تداعيات أزمة المسجد الأحمر تسير نحو مزيد من التصعيد لا سيما بعد إرسال الحكومة الفيدرالية في إسلام آباد تعزيزات عسكرية إلى إقليم الحدود الشمالي الغربي الذي تسيطر عليه الأحزاب الإسلامية. وتأتى هذه الخطوة فى إطار زيادة توتر علاقة الحكومة بهذه الأحزاب التي تحدثت عن "مؤامرة أميركية" ينفذها برويز مشرف بغية القضاء على المدارس الدينية. وكان مشرف قد تحدث في خطابه الأخير الخميس الماضي عن وجود "شبكة إرهابية" تتبع المسجد الأحمر في إقليم الحدود الشمالي الغربي وعاصمته بيشاور. مهددا بأن الحكومة لن تسمح بظهور مسجد أحمر جديد وأنه سيتم القضاء على هذه الشبكة وتطهير كل شبر من أراضي باكستاني ممن أسماهم الإرهابيين. وفى هذا الإطار التصعيدى وصلت بالفعل آلاف من قوات الجيش إلى مدن سوات ودير وملاكند في إقليم الحدود الشمالي الغربي. مشرف أعلن وجود شبكة إرهابية تتبع المسجد الأحمر المسجد الأحمر الخط الفاصل بين مشرف والإسلاميين حزب بنازير بوتو الوحيد الذى أيد الاقتحام مصرع 40 جنديا بباكستان بهجمات في أقل من 24 ساعة وتحدث مجلس العمل الموحد -الذي يضم ستة أحزاب إسلامية- عن مهاجمة الجيش لجامعة ملاكند الدينية واعتقال 57 طالبا من طلابها الأمر الذي رفع من مستوى التوتر بين الحكومة والأحزاب الإسلامية التي ترعى هذه الجامعات. رئيس مجلس العمل الموحد قاضي حسين أحمد الذي قرر تقديم استقالته من البرلمان احتجاجا على أحداث المسجد الأحمر، نفى وجود الشبكة الإرهابية التي تحدث عنها مشرف في إقليم الحدود. وأضاف في حديث مع الجزيرة نت أن "ما يوجد في إقليم الحدود هو المدارس الدينية، وهناك مؤامرة أميركية ضد هذه المدارس ينفذها الجنرال مشرف". وشدد على أن حكومة إقليم الحدود لم تطلب قوات إضافية وأنها قادرة على ضبط الأمن في أراضي الإقليم، وأشار إلى وجود مخطط لتقسيم المجتمع الباكستاني إلى معتدلين ومتشددين موضحا أن هذا أمر خطير ولا يسكت عليه. وكان مشرف قد أثنى في خطابه الأخير على دور المدارس الدينية موضحا أنه دافع عنها في الأوساط الدولية وأنه وصفها بأنها أكبر مؤسسة خيرية في العالم وأن كل ما تحتاجه هذه المدارس هو مساعدات دولية "لتطوير" نهج التعليم فيها. وهو بذلك يحاول أن يحصر المواجهة مع عدد من المدارس التي يريد ربطها بالأعمال الإرهابية فيما الأحزاب الإسلامية تتحدث عن مواجهة شاملة من طرف الحكومة ضد المدارس الدينية برمتها.
تنذر هذه التطورات بمستقبل مظلم في إقليم الحدود الشمالي الغربي, حيث يتوقع المراقبون مزيدا من إسالة الدماء والتدمير في الإقليم. وقد أدى الهجوم على المسجد الأحمر والتصعيد الذى يتخذه مشرف لإرضاء واشنطن إلى إعلان القبائل عن تحللها من إلتزامها بالاتفاق مع مشرف والتهديد بحرب عصابات مفتوحة وهو ما يضع مجمل مستقبل مشرف ونظامه فى باكستان على المحك. وقد أسفر هذا التصعيد عن عمليات متعددة ضد القوات الحكومية والشرطة حيث قتل 16 شخصا بينهم 12 جنديا على الأقل في هجوم على قافلة للشرطة والقوات العسكرية في شمال غرب باكستان صباح اليوم الأحد. وقال الجنرال وحيد أرشد إن سيارتين ملغومتين دهمتا القافلة في وادي سوات في الإقليم الشمالي الغربي, وأوقعتا أيضا 40 جريحا, فيما تحدثت مصادر أخرى عن استعمال عبوات ناسفة. وأوقع هجوم آخر أمس قرب ميرانشاه كبرى مدن الإقليم 24 قتيلا, ليرتفع عدد القتلى بهجمات منذ بداية حصار المسجد الأحمر بإسلام آباد مطلع الشهر إلى أكثر من 70. ولم يستبعد الجنرال أرشد علاقة للهجمات باقتحام المسجد الأحمر الذي أجج العداء للرئيس برويز مشرف في أوساط الجماعات الإسلامية التي دعا الآلاف من أنصارها أول أمس إلى الجهاد. وتقول تقارير استخباراتية أميركية إن القاعدة استعادت قواها في المناطق المحاذية لأفغانستان. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفان هادلي إن الرئيس برويز مشرف فشل في احتواء القاعدة كما فشل مخططه في منح قادة القبائل استقلالية أكبر. وتحدثت إحصاءات رسمية عن 102 قتيل في اقتحام المسجد الأحمر, لكن جماعات إسلامية تحدثت عن 1000 قتيل. وفى تصعيد آخر اعتقلت السلطات اليوم شاه عبد العزيز عضو البرلمان عن ائتلاف الأحزاب الإسلامية بدعوى تحريضه على الحكومة أثناء حصار المسجد الأحمر.
وعلى صعيد الأحزاب السياسية المعارضة فإن حزب الشعب الذي تقوده بنظير بوتو هو الوحيد الذي أيد قرار الحكومة باقتحام المسجد الأحمر وهو ما رأى فيه مراقبون مؤشرا على تقارب كبير بين مشرف وبوتو لخوض الانتخابات المقبلة كجبهة واحدة ضد من يسميهم مشرف المتعصبين والمتشددين.
وقد جاء دخول واشنطن على خط أزمة المسجد الأحمر وتأييدها لقرار مشرف باستخدام القوة ضد طلبة المسجد إلى أثار عكسية حيث رفع درجة الاحتقان, ووضع مشرف فى خانة العميل المباشر للمخطط الأمريكى ضد الإسلام والمسلمين. وأبدت بهذا الصدد أجزاء واسعة من الشارع الباكستاني معارضتها للحكومة وهو ما شكل بحد ذاته دليلا لدى القوى الإسلامية على ما تدعيه من تنفيذ مشرف لمؤامرة أميركية ضد المدارس الدينية في البلاد.
وتأتى العملية التى قتل فيها 24 جنديا في ميران شاه بإقليم وزيرستان السبت الماضى كردة فعل على ما حدث في المسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد، الأمر الذى يؤكد أن باكستان تقف الآن على برميل من البارود شديد الانفجار, وأن تداعيات هذا الانفجار قد تؤدى إلى تغيرات فى موازين القوى الاستراتيجية فى آسيا برمتها.