لم يكن يتوقع أشد المتشائمين أن تتطور الأمور فى مصر إلى ما آلت إليه من عبث فى المشهد السياسي وانفلات أمني غير مسبوق، منذ أحداث ثورة 25 يناير حتى الآن تسببت الثغرات الأمنية في وجود عدة ظواهر جديدة علي المجتمع المصري، أعمال البلطجة والبيع العلني للمخدرات في الشوارع واقتحام أقسام الشرطة ومديريات الأمن والمستشفيات والمرافق الحيوية وترويع المواطنين وارتكاب حوادث السرقة بالإكراه وسطو مسلح على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق، بالإضافة إلى تفشي جرائم التحرش والاعتداء الجنسي بشكل لم يعهده المجتمع من قبل، ناهيك عن إدمان بعض المواطنين والناشطين على الاحتجاجات الفئوية والاعتصامات والاضرابات والمظاهرات. ووسط هذا الزخم المليء بالأحداث المتشابكة والموقف الأمني المعقد، نرى زيادة الطلب على شركات الأمن من فئات جديدة جاء نتيجة الحاجة للشعور بالأمان، وكبديل لغياب شرطي الشارع "عسكري الدرك"، وهو يمتلك هيئة عسكرية مكلفة بواجبات الشرطة بين السكان المدنيين، يرجع تنظيم قوات الدرك إلى فرنسا حيث تشكلت وحدات "الجندرمة" الفرنسية في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد انتقل هذا التنظيم إلى العديد من الدول الأخرى. "ها مين هناك" ورغم أن شخصية عسكري الدرك كانت تظهر بشكل ملحوظ في أفلام الكوميديا، خصوصاً أفلام الممثل الراحل إسماعيل يس ورفيقه في معظم أعماله رياض القصبجي الشهير ب "الشاويش عطية" لإضفاء البهجة على المشاهد المصري والعربي، إلا أنها كانت تجسيدًا واقعيًا لظاهرة "العسكري"، الذي يجوب شوارع القاهرة على دراجة أو مترجلا، حاملاً عصاه وصفارته لحفظ الأمن والممتلكات ومنع السرقات، ومطاردة اللصوص والمجرمين وبعث الطمأنينة داخل المواطنين وأن هناك من يحميهم ويسهر على حفظ أمنهم. ارتبط عسكري الدرك بذاكرة المصريين، ورغم اختفائه عن الساحة المصرية منذ قيام ثورة 23 يوليو، إلا أن السينما المصرية لعبت دورًا كبيراً في الحفاظ على شخصية عسكري الدرك بسبب تعدد تجسيدها، حتى كاد لا يخلو فيلم سينمائي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من شخصية عسكري الدرك. قوات الدرك في مصر كانت أحد أنواع كثيرة من القوى البشرية العاملة في الشرطة وكانت مؤهلة لوظائف محددة تنتهى عندها ولاتتخطاها، ولا توجد بها درجات "ترقيات" بمعنى أن عسكري الدرك يؤدي وظيفة محددة له مدى العمر، ويستمر في رتبته حتى انتهاء خدمته، والجدير بالذكر أن هذا النظام أخذته مصر عن النظام الإنجليزي، مثلها في ذلك مثل وظيفة "كونستابل" المرور وخفير النظام، ومعاون الإدارة الذى كان يعمل على حل القضايا بين المتخاصمين في أقسام الشرطة قبل وصولها للمحاكم وكان من خريجي كلية الحقوق. عودة التجربة فقد أعلنت مديرية أمن الجيزة، أنها بدأت في تنفيذ توجيهات اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية السابق، بعودة عسكري الدرك، أو تجربة المربع الأمني، إلا أن ذلك لم يعالج المشكلة ككل، إنما كمخدر وقتي يزول مفعوله تدريجياً، ومن المفارقات العجيبة أنه فى فيلم "جريمة فى الحي الهادىء" الذي يدور حول اثنان من أفراد عصابة صهيونية بمهمة اغتيال اللورد موين - السفير البريطاني بالقاهرة - ويلقى القبض عليهما بواسطة "عسكري الدرك"، فى حين تعجز وزارة الداخلية بأكلمها عن حل ألغاز أعمال العنف المصاحبة للثورة، لدرجة أصابتها بالشلل عند حصارها من قبل المحتجين والمتظاهرين. لذا تتوالى الدعوات إلى ترك الضباط والعساكر أقسام الشرطة، والنزول إلى الشارع مع تدريبهم على كل فنون القتال والدفاع عن النفس، والتعامل مع معتادي الإجرام وترك منظومة التفكير التي سيطرت على الوزارة إبان حبيب العادلي في حماية النظام والمباني الحكومية وعدم مغادرة أقسام الشرطة. فكرة عبقرية فكرة "عسكري الدرك" العبقرية ستعيد الأمن للمواطن المصري، وتمنع حدوث الجريمة قبل وقوعها شريطة التعاون من جانب المواطنين وتغيير النظرة السلبية السيئة المأخوذة عنهم منذ النظام السابق. وهناك اقتراحات ألا تقتصر خدمة عسكري الدرك على 12 ساعة ليلا فقط بل سيتم التوسع لتشمل الخدمة طوال اليوم مع الوقت وتوفير الإمكانيات اللازمة وتزويدهم بآليات أحدث من الماضي مثل استخدام جهاز "لاب توب" للكشف عن المشتبه بهم واستخدام سيارة أو دراجة نارية للإشراف على العساكر بدلا من الدراجة، واستخدام لاسلكي بدلا من الصافرة.