\r\n الاول: مسارعة دمشق الى تسريب كل ما في امكانها تسريبه عن اللقاء خارقة تقليداً معروفاً لديها بعدم تسريب مضامين اللقاءات التي يعقدها المسؤولون الكبار فيها. وهي استبقت بذلك على نحو لافت اي تسريب اميركي لمضمون اللقاء الذي عقده الديبلوماسي الاميركي مع الرئيس السوري. وهذا الامر له تفسيرات عدة قد يكون ابرزها ان دمشق سلطت الضوء على الشق الذي تعتقد انه يهم الاميركيين في الدرجة الاولى وهو اصلاً سبب زيارة بيرنز الى العراق فتحدثت باسهاب عن التوافق المحتمل للجانبين في هذا الملف وحجبت الكلام عن الملفات الاخرى التي وردت في بيان بيرنز والتي تزعجها دون شك. وهي الارهاب والاشتراط على سورية «ان تتخذ خطوات لايقاف اعمال دول وافراد ومنظمات يعملون في الاراضي السورية واللبنانية ومنها لوقف العنف والارهاب». وقد ورد هذا الكلام في الفقرة المتعلقة بالتزام «الرئيس بوش سلاماً عادلاً وشاملاً في الشرق الاوسط ولكن لا يمكن تحقيقه بوجود اعمال العنف» التي ذكرها بيرنز مشيراً الى ضرورة قيام سورية بهذه الخطوات تمهيداً للعمل على السلام. ثم تأكيد بيرنز انهاء «سورية تدخلها في الشؤون اللبنانية الداخلية وسحب قواتها من لبنان والسماح للقوات المسلحة اللبنانية والحكومة اللبنانية ببسط سلطتها على الاراضي اللبنانية». \r\n لكن هذا الامر لا يعكس مقاربة اعلامية مختلفة عن المقاربة الاعلامية التقليدية لدى دمشق بمقدار ما يعبر عن رغبة دمشق في تأكيد ارادتها القوية فتح حوار جدي مع واشنطن لا لبس فيه وارسال اشارات قوية الى الخارج، كل الخارج عرباً واوروبيين ولبنانيين انها فتحت خطوطاً حقيقية مع العاصمة الاميركية فلا تظل نهباً للاستضعاف من كل الجهات على ما حصل في الاسابيع الاخيرة. \r\n فاللقاء شكل فرصة ذهبية لدمشق لاستعادة الحوار مع واشنطن لان عدم نجاح زياة بيرنز كان سيقود الى مواجهة تشدد الرئيس الاميركي جورج بوش بعد فوزه المرجح لولاية رئاسية ثانية. وقد بات في يده قرار دولي يشكل ترجمة دولية للقانون الاميركي محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان ويخشى في ظله ان تواجه احتمالات لا تقل عن تلك التي واجهها العراق. وقد استطاعت واشنطن اصطياد تعاون سورية في اللحظة المناسبة بعد صدور القرار الدولي 1559، علماً ان ذلك قد يصح ايضاً نسبياً على سورية من حيث حاجة واشنطن الى ضبط الوضع العراقي تأميناً لاعادة انتخاب بوش. \r\n ثانياً: عهدت سورية الى سفيرها في واشنطن عماد مصطفى فقط مهمة التحدث عبر كل وسائل الاعلام عن نتائج الزيارة. فظهرت حاجتها الواضحة الى خطاب جديد لا يستفز الاميركيين من جديد مبعدة المتحدثين التقليديين وخصوصاً وزير الخارجية فاروق الشرع والتفسيرات غير المقنعة التي يقدمها هؤلاء والتي تظهر سورية انها ضيقة الرؤية وتفتقر الى الوعي السياسي على ما حصل في التقويم السوري للقرار 1559. وفي هذا مؤشر على رغبة دمشق اقله راهناً في عدم التسبب بأي «خربطة» لامورها مع الاميركيين من خلال الاعتماد على رئيس ديبلوماسيتها في واشنطن. فكشف مثلاً ان الحوار الاميركي السوري خلال عام ونصف عام اي منذ زيارة وزيرالخارجية الاميركي كولن باول لدمشق كان حوار طرشان فيما كانت تناقضه كل المعطيات المنطلقة من دمشق وكل الكلام المنسوب الى الرئيس السوري عن حوار حقيقي يجري بين العاصمتين الاميركية والسورية. \r\n وثمة معلومات عن اللقاء السوري - الاميركي تحدثت عن مقاربة مختلفة للرئيس السوري لموضوع العراق وهو بدأ حديثه مع بيرنز بابدائه خشيته من ان يؤثر استمرار الوضع في العراق على دول الجوار وهو ما يقود الى ضرورة التعاون وخصوصاً ان الاسد قد يكون مقتنعاً بأنه في حال وصول المرشح جون كيري الى رئاسة الولاياتالمتحدة وسحبه القوات الاميركية منه قد ينعكس الوضع العراقي المتفجر بقوة على سورية ومن هنا مصلحة سورية المباشرة في التعاون. وهو تطور نوعي قياساً بالمواقف السورية المعلنة قبل اشهر قليلة تقديراً للمقاومة العراقية وتفهماً لما تقوم به. \r\n بعض المراقبين الديبلوماسيين سجل ايضاً تبدلاً سورياً في النظرة الى القرار الدولي رقم 1559. فبعد كلام وزير الاعلام احمد الحسن عن القرار ك «انتصار فعلي للبنان وسورية» وتقليل وزيرالخارجية فاروق الشرع من شأنه الامر الذي انعكس على المسؤولين اللبنانيين فاعتبروه للتهويل والضغط، كان كلام مختلف للشرع في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، اذ قال ان «القرار 1559 يشكل تهديداً صريحاً لسورية» بما يتناقض كلياً مع كل الكلام السوري الرسمي ان سورية ليست معنية بهذا القرار للانسحاب من لبنان بل هي القوات الاسرائيلية. وهذا الموقف قد يندرج في اطار تأمين حد ادنى من التضامن العربي مع سورية بدا شبه مستحيل خارج اطار دعمها في مواجهة الاعتداءات او التهديدات الاسرائيلية وبعدما هدد وزراء عرب باحباط الاجتماع اذا كان ثمة موقف عربي ضد القرار 1559، الا انه يعبر في الوقت نفسه عن اضطرار سورية الى مواجهة وضع عربي صعب يعكس موقفاً دولياً اصعب لا يمكن سورية من مواجهته سوى الاقرار بالواقع وعدم تصويره على غير حقيقته، فضلاً عن حاجتها الماسة الى مقاربة تظهر على الاقل ادراكها للامور. \r\n