضع برامج مشتريات مثيرة للإعجاب وبعيدة النظر مصممة من أجل القتال عالي الكثافة في الشرق الأوسط أو في كوريا، شأنه في ذلك شأن سائر الأفرع.
\r\n
\r\n
وفي ظل أولويات الدفاع الأمريكية العامة، كان ينظر إلي تلك البرامج علي الأرجح علي أنها تنافس بنجاح للحصول علي التمويل. وما إن تحصل علي التمويل حتى تنال التأييد المهم من المقاولين ومقاولي الباطن في كثير من دوائر الكونجرس.
\r\n
\r\n
كان يعزز تلك الاتجاهات الجو شديد الحزبية داخل واشنطن في أواخر التسعينيات حيث كان متوقعًا أن يكون رد فعل الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون قويا ضد أي شيء يرون أنه «بناء أمة». وكانت الحقيقة أن أبحاث عمليات ما بعد الصراع والإعداد لها لم تكن تحظي بالدعم السياسي. وقد قال جورج بوش أثناء مناقشات الحملة الانتخابية في عام 2000، وكان وقتها حاكم تكساس: «لا أظن أنه ينبغي استخدام قواتنا فيما يسمي بناء الأمة. بل أظن أنه ينبغي استخدام قواتنا للقتال وكسب الحرب. وأظن أن قواتنا ينبغي أن تُستخدم للمساعدة في الإطاحة بأي دكتاتور... حين يكون هذا أفضل مصالحنا».
\r\n
\r\n
مما يؤسف له أن هذه علي وجه الدقة هي الطريقة التي جرت بها مقاربة المهمة. ففي العملية تحرير العراق، سرعان ما اتضح علي الأرض ما حققته الخطة الحربية والتغيير العسكري من نجاح وما أصابهما من فشل علي الأرض. فقد أبلي الجيش بلاء حسنًا في «العمليات الحاسمة» التي قام بها، إلا أنه في مجهود التخطيط الأوسع مجالاً، وفي التفكير في الطبيعة الحقيقية للحرب الحديثة، أساء المدنيون فهم ما كنا بحاجة إليه.
\r\n
\r\n
ربما كان من السهل جدًا التركيز علي القتال وقتل العدو وتدمير قواته. إلا أن كل طالب جاد من طلاب الكلية الحربية يعلم أن الحرب تسعي إلي تحقيق أهداف سياسية؛ وأن القوة العسكرية مجرد وسيلة ضمن وسائل عديدة تشمل الدبلوماسية، وأنه لابد من تعزيزها جميعًا تعزيزًا مشتركًا.
\r\n
\r\n
لا يمكن أن يكون التناقض مع حملة الناتو الخلافية في كوسوفو، التي خدمت فيها قائدًا عسكريا، أكثر وضوحًا. فقد استعين هناك بالسلطة الدولية في مسعى دبلوماسي للحيلولة دون حدوث المزيد من التطهير العرقي. واستمرت المفاوضات والتخطيط شهورًا وهي تسير بسرعة.
\r\n
\r\n
وقد أُشركت الأمم المتحدة في مرحلة مبكرة واستمر إشراكها. وتولي الناتو وليس الولايات المتحدة أمر المشكلة. وفي البداية كان هناك نقاش حول إصدار إنذار، ثم استخدمت الإنذارات الحقيقية لممارسة التأثير الدبلوماسي. ولم يكن هناك حد زمني محدد سلفًا للقيام بعمل عسكري؛ فالواقع أن الناتو قطع شوطًا غير عادي في تحاشي الاضطرار إلي القيام بعمل عسكري. وحاول العديد من قادة الدول بشكل منفرد الوساطة للتوصل إلي حل، وقد عقَّدت هذه الدبلوماسية التخطيط العسكري.
\r\n
\r\n
لقد استخدمت القوة باعتبارها الملاذ الأخير، ولم يحدث ذلك إلا بعد وضع التخطيط للفترة التي تعقب القتال والالتزام بذلك. وقد جري قياس تطبيق القوة في البداية. وبعد ثمانية وسبعين يومًا من القصف، والتهديد بشن غزو بري، أذعن الرئيس اليوجوسلافي سلوبودان ميلوسيفتش لشروط الناتو. وسُمح لحوالي مليون ونصف من ألبان كوسوفو الذين أُبعدوا بوحشية بالعودة إلي ديارهم. وانسحبت القوات الصربية، ودخلت القوة التي يقودها الناتو (حيث أسهمت الولايات المتحدة بحوالي خُمس تلك القوة فقط). واليوم يحاكَم ميلوسيفتش علي جرائم الحرب في لاهاي، ويوجوسلافيا ديمقراطية ناشئة. ولم يقتل جنود أو طيارون أو أفراد مارينز أمريكيون أثناء العمل العسكري في تلك الحملة.
