أنتهت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، وأظهرت وجود جولة إعادة ما بين مرشح حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الأخوان المسلمين وبين الفريق أحمد شفيق، وسارت العملية الانتخابية فى الظاهر كما يريد الشعب المصرى الذى خرج لأول مرة فى تاريخه لاختيار رئيس له لا يعرف من القادم من ضمن المرشحين، وتلك تجربة فريدة فى تاريخ الشعب المصرى، الذى حرم من هذا الحق على مر الدهور وكر العصور، وكان ذلك نتيجة ترتبت على ثورة 25 يناير عام 2011م، التى حاول ويحاول بلا كلل أو ملل النظام الفاسد السابق، سرقتها أو على الأقل تحريفها عن مسارها الصحيح، ولم يترك هذا النظام وفلوله وعملاؤه أى طريق أو نفق – وما أكثرها – إلا سار فيه. تمر مصر حاليا بفترة عصيبة فى تاريخها، فترة عدم استقرار، قد تؤدى – لا قدر الله – إلى ما لا يحمد عقباه، ويؤخر مصر سنوات للوراء، وهذا ما يسعى إليه البعض من المتأمرين سواء قوى داخلية مرتبطة بالنظام الفاسد السابق، أو قوى داخلية مرتبطة بالخارج المتآمر، وكذلك بعض الدول الإقليمية، وأيضا الدول الغربية فى مقدمتها الولايات المجرمة الأمريكية والكيان غير الشرعى فى فلسطينالمحتلة، هؤلاء يريدون عودة مصر للنظام السابق، ولكن فى ثوب جديد، للحفاظ على مصالحهم غير المشروعة، بينما تريد القوى الوطنية الثورية، خلاف ذلك تماما، تريد مصر قوية حرة مستقلة ذات إرادة حرة مستقلة، ما بين مد وجزر بين هاتين القوتين، تعيش مصر ويعيش شعب مصر حالة من القلق والتردد، ومع الآسف حالة من التخبط أصابت الشارع المصرى، نتيجة ما يحدث فى مصر الآن. ونستطيع القول بأن هناك بالإضافة إلى ماسبق، آليات تسببت فيما تمر مصر الآن به، من بين هذه الآليات لجنة الانتخابات الرئاسية التى أسهمت بشكل ملحوظ فى حالة التردد والقلق والتخبط التى سادت الشارع المصرى، من جراء قراراتها بشأن مرشحى الرئاسة عن طريق أستبعاد البعض دون سند من القانون، وقبول الآخر بعد استبعاده دون سند من القانون، فقد استبعدت اللجنة فى البداية ثلاثة مرشحين هم المهندس خيرت الشاطر لعدم رد اعتباره، والأستاذ حازم أبو أسماعيل لحصول والدته على الجنسية الأمريكية رغم حكم محكمة القضاء الإدارى القاضى بخلاف ذلك، واللواء عمر سليمان لعدم تقديمه الف توكيل عن أحدى محافظات الصعيد، بحوالى 31 توكيل، وهذا السبب لا اعتقد حدوثه من رئيس مخابرات لمدة حوالى عشرين سنة. وبعد صدور قانون العزل السياسى تم استبعاد الفريق أحمد شفيق بتطبيق القانون عليه، ولقد قبلت اللجنة تظلم شفيق بعد استبعاده واعادته للانتخابات بعد أن قررت عدم دستورية قانون العزل السياسى، وأحالة القانون للمحكمة الدستورية للنظر فى عدم دستوريته، وقد أكدت اللجنة أن هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة الدستورية أصدرت تقريرين أكدت فيهما على بطلان هذا القانون ووصفته بانه ولد ميتاً، حيث تم إضافة مادة على القانون لا تستلزم التحقيق أو المحاكمة لمن يتم إيقاف حقوقه السياسية. وجاء أيضاً فى الحيثيات القرار، أن مركز الدراسات الدستورية أكد على بطلان القانون، لأنه يخالف مواد الدستور ولهذه الأسباب قررت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قبول التظلم المقدم من المرشح مع إحالة القانون رقم 17 لسنة 2012 إلى المحكمة الدستورية العليا للبت فى مدى دستوريته. يعتبرالقرار الصادر بقبول تظلم الفريق شفيق وإعادته لسباق الرئاسة بعد استبعادة تطبيقا