فبعدما تخلى عنه المحافظون الجدد في ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ممن كانوا يدعمونه، وبينما أبعد عن الحكومة العراقية المؤقتة، فإنه يبني الان تحالفا محليا لجماعات شيعية تفتقر الى صوت في العراق الجديد. وفي الوقت نفسه يتقارب مع رجل الدين العراقي الأبرز في مناهضته للأميركيين مقتدى الصدر الذي يتشكل أتباعه بشكل رئيسي من الفقراء في مدينة بغداد ومناطق الجنوب. ويعتقد المحللون السياسيون في بغداد بأن الطريقة الجديدة ستحقق له، في نهاية المطاف، دعما من قسم كبير من أنصار الصدر اذا ما اختار الجلبي الترشيح في الانتخابات، وكما هو متوقع فإن الصدر يختار السيطرة على السلطة منبر الوعظ بدلا من ذلك. \r\n وذلك يمكن أن يمنح الجلبي ومنظمته الجديدة، المجلس السياسي الشيعي، دعما كبيرا يمكن أن يؤدي الى نفوذ واسع في الوسط الشيعي الذي يشكل الأغلبية. \r\n وتقلل الأحزاب الشيعية المعروفة من أهمية الجلبي وتنظر اليه كخصم قوي. انه يجمع النفايات السياسية «مختلطا مع جماعات صغيرة»، وفقا لما قاله رضا محمد تقي، مسؤول العلاقات السياسية في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية، في العراق الذي يعتبر حزبا شيعيا رئيسيا. ولكنه اعترف بأنه اذا كان الجلبي قادرا على كسب الصدر فإنه سيكون قوة كبرى. وقال تقي «اذا ما تخلت حركة الصدر عن العنف وأقامت تحالفا مع أحمد الجلبي فإنه سيكسب شيئا من تلك الحركة. فالصدر هو واحد من أعمدة العائلة الشيعية، والأمر لا يعود فقط الى أن الجلبي يفكر بالتعاون مع جماعة الصدر، وانما هو يعمل معهم بصورة مكثفة». \r\n وتجاهلت منظمة الجلبي «المؤتمر الوطني العراقي» المجلس الأعلى وحزب الدعوة اللذين يحتلان مناصب مهمة في الحكومة المؤقتة. وقال الجلبي ان الجماعة تتواصل، بدلا من ذلك، مع الجماهير التي تشعر بأنها تفتقر الى التمثيل. وقال الجلبي في مقابلة معه في بيته ببغداد، حيث كانت الأوراق وأقراص الكومبيوتر متناثرة على منضدة كبيرة وست نوافذ مفتوحة في جهاز الكومبيوتر الذي يستخدمه بينما كان يشتغل على عدد من المشاريع في الوقت ذاته، ان المجلس السياسي الشيعي «هم أشخاص كانوا يقاتلون النظام السابق في العراق لكنهم أهملوا من جانب النظام الجديد». \r\n وأضاف ان «هذا سيجلب الى التيار السياسي السائد معظم الجماعات الشيعية المحرومة وأولئك الذين جرى تجاهلهم في السنة الماضية بعد الاطاحة بصدام». \r\n ان تحول الجلبي من وضع المفضل من جانب وزارة الدفاع الاميركية لمنصب رئيس العراق الى منتقد صريح لسياسة الولاياتالمتحدة، صار جليا عندما اتضح له انه لن يمنح دورا رئيسيا في الحكومة، فأبعد نفسه عن الولاياتالمتحدة، وبدأ التعبير عن الاحباط الواسع من سلطة التحالف المؤقتة المنحلة وخصوصا الحاكم المدني الأميركي بول بريمر. كان ذلك التحول مذهلا لأنه كان من الدعاة الراسخين لغزو العراق ولكن ارتباطا بطرح مسؤولين أميركيين أسئلة قوية حول المعلومات غير الموثقة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية اللاحقة من أن الجلبي سرب أسرارا أميركية الى ايران، وهي اتهامات رفضها الجلبي الذي بدأ يرسم صورة لنفسه باعتباره ضحية لحملة أميركية تهدف الى تحطيمه. \r\n وساعد ذلك التحول على تعزيز سمعته في أوساط الشيعة الذين يشعرون، شأن الجلبي، بالامتنان من أن الولاياتالمتحدة أطاحت بصدام ولكنهم يرتابون بنواياها. \r\n وبينما حاول كثير من المسؤولين الأميركيين إبعاده عن ذلك المزيج السياسي (حيث قال مسؤول كبير في سلطة التحالف المؤقتة «انه مفرط في