شهد المجلس الشعبي الوطني في الجزائر فوضى عارمة، وذلك أثناء جلسة للتصويت على أحد أكثر القوانين إثارة للجدل في الجزائر، وهي الموازنة العامة لعام 2016 خاصة بعد أن تضمنت إجراءات للحد من تأثير أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية على اقتصاد البلاد، وهو ما رفضته قوى المعارضة واعتبرته "تجويع للشعب الجزائري"، وانطلاقًا من هنا دخل نواب من المعارضة والموالاة في شجار عنيف وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي وتبادل اللكمات. القانون المثير للجدل (الموازنة العامة لعام 2016) ينص على زيادة الضرائب والجمارك وأسعار الديزل والكهرباء المدعمة، للمساعدة في تغطية العجز بعد تراجع أسعار النفط الخام، كما تضمن القانون إجراءات تقول الحكومة انها لتشجيع الاستثمار الخاص، مثل المادة 66، الأكثر جدلاً في المشروع، والتي تقول إنه على المؤسسات الاقتصادية التي تنجز عمليات لفتح الرأسمال الاجتماعي إزاء المساهمة الوطنية المقيمة الاحتفاظ بنسبة 34 % من مجموع الأسهم والحصص الاجتماعية، أي أن 34 بالمائة من رأسمالها يبقى ملكًا للدولة، والمادة 53 المتعلقة بالتنازل على العقار السياحي للمستثمرين، إلى جانب المادة 71 الخاصة بتوسيع صلاحيات وزير المالية في تسيير بعض المشاريع مع إمكانية إلغاء بعضها أو تجميدها دون الرجوع إلى البرلمان. بدأت المشادات عندما شن نواب من أحزاب المعارضة حركة احتجاجية داخل مبنى المجلس عرقلت انطلاق الجلسة، وذلك من خلال هتافات ورفع لافتات منددة بما جاء في القانون، وقاد الاحتجاجات نواب "تكتل الجزائر الخضراء" والذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية هي حركة "مجتمع السلم"، وحركة "النهضة"، وحركة "الإصلاح"، إلى جانب نواب حزب العمال اليساري وحزب جبهة القوى الإشتراكي اليساري أيضًا، وحزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي، وحركة البناء الوطني الإسلامي. https://www.youtube.com/watch?v=OchTtvWU1Wg وسار المحتجون في أروقة وبهو المجلس، رافعين لافتات جاءت فيها شعارات ترفض تقوية القطاع الخاص على حساب القطاع العام، مثل "لا لخصخصة الدولة"، و"لا لنهب الأموال العمومية"، و"لا لتقسيم الجزائر"، و"لا لتجويع الشعب"، و"قانون المالية صنعته الأوليغارشية"، كما اقتحم نواب من المعارضة، قاعة المجلس رافعين لافتات، قبل أن يصعدوا إلى منصة رئاسة المجلس، بحضور رئيس المجلس العربي "ولد خليفة" ويحتلوا المقعد مما أفضى إلى فرض حراسة أمنية على الرئيس، فيما تدخل عدد من النواب الموالين للحكومة لاعتراضهم ومحاولة إخلاء المكان، لتنشب مشادات كلامية، وصلت حد العراك بالأيدي، قبل أن تهدأ الأمور بتدخل عدد آخر من النواب، وتعود الجلسة للانعقاد. قاطع نواب المعارضة جلسة التصويت وغادروا خارج أسوار المجلس، لينظموا وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان، ويعلنوا فيها رفضهم للقانون، بعد أن فقدوا الأمل في منع الأغلبية من تمرير القانون الذي يعتبرونه خطرًا على الجزائر، وأعلن المحتجون في بيان مشترك لهم، "تبرئة ذمتهم أمام الشعب والتاريخ وحفاظًا على المصلحة الوطنية من هذا القانون"، وقالوا إن "القانون وُضع بضغط من رجال المال الفاسد، ويهدف لتجويع الشعب بإثقال كاهله بالضرائب والرسوم، كما يهدف لخصخصة الدولة كاملة لصالح رجال الأعمال". في المقابل صادق نواب الموالاة الذين ينتمون لأحزاب جبهة التحرير الوطني الحاكم، والتجمع الوطني الديمقراط، وتجمع أمل الجزائر، والجبهة الشعبية الجزائرية، على القانون بأغلبية مطلقة فاقت 350 صوتاً من بين 462 نائباً إجمالي عدد نواب المجلس. بناء على هذا التصويت سيحال القانون خلال أيام إلى مجلس الأمة التي تعتبر الغرفة الثاني للبرلمان للنظر فيه، قبل توقيعه من قبل الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة"، ليدخل حينها حيز التطبيق مطلع العام 2016. تعترض أحزاب المعارضة على هذا القانون ومواده الذي تصفه بأنه اعتداء على صلاحيات البرلمان في التشريع، وفتح الباب أمام رجال المال للسيطرة على مؤسسات عامة بسعر رمزي، حيث قال النائب عن حزب القوى الاشتراكية المعارض "أحمد بطاطاش"، "رد فعل المعارضة من القانون طبيعي، لأنه تضمن إجراءات سيكون لها تأثير كبير على القدرة الشرائية للمواطن"، من جانبه قال النائب "يوسف خبابة"، عن تكتل الجزائر الخضراء، إن القانون الحالي خطير جدًا، وإنه يظهر نتيجة لإملاءات خارجية من أصحاب رجال المال، بدليل أنه في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة من خلال القانون عن زيادات في الأسعار والضرائب بدعوى التقشف فإنها تفتح الباب أمام إعفاءات ضريبية ضخمة لفائدة أصحاب المال والأعمال تصل إلى 9 مليارات دولار. في المقابل وصفت النائب عن الحزب الحاكم "سليمة عثماني"، منع رئيس المجلس من افتتاح الجلسة ب"البلطجة السياسية"، وقالت "نحن ندين مثل هذه الممارسات المشينة، لابد من احترام رأي الأغلبية في الديمقراطية، ونحن كموالاة مسئولون أمام الشعب عن مواقفنا بدعم هذا القانون، لأن البلاد تعيش أزمة بعد انهيار أسعار البترول، ولابد من أن تتأقلم مع الوضع". انهيار أسعار النفط أثر بشكل كبير على الدولة الجزائرية حيث يعتمد اقتصاد البلاد بنسبة 97 بالمائة على عائدات المحروقات من العملة الأجنبية، كما تمثل هذه العائدات 60 بالمائة من الموازنة العامة للبلاد، وقالت وزارة المالية الجزائرية أن انهيار أسعار النفط في السوق الدولية خلال الأشهر الأخيرة خلف تراجعًا في إيرادات الطاقة بنسبة 40.7 بالمائة، وبلغ العجز التجاري للجزائر 10.825 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2015، مقارنة مع فائض 4.29 مليار دولار قبل عام، وقال وزير المالية "عبد الرحمان بن خالفة" إن احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد ستتراجع إلى 151 مليار دولار بنهاية العام الحالي، ثم تصل إلى 121 مليار دولار في ديسمبر 2016، بعد أن كانت 193 مليار دولار نهاية العام 2014.