أربك انهيار اسعار النفط حسابات الجزائر وأثر على توازناتها المالية بشكل غير مسبوق، فيما يتوقع أن يفاقم الوضع المتأزم اصلا اجتماعيا وسياسيا واقتصادية، ليهتز 'عرش' الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة على ايقاع كل اضطراب في أسواق النفط، وهو اضطراب لا تبدو أن نهايته قريبة مع زيادة أكبر في تخمة المعروض اذا ضخت ايران بالفعل المزيد من الامدادات بعد رفع العقوبات الدولية عنها. وكانت طهران قد قررت الاثنين رسميا زيادة انتاجها بنحو 500 ألف برميل نفط يوميا متجاهلة التحذيرات من أن الزيادة المقررة ستهوي بالأسعار وسترفع حجم التخمة في الأسواق. وعمق انهيار اسعار النفط أزمة الجزائر المالية، واضطرت الحكومة إلى اتخاذ اجراءات قاسية بدت واضحة في قانون المالية لسنة 2016، وفي الشارع الذي يشهد مسيرات احتجاجا على الزيادات الجديدة في أسعار عدد من المواد واسعة الاستهلاك، وهي مسيرات مرشحة للتوسع لتشمل العديد من المحافظات بعد نحو أسبوعين من اقرار قانون المالية. ومن المتوقع أن تتعمق أزمة الجزائر المالية في حال استمر هبوط اسعار النفط إلى مستويات متدنية قياسية. وتعتمد الجزائر بشكل مفرط على النفط موردا اساسيا للموازنة ولا تملك مصادر دخل أخرى تذكر أو تساعد على تغطية العجز. وذكرت وزارة المالية الجزائرية أن إيرادات الطاقة انخفضت بنحو 40.8 بالمئة في 2015 مقارنة مع مستواها قبل عام وهو ما تسبب في تسجيل عجز تجاري قدره 13.71 مليار دولار بعد فائض بلغ 4.306 مليار دولار في 2014. وتشير بيانات أعلنتها وزارة المالية ونشرتها وسائل إعلام حكومية الثلاثاء إلى أن إيرادات الطاقة بلغت 35.72 مليار دولار في 2015 مقابل 60.3 مليار في 2014 جراء الهبوط الحاد لأسعار النفط الخام العالمية. وأظهرت البيانات تراجع قيمة إجمالي الصادرات بنحو 40 بالمئة إلى 37.78 مليار دولار بينما نزلت الواردات 12 بالمئة إلى 51.501 مليار في 2015. وتحاول الجزائر خفض الواردات في إطار جهود كبح الإنفاق عقب نزول أسعار النفط. وخفضت الحكومة الإنفاق العام ورفعت أسعار بعض أنواع الوقود المدعمة وجمدت تنفيذ مشروعات بنية تحتية. وتنذر الأزمة الراهنة والمرشحة للتفاقم في ظل انهيار اسعار النفط مع توقعات بعدم تعافيها على الأقل في 2016، باشتعال الجبهة الاجتماعية حيث طالت اجراءات التقشف جيب المواطن فيما فقدت السلطة رهانها على شراء السلم الاجتماعي بالنظر إلى أنها أصبحت عاجزة بالفعل عن سياسة الدعم السخي وتمويل صناديق اجتماعية كانت إلى وقت قريب وسيلة لاحتواء التوترات الاجتماعية. وتظهر البيانات الرسمية والتململ في الشارع الجزائر أن زمن سخاء السلطة لشراء السلم الاجتماع ولى حتى اشعار آخر على اعتبار أن النظام الجزائري اعتمد لعقود على طفرة أسعار النفط وتوظيف جزء منها لاحتواء التوترات الاجتماعية وشراء الولاءات. وبحسب وسائل اعلام جزائرية خرجت مسيرات في شرق ووسط البلاد تندد بإجراءات التقشف التي اعتمدتها الحكومة للتخفيف من وطأة الضغوط المالية. وكان من المتوقع أن تخرج مسيرات احتجاجية على الاجراءات الحكومية، فقد سبق للعديد من أقطاب المعارضة أن حذّروا الحكومة من المساس بجيب المواطن وأن على السلطة الحاكمة أن تتحمل مسؤولية فشل خياراتها الاقتصادية بعد أن ارتهنت الجزائر لتقلبات اسعار النفط دون ايجاد بدائل دخل أخرى واضاعة فرصة سنوات من طفرة الاسعار كان يمكنها استغلال الفائض منها لتنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار في مشاريع حيوية. وتأخذ المعارضة الجزائرية على النظام انفاقه بسخاء لشراء السلم الاجتماعي والولاءات الحزبية، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن تحول فوائض الايرادات النفطية إلى تنمية وتطوير قطاعات حيوية. ويرجح أن تعتمد الحكومة الجزائرية مشروع قانون مالية تكميلي لمواجهة ارتدادات انهيار أسعار النفط، ما قد يفجر موجة احتجاجات أوسع من تلك التي تشهدها في الوقت الراهن العديد من مناطق البلاد. وفي حال لجأت إلى قانون مالية تكميلي فإنها قد تعتمد اجراءات تقشف أشد صرامة. وأربكت موجة انهيار أسعار النفط حسابات ومشاريع الجزائر المالية والتنموية والاجتماعية لتجد نفسها في حرج شديد ازاء فشلها لسنوات في اعتماد سياسة مالية واقتصادية واضحة. وكانت الحكومة الجزائرية قد اعتمدت موازنة 2016 على اساس سعر 37 دولارا للبرميل، بينما تتراوح أسعار النفط حاليا بين 28 و29 دولارا للبرميل ومرشحة للنزول إلى مستوى 20 دولارا للبرميل في ظل تخمة كبيرة في المعروض النفطي. وفي حال نزلت اسعار النفط إلى مستوى 20 دولارا، فإن العجز المالي في الجزائر سيرتفع بشكل قياسي وغير مسبوق. ووصف وزير المالية الجزائري عبدالرحمن بن خالفة الأحد الوضع بأنه صعب للغاية لأن وتيرة انهيار أسعار النفط لم تكن متوقعة بهذا الشكل، وسيكون لذلك ارتدادات سلبية جدا على توازنات البلاد المالية. وقد تندفع الجزائر تحت وطأة الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض حاد في ايراداتها النفطية الى تجميد المزيد من المشاريع واعتماد زيادات اضافية في المواد الاستهلاكية، لتضع بذلك الجبهة الاجتماعية على طريق الانفجار. وبحسب صحيفة 'الخبر' الجزائرية فإن الاحتجاجات الشعبية آخذة في التوسع على خلفية ما ورد في قانون المالية الجديد، والذي وصفته المعارضة بأنه "تجويع للشعب الجزائري" وأنه لا يقدم حلا للأزمة بقدر ما يعمقها.