ففي يوم الأربعاء الماضي أجرى أعضاء الحزب استفتاء على قبول أو رفض الدستور الأوروبي. وكان المعتقد أن فارق الأصوات في ذلك الاستفتاء سيكون ضئيلا للغاية، خصوصاً بعد النداء الذي وجهه أحد قادة الحزب السابقين وهو رئيس الوزراء \"لوران فابيوس\" إلى الأعضاء برفض الدستور. \r\n وتحدثت الصحافة العالمية، وكذا المعلقون الفرنسيون والأوروبيون، عن إمكانية تعرض (أوروبا) لنكسة خطيرة. كما نظر الاشتراكيون في إمكانية أن تؤدي زيادة عدد الرافضين للدستور الأوروبي عن عدد الموافقين عليه، إلى إحداث انقسام دائم بالحزب تكون له تداعيات انتخابية قاتلة. \r\n فالرفض- أو حتى شبه الرفض- للدستور الأوروبي من قبل المتشددين في الحزب الاشتراكي، تم النظر إليه على أنه قد يؤدي إلى زيادة مقدار الشك لدى الشعب الفرنسي تجاه هذا الدستور، مما يجعل احتمال رفضه في الاستفتاء الوطني الذي وعد الرئيس \"جاك شيراك\" بإجرائه، هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً مقارنة بغيره. \r\n \r\n بيد أن ما حدث هو أن أعضاء الحزب الاشتراكي شاركوا في الاستفتاء بنسبة قياسية (قرابة 80 في المئة من العدد الإجمالي للأعضاء)، كما أنهم صوتوا لصالح الدستور بأغلبية كبيرة (58 في المئة) وهو ما اعتبر بمثابة تحول كامل في موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي من موضوع التكامل مع أوروبا. \r\n \r\n أم يجب علينا أن نقول تحولاً شبه كامل. نقول ذلك لأن أعضاء الحزب الاشتراكي الفرنسي المنغمسين في السياسة حتى آذانهم، كانت لديهم دائماً عواطف مختلطة تجاه التكامل مع أوروبا (وفقاً للشروط المتاحة). وقد حدث نوع من الاستقطاب تجاه الرفض، بسبب الدعوة التي وجهها \"فابيوس\" للأعضاء برفض الدستور الأوروبي، وهي الخطوة التي أقدم عليها خدمة لطموحاته الرئاسية. \r\n \r\n وهناك اعتقاد كان سائداً ومؤداه أن جبهة الرفض للوحدة الأوروبية داخل الحزب أكثر عداء للدستور الأوروبي من الناخبين الفرنسيين بشكل عام. ولكن الطريقة التي صوتوا بها في الواقع، تشير ضمنا إلى أن الاستفتاء الوطني على الدستور العام القادم سيمر بسهولة، وهو ما سيضيف إلى مقدار الزخم الذي يتمتع به الدستور في مختلف البلدان الأوروبية. \r\n \r\n بيد أنه يبقى ممكنا- أو حتى محتملا- أن تقوم دولة واحدة أو ربما أكثر من الدول الأعضاء القدامى أو الجدد في الاتحاد الأوروبي برفض الدستور. هل هذا مهم؟ ربما لا يكون مهماً. \r\n \r\n فلو قام برلمان إحدى الدول، أو الناخبون في تلك الدولة، بعقد استفتاء ورفض التصديق على الدستور، فإن النتيجة العملية لذلك ستكون هي استبعاد تلك الدولة المنشقة من النظام القانوني الجديد الذي تأسس بعد التوقيع على الدستور بواسطة دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين. وفي هذه الحالة سيتم السعي إلى علاقة مختلفة، وأقل إلزاماً مع الدول المنشقة. \r\n \r\n والاهتمام بالتصويت الذي جرى يوم الأربعاء الماضي، يرجع إلى حقيقة أنه كان يمثل نهاية فصل من فصول تاريخ اليسار الفرنسي. فالتصويت بالرفض على الدستور، كان يمثل تحدياً للقيادة البراجماتية التي جعلت من الحزب الاشتراكي