توقفت طويلا عند الخبر الذي نشرته وسائل إعلام أميركية ودولية، ويتحدث عن لجوء جندي أميركي لدفع الاموال لشخص ليطلق النار على ركبته ليتجنب الخدمة في العراق ، ورغم ان الصياغة الخبرية توحي ، بأن هذه حالة فردية حصلت في الولاياتالمتحدة ، ما دفع بالسلطات الأميركية المختصة إلى إحالته للقضاء والحكم على الجندي جوناثان أبونتي بالسجن في منطقة برونكس ، إلا أن المسألة تتجاوز الحالة الفردية إلى الظاهرة، التي تنتشر بين الجنود الأميركيين ، وتحولت لظاهرة يعرفها الذين يعملون مع القوات الأميركية، الا ان حالة جوناثان تختلف بعض الشيء، فهذا الشاب الأميركي البالغ من العمر20 عاما، سبق له الخدمة في العراق، لكنه لم يكن ضمن القوات المقاتلة، التي تتحرك داخل المدن والأحياء العراقية الساخنة، ما يجعلها عرضة لهجمات يومية كثيفة من قبل رجال المقاومة العراقية، وانما خدم بوظيفة ادارية في احدى الوحدات، وترسخ في داخله الخوف والهلع الكبيرين من خلال القصص اليومية التي يرويها جنود الدوريات الأميركية، التي يعودون بها من ميدان الحرب، والتي تتوزع بين روايات مخيفة تتحدث عن تفاصيل الهجمات الشجاعة والجريئة لرجال المقاومة العراقية، أو من خلال مشاهد القتلى والجرحى والمعاقين الذين يتم جلبهم من الميدان بعد أن يتعرضون للهجمات في الطرقات، يضاف إلى ذلك ما كان يراه جوناثان بأم عينه من هجمات على مقر الوحدة التي يعمل بها، حيث تتعرض لهجمات بالصواريخ والهاونات، وتهتز يوميا الأرض تحته، ويقرأ أنواع الخوف والفزع في عيون الجنود والضباط المحيطين به، وهم يترقبون يوميا تلك الهجمات التي لا تتوقف.
لم يصدق جوناثان انه عاد لأهله وزوجته، لكنه لم يتخلص من تلك الكوابيس العراقية، التي ترافق آلاف الجنود الاميركيين العائدين من ساحة الجحيم العراقي، ورغم أنواع الادوية والمهدئات، إلاَ أن هؤلاء لم يتخلصوا من الفزع والخوف، الذي زرعه العراقيون المقاومون في قلوبهم ونفوسهم، لكن جوناثان وجد نفسه مرغما على العودة للخدمة وسط الصفيح العراقي الساخن، فلجأ إلى طريقة تؤلمه وتؤذيه وقد تلحق العوق به، لكنه اقتنع بأن كل ذلك يهون أمام عودته إلى جحيم العراق، فاتفق وزوجته على دفع مبلغ لأحد الأشخاص، ليوجه طلقة إلى ركبته، وحصل ذلك بالفعل، ولأن المسألة أصبحت ظاهرة في الجيش الأميركي، الذي يعاني جنوده من اليأس والانهيار النفسي، فقد أحال المسؤولون جوناثان إلى القضاء العسكري وقرروا سجنه، عسى أن يشكل ذلك ردعا للآخرين، الذين يتعمدون إيذاء أنفسهم وإعاقة أطرافهم في سبيل تجنب الذهاب إلى العراق، حيث ينتظرهم القتل والهجمات والخوف الذي يخرج إليهم من كل مكان. إن الجميع يتحدث عن أزمة حقيقية يعيشها الجنود الأميركيون داخل ساحة الحرب في العراق، وهناك أزمة أكبر في تجنيد الأميركيين، فهم يرفضون الذهاب إلى حيث ينتظرهم القتل والفزع العراقي. *كاتب عراقي [email protected]