لا يزال النظام العسكري القمعي ، يقدم التنازلات ، واحدًا تلو الأخر ، للحفاظ على أمن واستقرار الكيان الصهيوني ، كما نصت معاهدة الاستقلام التى وقعها نظام أنور السادات في كامب ديفيد ، والتى تعد الدستور الفعلي الذي يحكم مصر. كشف رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني "بينامين نتنياهو" ، عن العديد من الدلالات والمعلومات التى يمكن استخلاصها من اللقاء السري الذي جمعه بعبد الفتاح السيسي والملك عبدالله الثاني ، في مدينة العقبة الأردنية ، في نوفمبر 2015. إفشاء "نتنياهو" ، وإصدار النظام بيانًا لا ينفي عقد اللقاء وإنما يبرره بسعي مصر لحل المشكلة الفلسطينية ، أسرار اللقاء السري لا يعد فقط إحراجًا صهيونيًا للسيسي بكشف أسرار خاصة عن علاقاته السرية مع الصهاينة ، ولكنه إفشاء لتنازلات ضخمة قدمها السيسي وعبدالله ربما بتفويض القادة العرب في القضية الفلسطينية ، بمقابل بخس. جريدة "هآرتس" كشفت عن عدة تنازلات رهيبة ، قدما الثنائي "السيسي وعبد الله" بتفويض من القادة العرب ، حيث قالت أن "كيري" عرض على "نتنياهو" في اللقاء السري مبادرة سلام إقليمية تتضمن اعترافًا ب "دولة يهودية"، مقابل "استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين" ، لكن نتنياهو تهرب من الاقتراح ، ثم عادت الجريدة ذاتها لتكشف في عددها الصادر يوم أمس الاثنين ، الثاني من قصتها عن القمة الرباعية في العقبة بين السيسي ونتنياهو وعبد الله وكيري ، مؤكدة أن السيسي وعاهل الأردن قبلا ب "يهودية الدولة الاسرائيلية" بمقابل بخس هو استئناف تل ابيب التفاوض مع الفلسطينيين ، ولكن نتنياهو رفض العرض طامعًا في المزيد. "نتنياهو" عرض خلال القمة السرية خطة تقضي بتجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية مقابل اعتراف أميركي وعربي بمستوطنات الضفة الغربية الحالية ضمن ما أسماه "مبادرة سلام إقليمية" لا تقوم على انشاء دولة فلسطينية ، أما الاهم ، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ، ورئيس وزراء الاحتلال الصهيوني "بنيامين نتنياهو" في لقاؤهما الاخير ، فهو انخراط العرب والصهاينة ، بحضور السعودية والإمارات و"دول سنية" في تحالف سياسي وأمني ، ومنع أمريكا أي قرارات ضد الكيان الصهيوني في مؤسسات الأممالمتحدة. وهنا ربما يكون من المفيد إثارة أسئلة من نوعية: هل يحرص السيسي علي لقاء نتنياهو وتوطيد علاقاته به بحثا عن حماية أمريكية لشرعيته، والتي تعتبر تل ابيب بوابتها ، وإلى أي مدى يمكن للسيسي أن يسير في هذا الطريق؟ ، وهل انهارت ثوابت السياسة الخارجية المصرية للحد الذي يتم فيه الاصطفاف في حلف واحد مع إسرائيل. "السيسي" يعمل على خدمة الكيان الصهيوني بعيدًا عن الفضيحة الأخيرة التى تسبب فيها نتنياهو للأنظمة العربية بالأخص المصري والأردني ، فإن هناك عدة قرارات اتخذها عبد الفتاح السيسي ، عكست دفئ العلاقات مع الكيان الصهيوني ، كما يوضح قلقًا شديدًا في تل أبيب على خلفية تقديرات تشير إلى أن النظام في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي يواجه خطر السقوط ، كما كشفت عدة تقارير صحفية عن اتصالات بين مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة جرى خلالها مناقشة ما وصفه الجانبان ب"تخوف شديد على استقرار النظام في القاهرة". ففي فبراير 2016 ، كشف وزير الطاقة الصهيوني"يوفال شتاينتس" ، أن عبد الفتاح السيسي أمر بإغراق أنفاق قطاع غزة بناء على طلب من القيادة الصهيونية. صحيفة "معاريف" العبرية ، قالت فى عددها الصادر في نوفمبر الماضي ، نقلًا عن الوزير