فالعراق، وليس معالجة تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، كان دائما هو نقطة ضعف بوش. لماذا؟. لأن الحرب التي شنها عليه كانت من اختياره، على رغم أنه قد جرى وقتها دعمها من قبل أغلبية الأميركيين وذلك قبل أن يتقلص هذا الدعم بسبب تدهور الأمور باستمرار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن. \r\n \r\n إن الولاياتالمتحدة تجد حاليا أنها تخوض حربين: حرباً ضد المتمردين السنة في الفلوجة، والحرب الثانية ضد أنصار رجل الدين الشيعي الشاب والمتطرف مقتدى الصدر، المسلحين. \r\n \r\n وقد توازى القتال الدائر على الأرض، والذي يعتبر الأسوأ منذ تم إعلان انتهاء أعمال القتال الرئيسية في مايو 2003، مع حدوث نزاعات بين القيادة السياسية للائتلاف. ففي هذا الإطار غادر الدبلوماسي البريطاني، عضو سلطة الائتلاف المؤقتة \r\n \r\n (جيرمي جرينستوك) بغداد، لأنه شعر بالقلق- حسبما أفادت الأنباء- بسبب افتقاره إلى النفوذ خلال تعامله مع بول بريمر رجل الائتلاف الأول في العراق. ويقال إن جرينستوك قد شعر بأن بول بريمر، يركز على تحقيق أهداف الحملة الانتخابية لبوش، أكثر من تركيزه على الإدارة طويلة الأمد للائتلاف، واللازمة لتحقيق عراق آمن ومستقر. \r\n \r\n والمأزق الذي يواجه الإدارة الأميركية يمكن فهمه بسهولة. فهي إذا ما قامت بتأجيل التاريخ المحدد لتحويل السلطة إلى العراقيين، فإنها ستكون بذلك قد اعترفت بفشلها. أما إذا ما مضت قدما، وقامت بتسليم السلطة إلى مجموعة من العراقيين غير المنتخبين، فإنها ستكون متهمة حينئذ بدعم نظام عميل. لماذا؟ لأن قوات الأمن العراقية لن تكون لها أية سيطرة على الوضع على الأرض لعدة شهور، بل ربما لعدة سنوات. ففي القتال الأخير، استسلم بعض رجال الشرطة العراقيين لرجال الصدر دون قتال، مما يعني أن الجيش الأميركي، والمارينز، وغيرهم من قوات التحالف، هم فقط القادرون على المحافظة على الأمن والاستقرار في العراق. ولكن هذا يعني في الوقت نفسه ظهورا واضحا ومستمرا للاحتلال، سيقابل- دون شك- بانتقادات واسعة النطاق سواء في العراق، أو في دول المنطقة. \r\n \r\n بعض المراقبين يحثون سلطة الائتلاف المؤقتة، على القيام بتحويل المسؤولية للأمم المتحدة، مع المحافظة في الوقت نفسه على وجود أميركي قوي ومستمر. فهذا الحل، كما يقول الداعون إليه، سوف يؤدي إلى توفير المزيد من الشرعية لعملية تأجيل نقل السيادة إلى العراقيين، وتوفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة مع حلول بداية العام القادم (2005). بيد أن هذه الاقتراحات تواجه بنقد مرير من مؤيدي بوش التابعين لتيار المحافظين الجدد. فهؤلاء يرون أن الولاياتالمتحدة يجب أن تقوم بتصعيد حربها ضد العراق، وأن تعمل على تحذير سوريا وإيران من أي تدخل في الشؤون العراقية. ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث رأينا أن صحيفة \"وول ستريت جورنال\" المتعاطفة معهم، قد ذهبت مؤخرا إلى حد تحريض الإدارة على تهديد إيران بشن هجوم بصواريخ كروز على مفاعلها النووي في (بوشهر) إذا لم تقم بوقف دعمها للمتطرفين الشيعة. \r\n \r\n \r\n لسوء الحظ، ليس هناك مخرج لائق من المأزق الذي يواجهه بوش ومستشاروه. فبعد أن قال هؤلاء إن هدفهم في العراق هو إقامة نظام ديمقراطي قابل للعمل، وإن هذا الهدف سيتحقق في بدايات عام 2005، فإنهم يجدون أنفسهم الآن يجاهدون من أجل تحقيق هدف متواضع- وإن كان لازما لتحقيق أي تقدم في الحقيقة- ألا وهو بسط الأمن والاستقرار في ربوع هذا البلد المضطرب. \r\n \r\n وتحقيق هذا الهدف، يتطلب نشر المزيد من الأفراد الذين سيتم سحبهم من القوات الأميركية المتمددة الآن على مساحة أطول مما ينبغي. وإذا ما تم ذلك، فإن بوش سيكون مضطرا في هذه الحالة لتغيير منهجه واستراتيجيته معا. فبدلا من التفاؤل والحماس اللذين يبديهما الآن بشأن الموقف في العراق، فإنه سيكون مضطرا لمصارحة الشعب الأميركي بأن التكاليف والأعباء ستكون أفدح كثيرا مما كان متوقعا في الأصل. وهي رسالة من تلك الرسائل التي لا يرغب الأميركيون سماعها في معظم الأحوال. \r\n