يذكر أن الدعوة إلى إعادة النظر في تسليم السلطة للعراقيين في تاريخ 30 من يونيو المقبل، قد انطلقت من ريتشارد لوجار المعروف عنه تعقله ورسوخ حكمته بين أعضاء مجلس الشيوخ. لكن وعلى أي حال، فقد أصاب بوش هذه المرة بتمسكه بتنفيذ الجدول الزمني المقرر لنقل السلطة إلى العراقيين، بينما أخطأ لوجار،العضو الجمهوري الحكيم من مجلس الشيوخ. ذلك هو ما أكده لي أحمد الجلبي-عضو مجلس الحكم العراقي- عبر مكالمة هاتفية جرت بيني وبينه بقوله: ليست هناك ميزة واحدة تذكر لتأجيل موعد نقل السلطة المقرر. ففي حالة التأجيل- والحديث لا يزال لأحمد الجلبي- سوف يشك الناس هنا في أن الولاياتالمتحدة الأميركية، إنما أرادت تمديد احتلالها السياسي للعراق. لكن وعلى أية حال، فإن من الأهمية بمكان الانتباه لما قال به ريتشارد لوجار، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، وكذلك زميله الديمقراطي- عضو اللجنة المذكورة آنفا- جو بدين. \r\n \r\n فالشعور الطاغي لدى الكثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ، هو أن التجاهل والصمت المطبق الذي تتعامل به الإدارة تجاه قضية العراق، يبدو بمثابة سخرية واستخفاف بآرائهم. ولا شيء أسوأ من هذا في واقع الأمر، لأنه لن يعود للبيت الأبيض بأي مكسب سياسي، في معركة كسب الرأي العام هذه، على صعيد الجبهة الداخلية هنا أولا. ثم إن هذه مسألة يصعب الاستخفاف بها أصلا، إن كان للرئيس بوش أن يحقق أي نجاح انتخابي خلال المعركة الانتخابية الفاصلة في شهر نوفمبر المقبل. لقد حان الوقت لكي تدرك هذه الإدارة أنه ليس لها أن تتراجع إلى الوراء، إلى مربع الحرب الذي انطلقت منه أولا. يعني ذلك أن عليها أن تلتزم بموعد 30 يونيو الذي قطعته على نفسها. كما أن عليها أن تمضي باتجاه خطى التصحيح السياسي لكافة الأخطاء السابقة، التي كانت نتيجتها تأجيل تشكيل سلطة سياسية عراقية كاملة النفوذ والصلاحيات، تتسم بالشرعية والقبول الشعبي الواسع، ولها القدرة التامة على تولى شؤون الحكم في البلاد. \r\n \r\n وبالطبع فإن التقيد بموعد الثلاثين من يونيو لن يكون أمرا سهلا، لأنه يتطلب أن تكون هناك سلطة عراقية مؤقتة، تتولى إدارة البلاد اعتبارا من الثلاثين من مايو المقبل. ويتعين على هذه السلطة أن تحدد الخطوط العامة لالتزامها بإخلاء مقاعد الحكم، وإفساح المجال للكيان السياسي الذي سيعقبها في الموعد المحدد أعلاه. يذكر أن التصريحات المقتضبة الصادرة عن الإدارة في واشنطن مؤخرا، قد شددت على عزم الولاياتالمتحدة على تعقب جناة الهجمات الأخيرة، التي أدت إلى مصرع الأميركيين الأربعة في الفلوجة في الحادي والثلاثين من شهر مارس الماضي- على يد مسلحين سنيين- إضافة إلى الكمين الذي نصبته قوات شيعية تابعة لمقتدى الصدر. \r\n \r\n غير أن المؤكد أن الوضع في العراق، لا يمكن اختزاله في التعهد الأميركي وحده، والالتزام بالموعد المضروب لتسليم السلطة للعراقيين. فالمهارات الأميركية نفسها في محك اختبار عملي هناك. وليست القدرة على إظهار الانضباط والنظام ووضوح الهدف، بأقل أهمية عن إظهار العزم العسكري بأية درجة من الدرجات. لا شك أيضا أن تهدئة بعض المناطق الواقعة في المثلث السني مثل الفلوجة وغيرها، تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لعملية نقل السلطة للعراقيين وتفكيك سلطة التحالف الدولي القائمة في بغداد بحلول الثلاثين من يونيو. فالمقاتلون السنيون هناك، لم يسلموا بعد بحقيقة أنهم خسروا الحرب، وبالتالي لا يزال الشعور عندهم طاغيا بأن لهم الحق في قهر الآخرين ومواصلة نهجهم السابق في التنكيل ببقية فئات الشعب الأخرى. \r\n \r\n على صعيد آخر، فإن التصدي لمقتدى الصدر وأتباعه يتطلب قدرا كبيرا من المرونة والكياسة، بقدر ما يتطلب من العزم والقوة. وليكن معلوما أن شكل التعامل مع الصدر وأتباعه سيؤثر كثيرا على سعي الولاياتالمتحدة للاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الأغلبية الشيعية في العراق. هذا ومن الممكن ألا تكون لمقتدى الصدر ومجموعة أتباعه أهمية سياسية تذكر على المدى البعيد. فهو ينظر إليه من قبل المؤسسة الدينية الشيعية على أنه مثير لنيران الفتنة الدينية النائمة لا أكثر. ومن هنا فإن على قادة الشيعة والسلطات المدنية العراقية أن تمضي قدما في التحقيق حول دوره في مقتل الزعيم الخوئي المنافس له. \r\n \r\n الملفت للنظر والانتباه الآن، أن الشعور الطاغي وسط الشيعة، هو أن العاصمة بغداد قد اتخذت صبغة شيعية واضحة، كما يدعي قادتهم. لكن من المهم عقب عودة المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي إلى بغداد الأسبوع الماضي، أن تراعى خصوصية وتعقيد تركيبة المجتمع العراقي، وتنوع مصالحه وتقسيماته الداخلية. يذكر أن المهمة المحددة التي أوفد من أجلها الأخضر الإبراهيمي، هي التوسط بين مختلف الأطراف والفصائل من أجل التوصل إلى صيغة تقسيم ما، مرضية لكافة الأطراف، بحيث يفسح المجال أمام تشكيل حكومة عراقية مؤقتة، تتألف من أطراف ثلاثي السنة والشيعة والأكراد. \r\n \r\n