لقانون العزل السياسى رقم 17 لسنة 2012م، منعدم قانونا، والإنعدام أعلى درجات البطلان لما يآتى: 1 – لجنة الانتخابات الرئاسية لجنة إدارية وليس لجنة قضائية فهى تصدر أحكام بل تصدر قرارات بدليل أن قراراتها يمكن الطعن عليها أمام مجلس الدولة، وقد تم تحصين قراراتها بعدم الطعن عليها أمام أى محكمة، طبقا للمادة (28) مع مخالفة ذلك للنظرية العامة للقانون الدستورى التى تنص على عدم تحصين أى قرار ضد الطعن عليه، وحتى تستند اللجنة فى عدم الطعن هذا على زعم وباطل القول بأنها ليست لجنة ادارية بل قضائية، وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق. 2 – تم قبول تظلم الفريق شفيق بعد غلق باب التظلمات أمام اللجنة مخالفا بذلك القانون، فقد تم غلق باب التظلمات رسميا وقد أعلنت اللجنة بنفسها ذلك، بذلك يكون قرار قبول التظلم باطل وعلى غير سند قانونى، وينتج عن ذلك بطلان كافة الإجراءات التى ترتبت على هذا القرار. 3 – قررت اللجنة قبول تظلم الفريق شفيق على أساس أن القانون غير دستورى، وهذا القرار منعدم لإصابته بعيب عدم الأختصاص، لأن الجهة القانونية الوحيدة التى لها الحق فى الفصل فى دستورية القوانين المحكمة الدستورية العليا فقط ، ولا تملك أى محكمة ذلك، طبقا القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا، فقد نصت المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر على أنه (تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي: (أ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة. (ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن.). تطبيقا للمادة سالفة الذكر، فإن اللجنة الرئاسية غير مختصة بالنظر فى دستورية القوانين، فضلا عن أنها ليست من الجهات المبينة فى المادة السابقة التى حصرت فى المحاكم بدفع أمامها بمناسبة دعوى مرفوعة أمام أحدى هذه المحاكم التى ينبغى على هذه المحاكم أن توقف الفصل فى الدعوى الأصلية لحين الفصل فى دستورية القانون المطعون عليه لمدة تسعين يوما، وتعطى الطاعن بعدم الدستورية تصريح برفع الدعوى خلال المدة السابقة، ولا يجوز ولا يمكن لأى محكمة أن تحكم بعدم الدستورية إلا المحكمة الدستورية العليا، بذلك يكون قرار لجنة الانتخابات الرئاسية صادر من جهة غير مختصة قانونا لذلك فهو منعدم، والقرار المنعدم يعتبر عملا ماديا لا يرتب القانون عليه أى آثار قانونية مطلقا ويقف عند حده، ويكون ما ردده رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة متفق وصحيح القانون، حيث طالب بمعاقبة اللجنة طبقا للمادة (123) من قانون العقوبات بفقراتها المختلفة لأن اللجنة عطلت قانون من قوانين البلاد نافذ ومعمول به، وهو قانون العزل المنشور في الجريدة الرسمية، والتي قامت بإعماله بالفعل بإبعاد شفيق، إلا أنها عادت وعطلت تنفيذ القانون. لذلك يجب على المحكمة الدستورية العليا أن تقضى بعدم قبول الطعن بعدم الدستورية على القانون رقم (17) لسنة 2012م الخاص بالعزل السياسى، المرسل إليها من قبل لجنة الانتخابات الرئاسية لرفعها من غير ذى صفة، أو لرفعها بغير الطريق الذى رسمه قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (48) لسنة 1979م لمخالفته نص المادة (29) بفقرتيها ألف وباء سالفة البيان. يؤكد كافة ما سبق حكم محكمة القضاء الإداري الصادر يوم 8/5/2012م، القاضى بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإحالة قانون العزل السياسي إلى المحكمة