\r\n
\r\n
أما في العراق، وفي بداية عام 2003، لم يكن أحد ليخطئ أمارات المقاومة الحازمة. كانت الولايات المتحدة تواجه الكمائن وأعمال القناصة، وخاصة شمالي بغداد وغربيها. وكانت تلك مناطق لم تخض فيها القوات الأمريكية الصغيرة قتالاً بريا قط؛ فقد ظهرت علي المسرح فقط وسط انهيار حكومة صدام حسين الذي أعقب الحرب. وفي داخل بغداد، ورغم العودة التدريجية إلي النظام المدني، ظلت هناك أعمال متفرقة من القنص وإطلاق النيران والتخريب.
\r\n
\r\n
"جورج بوش: لا أظن أنه ينبغي استخدام قواتنا فيما يسمي بناء الأمة. بل أظن أنه ينبغي استخدام قواتنا للقتال وكسب الحرب. وأظن أن قواتنا ينبغي أن تُستخدم للمساعدة في الإطاحة بأي دكتاتور... حين يكون هذا أفضل مصالحنا"
\r\n
\r\n
وكان يبدو أن حركة بعثية غير واضحة المعالم أطلقت علي نفسها اسم «العودة» قد ظهرت. أوقفت الولايات المتحدة بعضًا من إعادة نشر القوات وقامت بعمليات عسكرية كبيرة لتعزيز المناطق المهددة والهجوم. وأعلن القائد العام للقوات البرية: «هذه الحرب لم تنته بعد». وبحلول الحادي والعشرين من سبتمبر كان أكثر من ثمانين أمريكيا قد قُتلوا وجُرح ما يزيد علي خمسمائة في الصراع منذ الأول من مايو.
\r\n
\r\n
لقد نجحت حملة العراق في الإطاحة بنظام صدام حسين، إلا أنه حتى أواخر سبتمبر 2003 لم يكن قد عُثر بعد علي أسلحة الدمار الشامل. وكان الاحتمال لا يزال هو أن نظام صدام كان لديه قبل سقوطه علي أقل تقدير بعض البرامج الجاهزة لصنع تلك الأسلحة أو تحسينها، وخاصة فيما يتعلق بالأسلحة البيولوجية؛ بل ربما كان هناك مخزون من الأسلحة ونحن لم نعثر عليها وحسب. إلا أنه كان من الواضح بعد استيلاء قواتنا علي البلاد أنه يجري تشكيل شبكات إرهابية جديدة أو استيرادها لمقاومة الجهد الأمريكي. لذلك كان لابد لأي تحول ديمقراطي في العراق أن يدخل في صراع مع تهديد إرهابي جديد، بالإضافة إلي كثرة التحديات الثقافية والسياسية والإقليمية والاقتصادية.
\r\n
\r\n
لم يكن ليصدق أحد عند تلك النقطة أن إحداث التحول الديمقراطي سيكون سهلاً أو سريعًا أو رخيصًا. صحيح أنه إذا كان الهدف الأساسي للحملة العسكرية هو إظهار مهارات القوات الأمريكية وشجاعتها ولكنه غير معلن، فحينئذ يكون ذلك نجاحًا بالتأكيد. فقد بنت ثلاثون سنة من الجهد المخلص جيشًا أمريكيا لا مثيل له في قدرته علي هزيمة العدو علي أرض المعركة.
\r\n
\r\n
ولكن القوة تخلق خصومها، وهؤلاء الذين عقدوا العزم علي الدخول في صراع مع القوة الأمريكية سوف يبحثون عن الطرق التي تقلل من المزايا العسكرية التي تجمعت لدينا. ولا يزال هناك عمل أكبر لابد من القيام به إذا كان للولايات المتحدة أن تحقق نجاحًا في تعزيز قيمنا وأمننا ورفاهيتنا.
\r\n
\r\n
وبما أن كل ما عدا ذلك يتساوي، فالمنطقة والشعب العراقي أفضل حالاً بعد ذهاب صدام. إلا أن الأعمال الأمريكية ضد الخصوم القدامى مثل صدام لها ثمنها وعواقبها التي قد تجعلنا لا نكاد نكسب الحرب الجديدة ضد الإرهاب. بل إن آثار الحرب قد تعوق بالفعل جهودنا لتحقيق ذلك الهدف الأكبر.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.