صحيح أنه لا يوجد تأثير مباشر لتولي إياد علاوي منصب رئاسة الوزراء على حركة التمرد العراقية. ولكن ربما ينحسر نشاط العصابات المقاتلة- وليس نشاط الانتحاريين بالضرورة- فيما لو رأى المسلمون السُّنة أن النشاط العسكري المضاد لتلك الهجمات، لم يعد تحت سيطرة الأميركيين وقيادتهم. وفي هذا الصدد كان علاوي قد حظي بإعجاب عدد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية- مثلما فعل من قبل مع قادة المخابرات المركزية الأميركية- بعزمه وإصراره على بناء القوات المسلحة العراقية، واستخدامها دون تراخ في مواجهة الأعداء الداخليين. \r\n \r\n وفي حال تحقق رؤية الإدارة الأميركية وتقييمها للوضع الحالي، وهي رؤية تتوافق مع تلك التي يتبناها علاوي نفسه، فإن المطلوب لتحقق هذه الرؤية هو عامل الزمن لا أكثر. ولا تتجاوز المدة المطلوبة بضعة أشهر من اليوم، حتى يدرك الإرهابيون والمقاتلون من مختلف الدوافع والمنطلقات، أنهم لم يعودوا يمثلون أي تهديد جدي لأمن العراق واستقراره. وهناك أكثر من سبب يحملنا على فهم واستيعاب مغزى المغامرة الأميركية القائمة على خطوة نقل السيادة إلى العراقيين، وتنصيب إياد علاوي رئيسا لوزراء بلاده. \r\n \r\n يشار هنا إلى أنه من الصعب جدا التعويل على النتائج التي تخلص إليها استطلاعات الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط، سيما في البلدان ذات التقاليد الشمولية الطويلة الراسخة. إلا أن استطلاعا للرأي أجري مؤخرا في العراق، أوضح ميلا عاما في أوساط المواطنين العراقيين- شيعة وسنة- إلى أن يكون لهم نصيب أكبر في الإمساك بزمام أمور بلادهم وإدارتها. ومع أن الأكراد الذين يمثلون الطرف الثالث في هذا المثلث العراقي، قد تمتعوا بقدر كبير من الحكم الذاتي طوال العقد الماضي، إلا أنهم لم يفلتوا من البطش والممارسات الوحشية التي ارتكبت بحقهم من قبل النظام الحاكم في بغداد، الذي كانت تسيطر عليه الأغلبية السنية العربية. \r\n \r\n ومع خطوة نقل السيادة إلى العراقيين، فإن الشعور الطاغي وسطهم هو أن حكومة إياد علاوي القائمة حاليا، هي حكومتهم، سواء جاءت عبر الانتخاب أم غيره. ولذلك فهم أكثر تعاطفا معها، قياسا إلى نفورهم ورفضهم لمجلس الحكم العراقي السابق، الذي كان بالكاد يخرج على إرادة بول بريمر الممثل لسلطة الاحتلال هناك. ثم إن الفتور والشعور بالإنهاك العام تجاه مسيرة الحروب الطويلة التي خاضها العراق خلال العقود الثلاثة الماضية، يبدو واضحا على كافة تيارات المجتمع العراقي وتكويناته العرقية والدينية. وتسود بين غالبية الشعب العراقي رغبة جامحة في أن تكلل جهود الحكومة العراقية المؤقتة بالنصر على فلول البعثيين وبقايا الأصوليين الإسلاميين الذين يؤازرونهم، ممن عاثوا تنكيلا وبطشا بالزعماء التقليديين، بل وبتقاليد البلاد نفسها وأعرافها وثقافتها. \r\n \r\n ونصل إلى القول أيضا إن استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، ليس مثيرا للتناحر والخلاف السياسي على ذلك النحو الذي نتصور. ذلك أن الأكراد يعبرون صراحة عن رغبتهم في استمرار الوجود الأميركي، بحسبان أن الأميركيين هم حماتهم الرئيسيون ضد بطش وعسف دعاة القومية العربية في العراق. ومن الجيد كذلك أن غالبية المسلمين الشيعة لا تريد للقوات الأميركية أن تبرح أراضيها. والدافع لهذا الحماس هو شعور المسلمين الشيعة بأن القوات الأميركية هي بمثابة صمام أمان لعدم طغيان النزعة الشوفينية في أوساط السنة، والحنين مجددا إلى أيام الطغيان السياسي والديني عليهم، مثلما كان عليه الحال طوال حكم الرئيس السابق صدام حسين. فالقوات الأميركية في نظر الشيعة هي الأكثر كفاءة واستعدادا لكبح جماح أية نزعات مذهبية كهذه. وبين هذين التيارين، تقع فئات وأفراد وجماعات، بين المسلمين السنة أنفسهم، كانت قد ذاقت الأمرَّين في ظل حكم النظام البعثي السابق، وتجرعت ويلاته وعذابه، إلى درجة أنها أصبحت ترى في العراقيين من أبناء جلدتها ودمها، العدو اللدود الذي يجب أن يخشى قبل الأجنبي. \r\n \r\n هذا ويبدو علاوي على قدر كبير من العزم والجدية والحماس لبناء عراق جديد، تتنافس فيه تطلعات العراقيين وآمالهم على المحك الديمقراطي الحر النزيه. لكن الذي يعيب علاوي هو أنه ليس قائدا ثوريا بقدر ما هو إصلاحي توفيقي. فهو- وللعلم كان من أكثر العناصر البعثية السابقة إخلاصا ووفاءً للحزب في عقد الستينيات- يؤمن بأن في إمكان البعثيين السابقين أن يندمجوا مجددا في نسيج المجتمع وإدارته المدنية، على غرار ما حدث للفاشيين والشيوعيين السابقين في أوروبا عقب انهيار الأنظمة التي كانوا يتبعون لها. ولدى علاوي قناعة فحواها أن في وسع الأشرار أن ينقلبوا إلى خيِّرين سريعا، فيما لو تغيرت الظروف المحيطة بهم بخطوات أسرع. وإذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين علاوي وشارل ديجول وكونراد أديناور وبوريس يلتسين، بوصفهم زعماء أبدوا تنازلات أمام الفاشيين والشيوعيين السابقين عليهم، نجد أن كلا من هؤلاء الثلاثة كان ثوريا في نبرته وخطابيته وهجائيته للفاشية والشيوعية على الأقل. خلافا لذلك يبدي علاوي كثيرا من اللين والرخاوة حين يتحدث عن البعثيين، والدور المرتقب لقياداتهم في إدارة دولاب الخدمة المدنية لعراق ما بعد صدام حسين. \r\n \r\n وتتردد على لسان علاوي الدعوة والنبرة الحازمة القائلة بإعادة بناء القوات المسلحة العراقية، وهي النبرة التي أكسبته تأييد واشنطن وموافقتها على توليه المنصب الحالي. ولكن يبقى سؤال أخير: هل يفلح تعلق بوش بإعادة انتخابه، عن طريق ما سيحرز من تقدم سياسي في العراق، في ظل الأوضاع الراهنة واحتمالاتها وتطوراتها المرتقبة؟ \r\n \r\n \r\n ريول مارك جريشت \r\n \r\n ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية وزميل دائم لدى معهد أميركان إنتربرايز \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"