الدستورية العليا، وهو القرار الذي ترتب عليه إعادة الفريق أحمد شفيق إلى سباق الرئاسة مرة أخرى بعد استبعاده ، وقالت حيثيات الحكم إن اللجنة العليا هي لجنة إدارية ذات تشكيل قضائي، وبالتالي تصدر قرارات إدارية يمكن الطعن عليها أمام مجلس الدولة فيما عدا ما يتضمن تنفيذاً لأحكام قانون الانتخابات الرئاسية، وفقاً لتفسير المحكمة لنص المادة 28 من الإعلان الدستوري، وأنها ليست هيئة قضائية أو محكمة يجوز لها إحالة النصوص القانونية التي ترى عدم دستوريتها إلى المحكمة الدستورية العليا". وأضافت " أن المادة 28 من الإعلان الدستوري حصنت أعمال وقرارات اللجنة العليا من الطعن فيما يتعلق بقانون الانتخابات الرئاسية وإجراءات العملية الانتخابية، إلاّ أن قرار إحالة قانون العزل إلى المحكمة الدستورية ليس موضوعه قانون الرئاسة، بل مجرد قانون بتعديل بعض أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية، وبالتالي يخرج عن الحصانة المفروضة بنص المادة "28.وأكملت المحكمة "أن اللجنة العليا لا تتوافر فيها الشروط اللازمة لتمكينها من إحالة النصوص القانونية إلى المحكمة الدستورية العليا، مخالفة بذلك الحيثيات التي أوردتها اللجنة العليا في قرار إحالة قانون العزل، وهي أنها تتوافر فيها أربع معايير حددتها مبادئ المحكمة الدستورية لتكون بمثابة هيئة قضائية، هي أنها مشكلة بنص دستوري وآخر قانوني، وأن جميع أعضائها من القضاة، وأنها تفصل في خصومة المرشحين المستبعدين مع قرارات استبعادهم، وأنها تكفل لهم حقوق التقاضي والمرافعة وإبداء الدفاع أمامها". والأكثر أهمية حكم محكمة القضاء الإدارى بالقيلوبية يوم 9/5/2012م، القاضى بإلغاء قرار دعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية الصادر عن لجنة الانتخابات الرئاسية لعدم اختصاص اللجنة بذلك، وقد ترتب على ذلك زيادة حالة القلق والتردد فى الشارع المصرى، خاصة وقد ساد خلاف شديد بين فقهاء القانون وعامة الشعب فى الآثار المترتبة على الحكمين السابقين، وقد طعنت الحكومة على ذلك وقبل الطعن على الحكمين، مما أثار الشك والريب على الحالة التى تمر بها مصر، وحالة سيولة اعتقد أنها مقصودة، وبعد نتيجة الانتخابات التى ظهرت بالإعادة بين الدكتور محمد مرسى والفريق شفيق الذى كان على اللجنة ان تبعده عن الانتخابات طبقا لقانون العزل السياسى، وعدم استبعاده يصيب الانتخابات الرئاسية فى مقتل وتعد الانتخابات باطلة بطلانا مطلقا، لأن التصرف القانونى الذى يعد باطلا بطلانا مطلقا يعتبر منعدما أى عمل مادى لا يرتب عليه القانون أى أثر قانونى بل يقف عند حده، ولا يجوز الاتفاق على مخالفته حتى من قبل أطراف العلاقة القانونية أى أنه لا يجيزه قبول الاطراف، لذلك كل ما تم بناء على هذا التصرف منعدما ولا يمكن الاعتراف به قانونا، وينتج عن ذلك بطلان الانتخابات وما ينتج عنها، ولا يؤثر فى ذلك القول بأن مصر فى حالة شرعية ثورية وليست فى حالة شرعية دستورية، لآن ذلك لا يعنى التضحية بالنظام القانونى كله، لأن حالة الثورة استثناء ولا يجوز التوسع فى الاستثناء أو القياس عليه. إن إصرار المجلس العسكرى على إدخال الفريق شفيق سباق الرئاسة، ومخالفة القانون مخالفة صارخة واضحة، يثير الكثير من الشكوك على سلامة العملية الانتخابية وزاد من تلك الشكوك اعلان الاعادة بين الفريق شفيق والدكتور محمد مرسى، مما يجعل من السهل التصديق بتزوير الانتخابات لصالح مرشح النظام السابق الفاسد الفريق شفيق.