المنظمات الاخبارية انقادت وراء القصة رغم ان الرئيس لم يقل سوى شيء يعرف الجميع انه صحيح منذ عام مضى‚ فسياسة البيت الأبيض تجاه العراق انتقلت من التخمين الشامل الى الانتظارية المعدلة قليلا‚ ولم يعترف بوش إلا بما هو واضح وهو ان القوات الأمنية العراقية ليست كاملة وعليه ليس الرئيس مضطرا للاعتراف بالحقيقة التالية وهي ان الوضع في العراق الآن ينذر بكارثة ولا أحد يعرف كيف او متى نستطيع نحن كأميركيين الخروج من العراق‚ فإذا كانت هذه المغامرة الفاشلة تنطوي على بعض المنطق فانها اليوم لم يعد فيها اي منطق‚ \r\n \r\n أصبح جون مكين الذي منح مصداقيته الى بوش خلال الحملة العسكرية على العراق ودافع عن الرئيس وحربه يعترف حاليا بانه لم يعد يثق على الاطلاق بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد‚ \r\n \r\n كما اعترف رامسفيلد مؤخرا بان مشاعره تضررت لان الناس اتهموه بعدم الاحساس بحقيقة انه ارسل القوات الأميركية برعونة الى بالوعة المجزرة من دون توفير المعدات ا لمناسبة او الدعم او التحضير المسبق‚ واعترف وزير الدفاع الذي جرى ترويضه ان كل الشبان الذين قتلوا في الموصل قبيل عيد الميلاد ضحوا في قتال عدو لا يستطيعون رؤيته وفي حرب شنت أصلا بسبب أسلحة لم تكن موجودة أصلا وبأننا لا نسير نحو ديمقراطية مستقرة ومزدهرة‚ وقال رامسفيلد: اعتقد ان التطلع الى عراق مسالم عقب الانتخابات خطأ‚ \r\n \r\n اما اعترافه المخزي بان رسائل التعزية المرسلة الى أسر الجنود الذين قتلوا في العراق تم توقيعها آليا اضطره الى القول: لقد اصدرت توجيهاتي بانه في المستقبل سوف اقوم بتوقيع كل رسالة تعزية فيدلل على قصر النظر‚ \r\n \r\n يراهن البوشيون كثيرا على انتخابات يناير رغم ان انتخاب حكومة يهيمن عليها الشيعة سوف تعزل السنة أكثر‚ ورغم ان العراق قد يصبح مدارا من قبل رجال دين خاضعين للنفوذ الإيراني‚ \r\n \r\n يقول المراقبون الدوليون للانتخابات ان هناك وضعا خطيرا جدا لا يسمح بالمجيء لمراقبة الانتخابات شخصيا وانهم سوف يحاولون تقييم العملية الانتخابية من مكان آمن في العاصمة الأردنية عمان‚ أليس هذا أشبه بتحكيم المقاهي بوسط البلد بعيدا عن المكان الذي تجرى فيه المباراة؟ \r\n \r\n تأمل الإدارة البوشية بانه بعد ان يفهم العراقيون بانه اصبح لديهم حكومتهم الخاصة بهم سوف يدركون ان بلادهم تستحق القتال من أجلها وعندئذ سوف يشهد الوضع في العراق تحولا نوعيا‚ ولكن هذا التحول ليس هو الأول في اطار سلسلة من التحولات التي تم التبشير بها وتبين انها مجرد طرق مسدودة او مآزق‚ \r\n \r\n فمن القاء القبض على صدام حسين الى مغادرة بول بريمر والهجوم على الفلوجة بشرتنا إدارة بوش بالعديد من آفاق السلام الزائفة فالجيش الأميركي غير قادر حتى على حماية جنوده أثناء تناولهم لطعامهم في مكان من المفترض ان يكون آمنا وحتى ان الهجوم جاء بعد تحذير قادة قاعدة الموصل من هجوم على غرار هجوم بيروت قبل ثلاثة أسابيع وذلك لأن قوات الأمن والموظفين العاملين لدعمها مخترقون من قبل جواسيس الثوار‚ \r\n \r\n ان كل معلم بارز على الطريق وكل شيء يفترض انه يمكننا من تلمس مسارنا وتغيير حركتنا الأساسية في العراق يأتي ويذهب من دون تحقيق اي تحسن في الوضع الأمني‚ فقد ذكرت صحيفة «لوس انجلوس تايمز» في تقرير لها ان كونتراك انترناشيونال احدى شركات المقاولات الأميركية الرئيسية انسحبت من التزامها بعقد لإعادة بناء العراق تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات وبذلك أثارت مخاوف جديدة من العنف المتزايد في البلاد وتأثيره على عملية اعادة البناء‚ \r\n \r\n لقد فكر انصار بوش بانهم يستطيعون الدخول الى العراق وتخويف الايرانيين والسوريين وبعد ذلك يسحبون الجزء الأكبر من قواتنا في غضون بضعة أشهر ولكننا الآن مجودون في العراق وحلفاؤنا والمقاولون والمراقبون الدوليون للانتخابات هم الذين يريدون الخروج من العراق‚ \r\n \r\n الى جانب قليل من الحصافة ما زال بوش لم يرق بعد الى المستوى المطلوب وكما قال في مؤتمره الصحفي الأخير «ان اعداء الحرية» يعرفون «ان العراق الديمقراطي سيكون لطمة كبرى لطموحاتهم لأن الناس الأحرار لن يختاروا العيش في العبودية» ولكنهم قد يختارون العيش في ظل حكم ديني مثلما فعل الأميركيون باختيارهم لبوش‚ \r\n \r\n البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وتدميرها