الأنانية») كان الجلبي، الذي لا يسلم بالهزيمة، يمضي في مسعاه. \r\n وقال الجلبي خلال المقابلة معه «أنا هنا، وهذا بيتي، وأنا باق في العراق». \r\n وبعد تخلي وزارة الدفاع عنه، اصبح الجلبي حرا في اعادة طرح نفسه. وفي اطار هذا الجهد، أقام علاقات مع الصدر، وهو تصرف يعني اعادة تقديم نفسه كسياسي شيعي. \r\n والرجلان مختلفان تماما، فالصدر رجل دين معمم تمنع حركته تعاطي الخمور والموسيقى غير الدينية وتطالب النساء بارتداء الحجاب، بينما الجلبي يرتدي سترات ويتحدث الانجليزية بطلاقة ويستمع للموسيقى الكلاسيكية وينظر اليه على اساس انه علماني. \r\n غير ان الصدر معارض للوجود الاميركي، ودفاع الجلبي عن رجل الدين الشاب في الوقت الذي تتعهد فيه القوات الاميركية «بقتله او القبض عليه» ساهم في دعم الجلبي كمواطن عراقي يرغب في مواجهة القوة الاميركية. \r\n وفي مقابلة تلفزيونية في منتصف شهر مايو (ايار) الماضي، في الوقت الذي كانت فيه قوات الصدر تخوض معركة خاسرة ضد القوات الاميركية، سخر الجلبي من الاصرار الاميركي على تنفيذ أمر القبض على الصدر لدوره المزعوم في مقتل رجل دين شيعي منافس في العام السابق. \r\n وقال الجلبي: «هل تنفيذ أمر قضائي بالقبض على شخص يساوي ألف قتيل؟»، مشيرا الى تقديرات الضحايا بين ميليشيات الصدر. واضاف «لقد تحولت القضية القانونية الى قضية انسانية وسياسية». نقول: «توقفوا عن قتل أطفالنا». \r\n والآن فإن الجلبي يؤسس تحالفه الجديد. فقيادة المجلس السياسي الشيعي تضم عدة شخصيات من مجلس الحكم السابق، الذين لم يشاركوا، مثل الجلبي، في الحكومة المؤقتة الجديدة. غير ان اغلبية الاعضاء أتوا من جماعات صغيرة غير معروفة. وانضم هؤلاء، الذين يفتقرون الى الخبرة السياسية، الى هذا التحالف لأنهم يرونه وسيلة لجعل اصواتهم مسموعة. \r\n ولأنهم من الشيعة، يأملون انه يمكنهم عن طريق التجمع معا تجنب قهرهم مثلما حدث في النظم السابقة. \r\n وقال علي العوشى، وهو رجل أنيق قضى العشرين سنة الاخيرة في المنفى «ليس للأمر علاقة بالطائفية. ببساطة الشيعة يمثلون الاغلبية». واوضح انه فقد شقيقين في عهد صدام حسين. وكان واحدا من بين الاشخاص العديدين الذين حضروا اجتماعا اخيرا عقد في مقر الجلبي المعروف باسم البيت الصيني بسبب طرازه. واضاف العوشي: «الدكتور احمد الجلبي مواطن عراقي، ولعب دورا كبيرا في هذا التغيير». \r\n وتأمل الاحزاب الشيعية انه في الانتخابات المقبلة، سيصبح العراق هيئة انتخابية واحدة. وستختار التحالفات قوائم للمرشحين الذين سينضمون الى المجلس الوطني الانتقالي طبقا لنسبة الاصوات التي حصلوا عليها. وقال جابر حبيب جابر، وهو استاذ في جامعة بغداد يتابع السياسة الشيعية «انه (الجلبي) يركز على الانتخابات». \r\n وهناك العديد من السيناريوهات يمكن للجلبي ان يتوصل عن طريقها لاتفاق لضمان ان يكون هؤلاء الذين يؤيدونهم في أعلى قائمة بحيث يضمن حصولهم على مكان في المجلس. \r\n وفي الواقع فإن منطلق الجلبي يمكن ان يكون جذابا. فالعديد من العراقيين ينظرون نظرة ملؤها الشك للاحزاب السياسية وهو نتاج عصر صدام حسين، الذي كان يطبق نظام الحزب الواحد. ولا يزال هناك بعض الحماس المحدود للمنظمات السياسية القائمة. هل ستنجح جهود الجلبي في العودة الى مسرح السياسة ؟ من الصعب معرفة ذلك الآن، غير ان معارضيه يقولون انه رجل يتميز بطاقة كبيرة وسعة حيلة وطموح. وقال حبيب «لقد طرده الاميركيون من الباب، لكنه يعود من الشباك». \r\n \r\n * خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص ب«الشرق الأوسط»