جاء قرار اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية بعودة عسكرى الدرك للعمل فى الشارع مرة أخرى، وخاصة المربعات السكنية، ليعيد إلى الأذهان الصورة المتمثلة لدى الناس عن هذه الشخصية والتى ارتبتطت بالمقولة الشهيرة "ها.. مين هناك" وهى الجملة التى لم يرها الجيل الجديد إلا فى أفلام السينما فى الزمن الجميل. يعتبر العثمانيون فى القرن ال19 الميلادى هم من أنشأوا "الدرك" وهو اللفظ الذى كانوا يطلقونه على رجال الشرطة فى هذا العصر، لحفظ الأمن فى الشارع، معنى كلمة "الدرك" هو استدراك الشئ أو ملاحقته، وهو ما ينطبق على رجل الشرطة الذى يطارد المجرم. وظل عسكرى الدرك متواجدا فى مصر لفترة طويلة جدا منذ دخول الخلافة العثمانية وحتى قيام ثورة يوليو 1952، حيث قام مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر بإلغاء وظيفة "عسكر الدرك" واستبدالهم بأمناء الشرطة. لم يشاهد الجيل الجديد عسكرى الدرك إلا فى أفلام "الأبيض والأسود" وبعض المسلسلات التى تناولت عصر ما قبل انهيار الدولة العثمانية وأشهرها "على الزيبق" الذى كشف فساد مؤسسة الدرك "الشرطة" وعلاقتها بتأمين الحاكم والأعيان فقط، وإهمال الشعب وحكمه بالحديد والنار، بالإضافة إلى الأفلام القديمة طبعا، حيث كان عسكرى الدرك يرتدى زيا أسود وعلى رأسه "برنيطة" وفى يده صافرة لتنبيه الناس بوجود "حرامى" أو "قاتل" كى يجتمع الناس حوله ليمسكوا به، ولكن هل سيعتمد عسكرى الدرك على صافرته وصوته العالى كما كان يفعل فى الماضى؟! بالطبع لا لأن الأفكار تغيرت والأيدولوجيات تغيرت أيضاً، حيث أعلن وزير الداخلية عصر أمس أن عساكر الدرك سيعملون فى نقاط شرطة صغيرة موزعة فى نطاق المربعات السكنية، يتم تجهيزها بأحدث أجهزة الاتصالات والانتقال، وبما يحقق الانتقال السريع إلى مكان الوقائع والبلاغات تفعيلا للدور الأمنى بالشارع المصرى. وأكد مصدر أمنى مسئول ل"الحرية والعدالة" أن عسكرى الدرك ستكون له وظيفة محددة وهى الانتقال ما بين الشوارع والميادين فى إطار جغرافى معين يكون مسئولا عنه بالتعاون مع زملائه لتنفعيل دور الأمن فى الشارع والقضاء على البلطجية والمخربين. وأوضح "سيكون لعسكرى الدرك دورا مهما، بل هو الدور الأساسى له فى الفترة المقبلة، وهو عودة إحساس الثقة للمواطن المصرى مرة أخرى بعد غياب قوات الأمن لفترة لسيت بالقصيرة عن الشارع المصرى، بالإضافة إلى وجود حالة من الاحتقان لدى بعض المواطنين فى أمناء الشرطة لعدة أسباب لا داعلى للخوض فيها الآن. وكشف المصدر عن أن "عسكرى الدرك" سيتم اختياره وتدريبه وتعيينه وفق ضوابط معينة يحددها مجموعة من الخبراء الشرطيين، وسينضم إليهم بعض الجامعيين المتخصصين فى القانون وعلم النفس والتخصصات التى لها علاقة بالعمل الشرطى. وشدد على أنه سيتم تلافى أخطاء تجربة أمناء الشرطة، حيث سيكون لعسكرى الدرك مهام محددة ومعينة لا يستطيع أن يتجاوزها لأن قانون الطوارئ قد تم إلغاؤه، وهو ما استغله بعض الخارجين عن القانون لممارسة نشاطهم الإجرامى، وبالتالى يجب مواجهتهم بالقانون دون المساس بحريات أحد أو الحنين لعودة الطوارئ مرة أخرى، وبالتالى وجود عسكرى الدرك فى مربعات سكنية محددة سيسهل من هذه المهمة تماما دون الحاجة إلى استخدام قانون الطوارئ. وتابع "لن ينجح عسكرى الدرك فى مهمته الجديدة فى مصر إلا إذا تعاون المواطنون الشرفاء معه وقاموا بالإبلاغ الفورى عن كل المشاكل وكل الجرائم، بل وكل البلطجية كى يتم حصرهم والإمساك بهم فى حالة وقوع الجريمة، لأن عسكرى الدرك سيكون بديلا مؤقتا للنجدة، حيث سيقوم بممارسة عمله والتجوال بين الناس بالنهار وسيحاول بقدر المستطاع أن يمنع الجريمة قبل أن تبدأ".