أثارت حملة الاغتيالات التى رافقت انطلاق المظاهرات فى المحافظات السنية بالعراق، واستهدفت الناشطين وشيوخ العشائر المؤيدين للمظاهرات المطالبة برحيل رئيس الوزراء نورى المالكى، مخاوف الكثيرين من اشتعال فتيل الحرب الأهلية مجددا، خاصة أن تلك المظاهرات أكسبت المالكى شعبية عارمة فى أوساط الشيعة، الذين عدوه بطلا يجب دعمه فى مواجهة محاولات الإطاحة به، لا سيما من قبل السنة. تلك الأجواء أعادت إلى المشهد العراقى ما كان يحدث خلال الحرب الأهلية التى اندلعت فى 2006 و2007؛ حيث عاد القتل على الهوية والتهديدات بالقتل تصل إلى العائلات السنية لمغادرة مناطقهم. وتشهد المحافظات السنية حاليا موجة اغتيالات بشكل عشوائى وشبه يومى، وتستهدف أشخاصا عاديين ممن يساندون المظاهرات. وشهدت مدينة سامراء مؤخرا اغتيال الشيخ "صبار أحمد العباسى"، أحد الشيوخ الداعمين للمظاهرات، ليتم بعدها بأيام قليلة اغتيال الشيخ خالد أحمد حسن، شيخ عشيرة "ألبو شاهر" التابعة لقبيلة العبيد فى كركوك، فى هجوم مسلح بأسلحة كاتمة فى ساحة الاحتفالات وسط مدينة كركوك. وفى اجتماع شيوخ عشائر الفلوجة، أكد الشيخ زيدان الجميلى، أحد شيوخ قبيلة جميلة فى الفلوجة مؤخرا، أن هناك شبابا من عشيرته فى مناطق السيدية والعامرية تم اغتيالهم بالأسلحة الكاتمة. وأضاف أن السكوت عن هذه الجرائم المنظمة بحق هؤلاء الشباب لن يستمر إذا ما سكتت الحكومة، ولم توفر الحماية، مؤكدا أنه طالب شيوخ العشائر بضرورة توفير الحماية لأبنائهم فى بغداد فى حال عجز الحكومة. انهيار التوافق وكشفت التظاهرات عن انهيار التسوية السياسية التوافقية التى أبرمت عام 2007، وتم تعزيزها عند تشكيل حكومة ائتلافية (سنية- شيعية- كردية) إثر انتخابات 2010، ولكن فى نوفمبر الماضى أعلن المالكى سعيه لتشكيل حكومة غالبية تقصى جزءا كبيرا من قادة السنة، وفى منتصف ديسمبر الماضى شارك فى تشكيل تحالف شيعى موسع يمهد لتأليف مثل تلك الحكومة. وأعلن ممثلو السنة، ومنهم أحمد أبو ريشة، الزعيم القبلى الأنبارى، عزمهم تشكيل ائتلاف سنى، وسط مخاوف من عودة الطائفية من جديد. كما يعد إطلاق الجيش العراقى النار على المتظاهرين فى الفلوجة انعطافا يضاهى تدمير ضريح الإمامين العسكريين فى سامراء فى فبراير 2006، رغم أن وتيرة انزلاق الأزمة إلى الحرب الأهلية غير سريعة حتى الآن. ورغم سعى المالكى لسحب فتيل النزاع ومهادنة المتظاهرين، وبادرت طهران لإقناع الصدريين الذين همشهم المالكى، بالعزوف عن مساندة السنة. ويبدو من المشهد أن الخطر الحقيقى يكمن فى أن المسار السياسى الحالى فى العراق يصب فى اتجاه هيمنة التحالف الشيعى الكردى، مثلما حدث فى الانتخابات البرلمانية التى جرت عام 2005، وهى الانتخابات التى تمخضت عن برلمان لم ينجح فى منع اندلاع حرب أهلية فى عامى 2006 و2007. ويرى مراقبون أنه لو استمر المالكى فى المرحلة المقبلة متمسكًا بموقفه المتمثل فى تشكيل تحالف شيعى يسيطر على البلاد دون مشاركة السنة، فإن هذا سيعنى أن العرب السنة سيتولد لديهم شعور بأن الشيعة تمكنوا من تهميشهم بل إقصائهم عن العملية السياسية برمتها. وهو ما قد يدفعهم -رغم رفضهم- إلى إمكانية خوض الحرب من جديد بسبب ممارسات المالكى، خاصة أن حالة الاحتقان السياسى والشعور المتنامى بأن المالكى وصل إلى السلطة بالاعتماد بشكل رئيسى على نفوذ إيران، وليس على صندوق الانتخابات، وهذا قد يدفعهم للدفاع عن حياتهم ومصالحهم.