الفرنسي واحداً من الحزبين \"الأساسيين\" اللذين كانت تتشكل منهما الحكومة الفرنسية عادة كبديل عن تحالف يمين الوسط المكون من القوى السياسية التي يقودها جاك شيراك. \r\n \r\n والحركة الرامية لرفض الدستور الأوروبي، وجدت دعماً في نوع معين من الرومانتيكية والخيال اللذين اتسم بهما التاريخ المعقد للحزب، واللذين لم ينفصل أعضاء الحزب عنهما تماماً في أي وقت من الأوقات. والرغبة في إعادة تكوين الجبهة الشعبية الاشتراكية- الشيوعية، التي قامت في ثلاثينيات القرن الماضي ظلت رغبة كامنة في سياسات الحزب حتى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، كما أن \"فرنسوا ميتران\" أصبح أول رئيس اشتراكي للجمهورية الخامسة عام 1981 لأنه قام بذلك الشيء على وجه التحديد. \r\n \r\n فمن خلال المناورات والحلول الوسط النفعية، نجح \"ميتران\" في إعادة تأسيس حلف لليسار ضم الحزب الشيوعي، ولكن وفقاً لشروط جديدة، وتوزيع جديد للقوى. واستمر ذلك طوال فترتي \"ميتران\" الرئاسيتين (14 عاماً) ولكنه انتهى بتدمير الشيوعيين كقوة وطنية. \r\n \r\n ولكن أعضاء اليسار الاشتراكي لم يتفقوا أبداً مع العبثية التي اتسمت بها الاشتراكية الميترانية، ولا مع التسويات التي قام بها القادة الاشتراكيون الذين جاءوا بعده مع قوى السوق في منظومة الاقتصاد الدولي. فأعضاء الحزب كانوا متشككين تجاه السياسي الأسباني المنتمي إلى تيار الاشتراكية الجديدة \"فيليب جونزاليس\"، وتجاه الديمقراطيين الاشتراكيين الألمان الذين قاموا بإصلاح أنفسهم، وتجاه حزب \"العمال الجديد\" في بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي. \r\n \r\n والهزيمة المثيرة التي لحقت برئيس الوزراء الاشتراكي \"ليونيل جوسبان\" في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أمام السياسي اليميني \"جان ماري لوبان\"، حدثت بسبب التمرد الذي قام به تيار اليسار \"اليوتوبي\" (الخيالي) الذي قام بالتصويت لمصلحة الأحزاب التروتسكية (كي يلقن اليساريين درساً لا ينسونه)، وبسبب لا مبالاة الناخبين المنتمين إلى التيار الرئيسي في اليسار أيضاً. \r\n \r\n والمعارضة للدستور الأوروبي خلال العام الأخير، أدت إلى استقطاب تيار اليسار في الحزب. فمن ضمن الانتقادات التي كانت توجه للدستور الأوروبي أنه (ليبرالي أكثر من اللازم)- والمقصود أنه أكثر اقتراباً من المفاهيم والقيم الأميركية والبريطانية- وأنه أيضاً (أطلسي أكثر من اللازم). ولكن الرفض الحقيقي للدستور سببه أنه يبدو وكأنه سيؤدي - وفي جميع دول أوروبا- إلى وضع نهاية لجميع احتمالات التغيير الجذري في المجتمعات التي احتضنت المثالية والطموحات الاشتراكية لما يزيد على قرن من الزمان. \r\n \r\n لقد دعت حمله ميتران الانتخابية الرئاسية الأولى عام 1981 الناخبين الفرنسيين إلى (تغيير أنفسهم)، ولكن ليس بنا من حاجة للقول إن حياة أولئك الناخبين لم تتغير لأن الحياة قلما تفعل ذلك مهما كانت بلاغة الدعوات السياسية. أما المؤسسات فإنها تتغير... وهذا تحديداً هو ما تسعى إليه أوروبا في الوقت الراهن. \r\n \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز