تعد زيارة الرئيس المصرى إلى روسيا الرابعة فى إطار جولاته بدول مجموعة ال«بريكس» للاقتصادات الناشئة التى تضم بجانب روسيا، كلا من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، فيما أعلن المتحدث باسم الرئاسة عن عزم الرئيس زيارة البرازيل الشهر المقبل، ليختتم جولاته بدول المجموعة التى بدأها بزيارة الصين أواخر أغسطس الماضى، ثم الهند فى مارس الماضى، تلتها جنوب إفريقيا فى الشهر نفسه ليشارك فى قمتى ال«بريكس» وال«نيباد» والتقى خلالها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. ويرمز مصطلح «بريكس» إلى الحروف الأولى لأسماء الدول المكونة لهذا التجمع؛ إذ تشير الدراسات إلى أن أول من استخدمه هو الاقتصادى الأمريكى جيم أونييل. والدول المكونة لهذا التجمع هى صاحبة أسرع نمو اقتصادى بالعالم. وتم تدشين التجمع عام 2008 تحت اسم «بريك» بعضوية أربع دول، وما لبثت أن انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010, فأصبحت تسمى «بريكس» بدلا من «بريك» سابقا. وأعلنت المجموعة منذ البداية عن تأسيس نظام عالمى ثنائى القطبية. وتشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض؛ الأمر الذى يجعلها أكبر أسواق العالم من حيث أعداد المستهلكين، ومن ثم فإنه من المتوقع -مع استمرار ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل فى هذه الدول إلى المستويات العالمية- أن تصبح أيضا أكبر أسواقه الاستهلاكية، ومن ثم توفير فرص أكبر للنمو. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول فى العالم حاليا -حسب مجموعة جولدمان ساكس البنكية العالمية- لذا فإن توطيد العلاقات بين مصر وهذا التجمع من شأنه دفع عجلة التنمية فى مصر. وكان الرئيس مرسى قد حضر قمة ال«بريكس» فى جنوب إفريقيا الشهر الماضى، التى اتفق فيها قادة المجموعة على إنشاء بنك للتنمية برأسمال 50 مليار دولار، على أن تسهم كل دولة من الدول الخمس الأعضاء ب10 مليارات دولار، فى محاولة للتخلص من التبعية لصندوق النقد الدولى والدولار (أو اليورو)؛ وذلك بعد أن تقدمت بالعديد من الطلبات لإصلاح نظام التصويت فى الصندوق الذى تهيمن عليه مجموعة قليلة من الدول على رأسها الولاياتالمتحدة؛ ما يجعل الصندوق يعمل لصالح هذه الدول وحدها؛ ما دفع دول ال«بريكس» إلى الاتفاق على التعامل فيما بينها بالعملات المحلية؛ فقد وقّعت الصين والبرازيل عقدا للتأمين على العملة بقيمة 30 مليار دولار، بحيث يستطيع كل بلد اقتراض عملة البلد الآخر إذا وقع اضطراب فى النظام المالى العالمى الذى تهيمن عليه الدول الرأسمالية المتطورة، كما تعمل الصين على تحويل عملتها ال«رنمينبي» (أو اليوان) إلى عملة دولية؛ وذلك حسبما ذكر صندوق النقد الدولى؛ لذا فإن مجموعة ال«بريكس» تحاول إعادة إرساء قواعد النظام الاقتصادى العالمى وفق قواعد عادلة. العتق من الهيمنة الأمريكية ربما يريد الرئيس المصرى من زيارته إلى الدولة الرابعة فى المجموعة، توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية أن مصر لن تسعى إلا وراء مصالحها، وأنها قادرة على الانفتاح على العالم والانسلاخ من التبعية للولايات المتحدة، كما