[email protected] فر إبن على من غضبة الجماهير متخليا عن معونيه وعائلته وزبانية تعذيبة.. فر إبن على كما كان يتوقع، حيث كان ومنذ أيام حكمه الأولى قد تعاقد مع " شركة أمن إيطالية " على تأمين خطة هروبه فى حالة قيام ثورة شعبية على حكمه، وكما تخلى هو عن زبانيته وأقطاب الفساد المستفيدين من بطانته، فقد تخلت عنه أجهزة الاستخبارات التى كان يخدمها ضد شعبه، وقد بدأ التخلى وإدارة الظهر لإبن على من فرنسا التى مثلت الداعم الرئيس لسلطته على مدى حكمه المظلم الطويل، وتبعها مخابرات أمريكا التى عمل بأوامرها والموساد الصهيونى الذى أدار العديد من سياساته وإجراءاته الأمنية. إنه الدرس الجديد الذى تقدمه الشعوب، ليس للحكام فحسب ولكن.. وربما قبل الحكام لقوى المعارضة التى تستنفذ معظم طاقتها فى الخلافات على البرامج المستقبلية والتفصيلية، حتى تصبح كل فرقة معارضة للمعارضة الأخرى، أكثر من كونها معارضة للنظام. إنطلق الشعب التونسى فى ثورته مواجها قوات القمع الحكومى من واقعة بسيطة ومتكررة فى كل شوارع وبلديات وأقسام الشرطة العربية من المحيط إلى الخليج، إنطلق متجاوزا سفسطاط المعارضة وتقعيراتها التى لا تنتهى، ولعل نجاح ثورة الشعب التونسى يأتى فى المقام الأول لتجاوزه عائق المعارضة ليقف فى وجه السلطة مباشرة مسلحا بطاقة الجماهير الخلاقة، وحكمتها التى لا تقيدها حسابات المكسب والخسارة الفصائلية والحزبية، وفتوتها التى لا يعوقها فواصل وتوقفات الزعماء للإلتقاط الصور التى تثبت زعامتهم. خطة الحصار التى وضعها الثوار التونسيين البسطاء لمنع الزبانية وقادة الفساد والاستبداد من الهرب من البلاد إعتمدت على فطرة الناس وخبرتهم المتكونة عبر المعاناة اليومية، فسقط رموز النظام العميل كأوراق شجرة ميتة، وبينما أحزاب المعارضة "الرسمية والمعترف بها من النظام الساقط" تجلس لتكوين السلطة الجديدة، لتقاسم المكاسب التى حققتها حركة الجماهير بدمائها، فإن الشعب التونسى راح يشكل لجانه لحماية الأرواح والممتلكات من الهجمات المضادة لأزناب النظام البائد التى تستهدف إشاعة البلبلة والفوضى، بينما يمارس الحكام الجدد سياسة إقصاء جديدة تحت مسمى الأحزاب المعترف بها، تشكل جماهير الثورة سلطتها على الأرض فتفرض النظام وتمنع المجرمين من الفرار. إن جمعية وطنية جامعة غير إستئصالية لوضع دستور جديد لتونس الحرة هى ضرورة لضمان منع سرقة الثورة لصالح قوى سياسية متذبذبة، وغير ديموقراطية، ولعل وسيلة ضمان تحقيق هذا المطلب الوحيدة هى تكوين سلطة شعبية على الأرض من أبناء المناطق والقادة الميدانيين للإنتفاضة، فحكم عميل مثل إبن على إمتد إلى ما يزيد على العشرين عاما لابد وأنه قد أفرز من الفاسدين والمنتفعين فى مراكز القيادة والمواقع التنفيذية أعدادا كبيرة، أى أن قوى الثورة المضادة موجودة فى مواقع القرار والفعل فى أجهزة الدولة، التى تسارع المعارضة الآن لتثبيتها وتدعيم ركائزها، الأمر الذى يطرح تشكيل حكومة تسيير أعمال من كل القوى الوطنية تضم قادة الانتفاضة وتمثل فيها مناطق تونس المختلفة وتجمعاتها الشعبية من نقابات وتجمعات مدنية وقوى سياسية مقصاة بقرارات من النظام المخلوع، وشخصيات عامة مجمع عليها من الشعب التونسى، لتقوم هذه الحكومة على تسيير الأحوال المعيشية وممارسة السلطة التنفيذية تحت إشراف الجمعية الوطنية لحين إعداد الدستور الجديد وإجراء إنتخابات لتكوين مؤسسات المجتمع والدولة التونسية على أساسه، ومحاكمة زبانية العهد السابق على أساسه، وتخطيط المستقبل التونسى وخطط التنمية والتعليم والصحة وتوزيع الموارد على أساسه. لقد أنجز الشعب التونسى الخطوة الأولى، ولكنها ليست المهمة الأصعب، فأمام الشعب التونسى العديد من العوائق التى خلفها حكم العميل إبن على، وليس أصعبها القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضى التونسية، ولا التنمية غير المتوازنة لقطاعات الاقتصاد التونسى، وليس أيضا ما تمثله زيول النظام البائد، بل لعل أكثرها صعوبة هو ما يخص الطمس الحضارى والثقافى الذى مارسه نظام العميل الهارب على مدى أكثر من عقدين من الزمان. إذا كانت أنظمة الحكم العربية قد إحترفت العمالة والتبعية والفساد، فإن الكثير من قوى المعارضة القائمة فى ظلها قد إحترفت سرقة الثورات وتفريغها من مضمونها، بل أن بعض قوى المعارضة قد تمثل بديلا مصنوعا من أعداء الشعوب أعد خصيصا لتفرغ الثورة من مضمونها والقفز عليها وسرقتها، ولعل هذا هو الخطر الأكبر الأن على ما أنجزه الشعب التونسى فى إنتفاضته. البعض قد وجه خطابه إلى الحكام العرب لكى يتعظوا من مصير العميل الهارب، ولا يقل عجبى من هؤلاء عن تعجبى ممن يريد أن يهدى الشيطان، ياسادتى الناصحين إن لم تكونوا قد عرفتم حتى الآن أن هؤلاء الحكام ليس فى مقدورهم أن يعودوا إلى صفوف الشعوب، إن لم تكونوا قد عرفتم بعد أى نوع من الإجرام قد مارسوا فى حق شعوبهم، إن لم تكونوا قد لمستم مدى تورطهم الذى لا تجدى معه توبة.. فأنتم ولا شك من بطانتهم ومروجى أوهامهم.. إذا أراد أحد أن ينصح حاكما عربيا.. فالينصحه بالفرار السريع.. أو التعاقد مع الشركة الإيطالية التى أمنت خطة هروب إبن على. وأخيرا هنيئا للشعب التونسى، أبناء أبو القاسم الشابى، وهنيئا للأحرار فى كل بلاد العرب، بل فى كل بلاد العالم إنعتاق الشعب التونسى من القهر والاستبداد والمسخ الحضارى.. ويامن تحكموننا من الخليج إلى المحيط، تونس البداية، وأول الغيث قطرة، فقد بلغ الصبر مداه... وياقوى المعارضة العربية وأحزابها إتركوا خلافات الزعامة الكاذبة والمواقف المتذبذبة، فالثورات القادمة لا مكان فيها لمن يتحدى نصف تحد.. ولا مكان فيها لمن يمسكون العصا من منصفها.. ولن تسمح الشعوب لأنصاف الثوار أن يسرقوها.