لم يكن الحافز الوحيد الذي دفع بوش وبلير لغزو العراق‚ فالزعيمان الغربيان ادعيا أيضا انه إذا اقدما على الاطاحة بالدكتاتور صدام حسين فان ذلك قد يفتح الباب امام الديمقراطية في العراق‚ كما انه سيؤدي الى نشر درجة من الاستقرار يمكن ان تساعد في حل النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط وتضمن في نفس الوقت الانتظام في تدفق النفط المنتج في المنطقة الى الأسواق العالمية‚ \r\n \r\n ان السؤال الحقيقي يجب ألا يطرح بشأن الديمقراطية في حد ذاتها فهي في النهاية شيء نبيل‚ ولكن التساؤل الذي يطرح هو: هل الصواريخ والدبابات هي الوسيلة الصحيحة لزرع الديمقراطية في بلد عاني طويلا من الحكم الدكتاتوري‚ \r\n \r\n ان السوابق التاريخية لعبت دورا هاما في القرار العراقي‚ فأحد هذه الأمثلة هي ألمانيا النازية‚ ولنكن صريحين منذ البداية فالقوات المتحالفة لم تدخل الحرب العالمية من أجل تطبيق الديمقراطية في ألمانيا فالذي بدأ الحرب هي ألمانيا مما اضطر الحلفاء الى تقديم الحماية لأناس كانوا يرتبطون معهم بمعاهدات ومن أجل حماية شرف بلادهم ووحدتها‚ \r\n \r\n ربما يكون لدخول الولاياتالمتحدة الى المسرح الأوروبي ما يبرره من أجل تشكيل النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب‚ ولكن كانت هناك وجهتا نظر تجاه ذلك النظام‚ \r\n \r\n وجهة النظر الأولى تقول انه يجب تسوية ألمانيا بالأرض واعادتها الى عصر ما قبل الثورة الصناعية بحيث لا تعود تشكل اي مصدر للتهديد مرة أخرى‚ ووجهة النظر الثانية كانت تدعو الى تقديم المساعدة لألمانيا بوضعها على طريق الديمقراطية‚ وكما حدث فازت وجهة النظر الثانية وتراجعت وجهة النظر الأولى‚ \r\n \r\n والحقيقة ان الولاياتالمتحدة نجحت في استخدام «القوة الناعمة» من أجل بناء الديمقراطية في ألمانيا في فترة ما بعد الحرب‚ \r\n \r\n المثال الثاني هو نهاية الحرب الباردة في عام 1989 التي يمكن ان يقال انها قصة ناجحة‚ بالطبع انهيار الشيوعي لم يتم بناء على هجوم استباقي شنه الغرب وان كان سباق التسلح قد ساعد على تفجير الاتحاد السوفياتي من الداخل‚ وبعد 1989 ادى تقديم المساعدات الغربية الى تخفيف آثار تحول دول شرق أوروبا الى الديمقراطية وحكم القانون واقتصاديات السوق‚ \r\n \r\n بعد كل الذي قيل سابقا لماذا لا يطبق هذا في العراق؟ \r\n \r\n السبب الظاهر هو الاختلافات الثقافية واختلاف الظروف السائدة والقائمة‚ وحتى لو كان الأمر كذلك لماذا لا يعطي بوش وبلير الديمقراطية فرصة للنمو والانتعاش في ذلك البلد؟ \r\n \r\n احد الأسباب هو ان تطبيق الديمقراطية وفرضها بالصواريخ والدبابات شيء يتناقض مع الديمقراطية نفسها‚ فالديمقراطية بمفهومها الواسع تعني الأخذ بالأسلوب السلمي لتسوية النزاعات‚ \r\n \r\n بالطبع فإن قصف مدينة دريزون الألمانية بالسلاح الجوي الأميركي والبريطاني ومسحها من الوجود لم يكن سلميا‚ ولا يعتقد احد ان تدمير هذه المدينة الألمانية بالكامل ساهم في جعل الديمقراطية اكثر قبولا بعد الحرب العالمية الثانية‚ ولكن مع توقف الحرب وتوقف القصف خرج شعب تلك المدينة من تحت الانقاض للمساهمة في خلق الظروف الديمقراطية وكانوا فعلا قادرين على فعل ذلك‚ \r\n \r\n هناك الكثير من الأحاديث تدور في هذه الأيام عن «القوة الناعمة» و«القوة الخشنة» بحيث تستخدم أوروبا القوة الأولى وتترك الثانية للولايات المتحدة‚ \r\n \r\n والحقيقة ان هاتين القوتين تكملان بعضهما البعض‚ فالقوة الناعمة بدون استخدام القوة الخشنة لن تحقق سوى القليل‚ \r\n \r\n لنأخذ ايران كمثال‚ استخدام القوة الخشنة وحدها يعني التدمير وهذا دفع الأوروبيين للتحرك واستخدام القوة الناعمة من أجل حفز ايران على التخلي عن طموحاتها النووية‚ \r\n \r\n علينا ان نعترف بحقيقة ان الأخذ بالديمقراطية لا يعني خلق نفس المؤسسات في جميع الدول ذات الثقافات المختلفة‚ \r\n \r\n فإذا ما تمت الانتخابات في يناير اشارة استفهام كبرى حول «إذا» فانها قد لا تحل الكثير من المشاكل‚ فاشراك الشعب وتوفير حل سلمي للنزاع قد يتطلب ايجاد مؤسسات خاصة نابعة من تاريخ واعراف وتقاليد المنطقة‚ \r\n \r\n ليس بمقدور الصواريخ والدبابات جلب الديمقراطية ولكن إذا ما صاحبت ذلك قوة مدنية عراقية قادرة على تقديم المساعدة المطلوبة فإن بالإمكان ان يتم تطبيق الديمقراطية في العراق وفي بقية الشرق الأوسط‚ \r\n