تعبر الزيارة عن رغبة مرسى فى مد جسور الثقة مع أحد أقطاب مجموعة ال«بريكس» التى سبق أن أعرب الرئيس المصرى عن رغبته فى انضمام مصر إليها؛ وذلك خلال حوار أجرته معه صحيفة The Hindu الهندية قبيل توجهه إلى نيودلهى الشهر الماضى؛ إذ قال: «آمل أن يتغير اسم BRICS إلى E-BRICS؛ إ ذ يمثل حرف E مصر يوما ما عندما نبدأ بتحريك الاقتصاد». وقد نالت هذه الرغبة سخرية مجلة «فورين بوليسى» التى ذكرت أن ال«بريكس» هى تحالف اقتصادى بين القوى الصاعدة الأوائل، وهى صفوة العالم النامى، معلقة على رغبة مرسى فى انضمام مصر إليها بقولها: «أما مصر، فليس إلى هذا الحد!»، لافتة إلى وضع مصر الاقتصادى وإجمالى الناتج المحلى الضئيل مقارنة بتلك الدول، وأشارت إلى أن مرسى بالتأكيد يعلم هذه الحقيقة، لكنه يطمح فى ذلك على المدى البعيد نوعا ما. أما المفارقة فكانت فى مقال لرانجيت لال الخبير الاقتصادى فى بنك إنجلترا وزميل الأبحاث بكلية سانت جون بجامعة أكسفورد، الذى كتبه فى صحيفة «فاينانشيال تايمز» قبيل انطلاق الثورة المصرية بأيام قلائل، وكان بعنوان «هل ينبغى لمصر أن تكون العضو الخامس فى البريك؟»؛ إذ ذكر أنه على الرغم من الصعاب الاقتصادية التى تواجهها مصر، فإنه كان يرى أنها كانت المرشح الأقرب لتكون العضو الخامس فى المجموعة أكثر من جنوب إفريقيا باعتبارها اقتصادا واعدا ومؤهلا للنمو لو نجح فى التخلص من الفساد والاستبداد. وقبيل زيارة مرسى إلى روسيا، قالت مصادر بالرئاسة المصرية إن حكومات روسيا والصين والهند وافقت مبدئيا على مساندة الاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد بتقديم ودائع وقروض مساندة قيمتها 6 مليارات دولار بواقع مليارى دولار لكل دولة. فيما وصف محللون وخبراء سياسيون صينيون، زيارات الرئيس محمد مرسى الخارجية الأخيرة، منذ تولى منصبه رئيسا للبلاد، ومنها زيارته إلى روسيا؛ بأنها تعكس رؤية جديدة للسياسة الخارجية المصرية الهادفة إلى تطوير علاقات بالأطراف الفاعلة على الساحة الدولية؛ إذ لم تشمل هذه الزيارات الولاياتالمتحدة التى كانت تعد أهم حلفاء الرئيس المخلوع، فى إشارة إلى اتباع الرئيس المصرى نهجا دبلوماسيا أكثر استقلالا وتوازنا، مشيرين إلى أن نظام مرسى لا يريد الاعتماد بإفراط على واشنطن وحدها، بغية كسب مزيد من المساعدات الخارجية من دول العالم، لتحسين الوضع الاقتصادى ومن ثم استعادة دور مصر المحورى والمؤثر فى الشرق الأوسط. وأشار مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط، وسفير الصين الأسبق لدى مصر «وو سى كه»؛ إلى أن هذه الزيارات تعود على مصر بفائدتين: أولا- استعادة تأثير مصر فى المحيط الإقليمى والعالمى، بالتوصل إلى توافقات مع مختلف الأطراف الفاعلة فى المجتمع الدولى. ثانيا- تحفيز العالم الخارجى على مساعدة مصر، فيما يتعلق بتسوية المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. وكان عصام الحداد مساعد الرئيس المصرى للشئون الخارجية قد أجرى محادثات تمهيدية فى موسكو الأسبوع الماضى، وقال فى بيان إنه توصل إلى اتفاق لتعزيز التعاون فى مجالى النفط والغاز. وقال البيان إن الجانبين اتفقا أيضا على أن