\r\n كانت اليابان في تلك الفترة تتكئ على التاريخ، في إعادة تشكيل آسيا مجددا. أما الصين فقد كانت في الوقت ذاته، ولسنوات طويلة بعده، مشغولة لقمة رأسها بالجهود الجبارة والكارثية التي بذلتها من أجل إعادة تشكيل نفسها. وكان لهذه الجهود آثار مدمرة داخل الصين. أما خارجها فإن النصر الذي حققته ثورة ماو، و(القفزة الكبيرة إلى الإمام) ، والثورة الثقافية، أثر على خيال اليساريين، وأثار مخاوف اليمينيين إبان الحرب الباردة. وفي الحقيقة أن الصين نفسها، لم تحقق مكاسب تذكر من التأثير الدولي لتلك السياسات، سوى تسهيل توريد الأسلحة إلى التمرد الفيتنامي ( ثم القيام في عام 1973، بالاعتراف بالولايات المتحدة، لموازنة التهديد الذي كان يمثله جارها العملاق الاتحاد السوفيتي السابق). \r\n \r\n أما فيتنام فقد نالت نصيبها من التاريخ، ليس لأنها كانت دولة مهمة في حد ذاتها، ولكن بسبب المخاوف التي سادت الأوساط السياسية الأميركية في واشنطن بشأن ما يمكن أن ينتج عن حرب فيتنام وهو: موجة من العداء العارم للولايات المتحدة الأميركية في العالم الثالث. وفي الحقيقة أن فيتنام لم تكن سوى تمرد وطني مثله مثل الكثير من أنواع التمرد التي تقوم في البلدان المختلفة لمناوئة الغزو والاحتلال الأجنبي، فيما عدا أنه كان تمردا ناجحا شأنه في ذلك شأن كافة أحداث التمرد الوطني ( وهو ما فشلت واشنطن في عهد بوش في إدراكه). \r\n \r\n خلال الفترة الواقعة بين استسلام اليابان ويومنا هذا، يمكن لنا أن نقول أن آسيا كانت غائبة عن التاريخ، بصرف النظر بالطبع عن الهواجس التي كانت تنتاب أميركا بسبب خوفها من تحول الصين إلى قوة عظمى جديدة. فقد أدت الحرب الباردة، والحرب الكورية، وحرب فيتنام إلى نشر القوات الأميركية على امتداد محيط الكتلة الآسيوية السكانية من البحر الكوري، إلى بحر الصين الجنوبي، واستقرارها هناك. \r\n \r\n وقد لقيت القوات الأميركية ترحيبا في كوريا الجنوبية بسبب التهديد المفترض، أو بالأصح، بسبب التهور الظاهر لكوريا الشمالية. وهناك أماكن أخرى اعتقدت واشنطن أنه من الضروري الدفاع عنها مثل تايوان. ومع ذلك جاء نيكسون في السبعينيات كي يعترف بأن تايوان صينية -على رغم أنه لم يسمح للصينيين بأخذها- أما هونج كونج فقد كان موقف واشنطن الأصلي هو الدفاع عنها وحمايتها من الخطر الصيني. ولكن عندما قررت حكومة مارجريت تاتشر إعادة الجزيرة إلى الصين، فإن واشنطن لم يكن أمامها سوى الموافقة هي الأخرى على ذلك. \r\n \r\n في النهاية، يمكن القول أن السبب الذي جعل القوات الأميركية تبقى في آسيا هو قوة الدفع الذاتي. فتلك القوات كانت هناك من قبل، وهي هناك الآن، وبالتالي فإنها يجب أن تستمر في البقاء هناك مستقبلا. علاوة على ذلك فإن الشعوب التي يمكن أن تقرر بقاء هذه القوات أو عدم بقائها كانت -وفقا للتقاليد العريقة والعاقلة للبيروقراطية- غير راغبة في فعل أي شيء يمكن أن يؤدي إلى تقويض وضع قائم ومستقر. ولكن من غير المعتقد أن يظل هذا الوضع قائما في المستقبل. وهناك قدر كبير من مشاعر الاستياء تجاه وجود القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية... وهناك إلى جانب ذلك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تحدث هناك، فيما لو قامت تلك القوات بالرحيل.