"باطل" شعار المحكمة الدستورية منذ أن قامت ثورة 25 يناير .. جنبات المحكمة لا يتردد في أصدائها إلا كلمة ال"بطلان" لتسقط مصر في هوة عميقة من الجدل القانوني حول ما يجب فعله وما لا يجب. قضت المحكمة الدستورية العليا، يوم الأحد، بعدم دستورية قانون مجلس الشورى، الذي يسيطر عليه الاسلاميون ويتولى سلطة التشريع بصفة مؤقتة ، بالاضافة لقانون معايير الجمعية التأسيسية للدستور والتي وضعت دستور البلاد . وذكرت المحكمة :"أن القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس الشورى غير دستوري ، وهو ما ينطبق أيضًا على القانون الذي اختير على أساسه أعضاء الجمعية التاسيسية للدستور التي صاغت دستور البلاد". حُكم الدستورية أثار جدلاً كبيرًا في الأوساط القانونية والسياسية بعدما تم تأجيل تنفيذ القرار لحين انتخاب مجلس الشعب ، مع التأكيد على عدم أحقية "الشورى" في التشريع . شُغل سياسية الحُكم الصادر أرضى - بامتياز - كل الأطراف، المعارضة صبت جام غضبها على الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين مؤكدين أن الرئاسة مستمرة في المعاندة بالإبقاء على "مجالس باطلة" .. في حين أكدت الرئاسة ومكتب إرشاد الجماعة جاء مؤيدًا لبقاء الوضع على ما هو عليه . أنور عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، اعتبر أن حكم المحكم الدستورية بعدم دستورية قانوني انتخابات مجلس الشورى والطوارئ، وتشكيل الجمعية التأسيسية، جاء لينتصر لإرادة الشعب المصري، الذي لم يراعِ مطالبه أو يعبر عنه مجلس الشورى. رئاسة الجمهورية أكدت أن مجلس الشورى مستمر في ممارسة دوره التشريعي كاملا .. وأن الدستور الذي استفتى عليه الشعب وحاز الأغلبية هو المرجع الذي يحرص الجميع على العمل به والدفاع عنه، وحمايته واحترامه واجب على جميع سلطات الدولة. في حين أكد الدكتور أحمد عارف، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين أن "حكم الدستورية يقضى باستمرار بقاء مجلس الشورى وقيامه بدوره التشريعى ونفاذ أحكام الدستور بالكامل وتفعيلها فيما يقضى ببطلان انتخاب الثلث الفردى من أعضاء مجلس الشورى الحزبيين الذين ترشحوا على المقاعد الفردية". عبد الله المغازي أستاذ القانون الدستوري والمتحدث باسم حزب الوفد أكد أن الحكم أتى كاشفًا لعدم دستورية القوانين المنشئة لمجلس الشورى وللجمعية التأسيسية ، ولكن الغريب - حسب قوله - إرجاء تنفيذ الحكم لحين انتخاب مجلس النواب، لكون ذلك سيؤدي إلى إفراغ الحكم من محتواه وتأثيره القانوني ويصبح بمثابة المعلومة القانونية لا أكثر. حالة الرضاء والنشوة التي خرج بها الجميع من تحت أسقف المحكمة دفعت نجاد البرعي ، الناشط الحقوقى ، إلى القول بأن حُكم اليوم هو "سياسي بامتياز" . باطل تحت أي ظرف وبأية حال ، فقد صدر حُكم اليوم ليقضي ببطلان الشورى حتى ولو كان مع إيقاف التنفيذ ليظل لسان حال المحكة يردد كلمة باطل ليلاً ونهارًا ومع كل قضية تُطرح أمامه للنظر فيها . حكم المحكمة جاء معاكسًا لنص تقرير هيئة المفوضين المرسل إلى المحكمة الدستورية والذي أوصى بشرعية استمرار مجلس الشورى وعدم حله وصحة تشكيل الجمعية التأسيسية مع بعض الملاحظات. ليس ذلك فحسب ، فقد جاء الحكم على الرغم من تنازل المحامي خالد فؤاد - صاحب دعوى حل الجمعية التأسيسية- عن الدعوى التي تنظرها المحكمة ، بعدما أكد أنه ترك الخصومة في القضية من أجل المصلحة العامة والدولة، مشددًا على أنه لا يعمل لصالح الاخوان المسلمين . بطلان إلى الأبد عودة شفيق ربما لو كان حُكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون انتخابات الشورى قد جاء وحيدًا لأصبح الأمر مستساغًا ، لكن ما رسخ صعوبة "ابتلاع" الحكم ، أن المحكمة ذاتها كان لها أكثر من واقعة سابقة منها حتى ما هو "ضد الثورة" . بعد طول ترقب وانتظار، قضت المحكمة الدستورية العليا في شهر يونيو من العام الماضي ، بعدم دستورية التعديلات التى طرأت على قانون مباشرة الحقوق السياسية والمعروف اعلاميا بالعزل السياسى، وهو ما عنى في حينها استمرار الفريق احمد شفيق في السباق الرئاسي أمام منافسه الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة. حل "الشعب" كما قضت المحكمة في الحُكم ذاته الصادر في يونيو 2012 بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب المتعلقة بإطلاق الحق فى الترشح على النظام الفردى للمنتمين للاحزاب السياسية إلى جانب المستقلين، فضلا عن عدم دستورية تضمين الكشف النهائى لاسماء المرشحين بالنظام الفردى لبيان الحزب الذى ينتمى إليه المرشح، وهو ما يعنى من الناحية العملية حل المجلس. الجيش والشرطة في قرار مثير، يفتح أبوابًا للجدل ولا يقتل الشك الذي يعبث بالصدور، ألزمت المحكمة الدستورية العليا - في 26 مايو الماضي - الدولة والمشرع بالسماح لضباط الشرطة والجيش بالتصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة فيما يعد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر التي يصوت فيها الشرطة والجيش وبما يناقض مواد قانونية تحرم وظائف معينة منها القضاء والشرطة والجيش من ممارسة حقوقهم السياسية. القرار الصادر عن "الدستورية" أعاد مصر كلها إلى حالة الجدل التي تهدأ ولا تنتهي، ليهُز عرش مصر بأسرها ويفتح مجالاً للفتن والاختلاف .. لكن الخلاف الذي اعتدنا عليه كمصريين خلال العامين الماضين لم يكتف هذه المرة بحدود "المدنيين" وإنما امتدت أياديه للطرق على أبواب "الجيش والشرطة".