تساهم شركات روسية فى مشروعات للسكك الحديدية والمترو وبناء صوامع لتخزين القمح فى مصر، وإحياء صناعات استراتيجية لعب فيها الاتحاد السوفييتى السابق دورا مهما، مثل الصلب والألومونيوم والتوربينات والكهرباء. كما أعد مكتب التمثيل التجارى المصرى بالعاصمة الروسية موسكو تقريرا قبيل زيارة مرسى إلى روسيا ركز فيه على أهم المعوقات التى تواجه العلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر وروسيا الاتحادية، مؤكدا أهمية إزالة هذه العقبات، مع توسيع التبادل التجارى وتعزيز القطاع السياحى. مصر وروسيا بلغت الصادرات المصرية إلى روسيا فى عام 2012 نحو 341.7 مليون دولار منخفضة عن عام 2011 الذى بلغت فيه 482.1 مليون دولار. وقد بلغت خلال يناير من العام الجارى فقط 37 مليون دولار. أما الواردات المصرية من روسيا فقد وصلت فى عام 2012 الى نحو 3212.2 مليون دولار مرتفعة عن عام 2011 الذى بلغت فيه 2337. وقد بلغت الواردات المصرية خلال يناير من العام الجارى فقط 122.1 مليون دولار. وسجل حجم التجارة بين البلدين نحو 3553.9 مليون دولار فى عام 2012 مقابل 2819.1 مليون دولار عام 2011، وفى يناير 2013 سجل 159.1 مليون دولار، فيما سجل الميزان التجارى عجزا بقيمة 2870.5 مليون دولار لصالح روسيا فى عام 2012. ويبلغ إجمالى الاستثمارات الروسية فى مصر 65.62 مليون دولار حتى 31 يناير 2013 بإجمالى عدد شركات 383 تعمل فى مجالات السياحة والإنشاءات والقطاعات الخدمية. وتأتى روسيا فى المرتبة ال46 من حيث الدول المستثمرة فى مصر. أما حجم الاستثمارات المصرية فى روسيا فيصل إلى 13.7 مليون دولار حتى نهاية 2012، وتتركز معظمها فى مخازن للأخشاب التى تُصدّر إلى مصر وبعض المعاملات العقارية. وتعد روسيا من أكبر الاقتصاديات على مستوى العالم. وقد استطاعت زيادة الناتج المحلى من 1.3 تريليون دولار فى عام 2009 ليصل الى 2.024 تريليون دولار عام 2012. واستطاعت روسيا خفض معدل البطالة إلى 6.2% فى عام 2012 بعد أن كانت 8% فى عام 2009، كما خفضت معدل التضخم إلى 5.3% بعد أن كان 11.7% فى عام 2009. واستطاعت روسيا زيادة صادرتها من 304 مليارات دولار فى عام 2009 حتى وصلت فى عام 2012 إلى 524.7 مليار دولار. وأوضح حاتم صالح وزير الصناعة، فى تدوينة على صفحته الشخصية بموقع «فيس بوك»، أن المباحثات بين مرسى وبوتين إيجابية جدا، وفى الجانب الاقتصادى شملت مشاركة الجانب الروسى فى بناء صوامع للغلال، وتطوير بعض مصانع قطاع الأعمال وخط المترو الجديد ومنطقة التجارة الحرة بين البلدين، والتعاون فى العديد من مجالات الصناعة، بالإضافة إلى مباحثات مهمة جدا فى الجانبين السياسى والعسكرى. وقالت وكالة الإعلام الروسية «نوفوستى»، نقلا عن وزير الطاقة الروسى، إن مصر اقترحت أن تشارك روسيا فى تشييد محطة للطاقة النووية وتطوير مكامن لليورانيوم فى مصر. وأوضح الوزير ألكسندر نوفاك متحدثا إلى الصحفيين، بعد اجتماع بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره المصرى محمد مرسى؛ أن مصر اقترحت أن تجدد شركة «روستوم» النووية الروسية المملوكة للدولة «التعاون مع مصر فى خططها للطاقة النووية المدنية».