( ومن المؤكد تقريبا أن التجارب التي تمت في مرحلة ما بعد احتلال كوريا الجنوبية في مجال تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم والتي تم الاعتراف بها في الآونة الأخيرة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت تجسيدا لتلك المخاوف). \r\n \r\n ولكن الأحداث التي وقعت في أماكن أخرى أثرت على ذلك الاستقرار القائم في آسيا. فالولايات المتحدة محتاجة في الوقت الراهن وبشكل ماس إلى قوات في العراق. وهي تقوم حاليا بإجراء عملية تجنيد من الباب الخلفي من جنود الاحتياط الحاليين والسابقين، وجنود الحرس الوطني الأميركي. وبمجرد انتهاء الانتخابات الأميركية، وزوال أوهام إدارة بوش بأن تنظيم انتخابات في العراق سوف يؤدي إلى حل المشكلة العراقية، فإن مشكلة النقص العددي في القوة البشرية للقوات الأميركية سوف تمثل مشكلة يتعذر الهروب منها. وحتى لو قامت أميركا بتخفيض عدد القوات الأميركية الموجودة في شبه الجزيرة الكورية بمقدار الثلث ، فإلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في نشر قوة قوامها 25 ألف جندي في كوريا الجنوبية؟ ويذكر في هذا السياق أن القوات الأميركية الموجودة في شبه الجزيرة الكورية، تقوم الآن بعملية إعادة انتشار إلى جنوب سيول، أي إلى مواقع لن يكون لها قيمة كرادع ذاتي لأي غزو يقع من جانب كوريا الشمالية. \r\n \r\n وقاعدة \" أوكيناوا\" تعتبر قاعدة مريحة لقوة الحملة البحرية الأميركية التي يماثل حجمها حجم القوات الموجودة في كوريا تقريبا، وهي قوة يمكن تحويلها للعراق أيضا، ولكن المشكلة أن وجود المارينز هناك أصبح يتعرض لرفض متزايد من قبل سكان الجزيرة. والتمويل الصيني الياباني الكوري الجنوبي للعجز المالي الأميركي، يبرز التغيير الذي حدث في علاقة واشنطن مع الدول الرئيسية في آسيا، كما يبرز الانكشاف الأميركي المتزايد، واعتماد الأميركيين على الآسيويين. \r\n \r\n والقوة العسكرية الأميركية، التي تبدو هائلة في الظاهر، تبين أنها غير ذات أهمية كبيرة للغاية عندما يتعلق الأمر بالموضوعات الحقيقية لما يطلق عليه الحرب على الإرهاب، وهو ما يؤدي بدوره للمزيد من التقويض للوضع الأميركي في آسيا( تماما كما هو الحال في أوروبا).وبفضل تنظيم القاعدة ، تمكنت آسيا المسلمة من دخول التاريخ مجددا وبطريقة غير متوقعة في سبتمبر 2001، وهو ما أثار فزع الأميركيين كذلك. \r\n \r\n إن بنية الاستقرار التي استمر لمدة نصف قرن من الزمان تقريبا في آسيا تتعرض لضعف متزايد الآن. ومثل هذا الشيء خطير في جميع الأحوال، ولكنه خطير بشكل خاص اليوم، إذا ما عرفنا أن حكومة كوريا الجنوبية وحكومة اليابان غير مستعدتين للوفاء بالمتطلبات الصعبة التي تفرضها الأزمة الأميركية عليهما. ومما لا شك فيه أن إعادة اشتباكهما مع التاريخ-في القرن الحادي والعشرين- يمثل متطلبا مهما من تلك المتطلبات الصعبة. \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n \r\n