الصهيوني "إن السيسي أغرق جزء من أنفاق حماس نزولا على طلب من بنيامين نتنياهو"، وأن "التنسيق الأمني بين تل أبيب والقاهرة "أفضل من أي وقت مضى". بعدها بخمسة أشهر ، تحديدًا في يوليو الماضي ، أحرج نتنياهو السيسي للمرة الثانية ونشر وزراءه وجنرالاته ما يفيد أن السيسي ينفذ مطالب الكيان الصهيوني ، حين كشف جنرال صهيوني سابق في سلاح الاستخبارات ، أن السيسي وافق علي قصف إسرائيل لسيناء وأنه بارك هذا القصف، ما أدى لإحراجه لأنه اظهر قبوله انتهاك اسرائيل للسيادة المصرية. وفي نوفمبر 2016 ، كشف نتنياهو أن "تل ابيب هددت مصر بإرسال قوات من الجيش الصهيوني إلى القاهرة في أعقاب مهاجمة متظاهرين السفارة اللصهيونية ومحاصرتها"، وذلك حين كان المجلس العسكري يحكم مصر عقب الثورة وكان السيسي رئيسًا لجهاز المخابرات. المرة الأخطر على الإطلاق كانت كشف صحيفة "هارتس" ، وبشكل رسمي ، أن نتنياهو التقي السيسي في العقبة نوفمبر 2015، بعدما زعمت صحف مصرية حينئذ أنه مجرد اتصال هاتفي ، ولم تكتف بهذا بل كشفت في عدد أخر أن السيسي قبل ب "يهودية اسرائيل" متنازلًا عن القضية الفلسطينية ، ومضحيًا بجهود العرب على مدار عقود طويلة للنظال من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر ، ومع هذا رفض نتنياهو هذا التنازل الكبير مقابل تنازل لا يذكر يتعلق باستئناف المفاوضات المتوقفة مع السلطة الفلسطينية. "السيسي" يتنازل لإرضاء الصهاينة هذه الإحراجات التي تعرض لها نظام السيسي على يد حلفائه الإسرائيليين قابلتها مجموعة من التنازلات شكلت بحسب البعض تجاوزا للخطوط الحمراء التي تمثل ثوابت مصرية لأول مرة في تاريخها، منها: لقاء السيسي مع نتنياهو في العقبة يعد تنازلًا كبيرًا في حد ذاته ، خصوصًا أنه اقترن بتقديم تنازلات أخري أكبر ، غير أن موافقة السيسي وملك الأردن في لقاء العقبة السري، باسم العرب وفي وجود نتنياهو، على يهودية إسرائيل يعني تنازلًا مجانيًا عن حق العودة للاجئين ، وتفريطًا في دماء عشرات الألاف من الشهداء. ولا ننسى أن إرسال السيسي لوزير الخارجية سامح شكري للقاء نتنياهو في القدس وليس في تل ابيب ، كان بمثابة اعتراف مصري فعلي بأن "القدس" عاصمة للكيان الصهيوني ، كما أن وصول التعاون الأمني بين نظام السيسي وتل ابيب حد السماح لطائرات صهيونية بقصف سيناء، ما يعد انتهاكًا لسيادة مصر، فضلًا عن تهجير أهالي سيناء في رفح وهو حلم صهيوني سابق تحقق بلا مقابل. ورغم التطبيع العربي الكبير المستمر على تعاقب الانظمة العربية العميلة المختلفة ، لأول مرة في تاريخ مصر، يتحدث وزير مصري في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو عن وجود "مشتركات" بين العرب والكيان الصهيوني ، ويقول إن "الخطر المشترك الذي يهدد كلًا من مصر واسرائيل وكل دول وشعوب المنطقة، يتمثل في الإرهاب". عرض السيسي في خطابه الرسمي الذي القاه في 17 مايو 2016 ، ضمن رعاية التطبيع السعودي والخليجي مع الكيان الصهيوني ، وتحدث عن "توسيع السلام"، ليبدأ بعدها سلسلة من الخطوات واللقاءات التطبيعية الخليجية الصهيونية ، وبلا مقابل بعدما كانت تل ابيب هي التي تلهث وراء هذا التطبيع. كما أن تجاوز نظام العسكر عن قرار سابق اتخذته الخارجية والأجهزة السيادية في مصر عام 2009 في عهد المخلوع حسني مبارك ، ووزير خارجيته "أحمد أبو الغيط" الذي يتقلد منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية فى دورتها الحالية ، يقضي بعدم التعامل مع وزير الخارجية الصهيوني ، عقب تهديده بنسف السد العالي ، بسبب وجود مصالح مشتركة حاليًا بين النظامين.