كعادات العسكر فى اخفاء أصحاب البطولات على مر التاريخ ولكن هيهات أن تنسى القلوب الأحرار الذين رفعوا من شأن الوطن فها هوا معنا الفريق عبد المنعم عبدالرؤوف الذى ولد في السادس عشر من مايو 1914 بحي العباسية بالقاهرة لوالدين تربطهما صلة قرابة من بلدة صفط الحرية محافظة البحيرة. انتقلت أسرته للإقامة بحي السيدة زينب. وكان والده عبد الرءوف بسيم أبو الفضل ضابطاً بالجيش المصري، حصل القائد عبد المنعم عبد الرؤوف على الشهادة الابتدائية عام 1928م، ثم حصل على البكالوريا عام 1935م. التحق بالكلية الحربية، ثم التحق بمدرسة الطيران وتخرج منها عام 1938م، أطلق عليه زملاؤه لقب "منعم الأسد" لإعجابهم بشجاعته وجرأته. كان الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف إسلامي التوجه والفكر وانتمى إلى الإخوان المسلمين وشارك معهم في حرب عام 1948 وقام بتدريب المشتركين في الحرب من جماعة الإخوان المسلمين، شارك في ثورة 23 يوليو قبل أن يحولها عبد الناصر إلى انقلاب، وحاصر قصر رأس التين وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش, تعرض للتضييق بسب حملة الديكتاتور جمال عبد الناصر على الإخوان؛ مما أدى إلى خروجه من مصر عام 1955، ثم عاد إليها مرة أخرى سنة 1972 وكان في استقباله بالمطار وزير الداخلية ممدوح سالم، وقابل الرئيس أنور السادات يوم 2/11/1972م بمنزله بالجيزة، وصدر قرار جمهوري بإلغاء حكم الإعدام الصادر ضده عام 1954، توفي بعد معاناة كبيرة مع المرض وفي مثل هذا اليوم الأربعاء 31 يوليو 1985م رحل عبد الرؤوف عن دنيانا بعد حياة مليئة بالكفاح ضد الاحتلال والاستبداد.
كيف التحق بالإخوان؟ بحسب موقع "إخوان ويكي" في عام 1942م تعرَّف على الإخوان المسلمين.. "بعد صدور قرار بإعادته إلى الجيش، ذهب إلى إدارة الجيش بوزارة الحربية لاستلام بعض المبالغ المجمدة له بالوزارة منذ محاكمته وسجنه، وقابل الموظف المختص، والذي لم يعرف اسمه، ولكن استراح إليه وإلى أسلوب استقباله له بمودة ومحبة وأخوة، وفي أثناء جلوسه في مكتبه انتظارا لإنهاء موضوعه لمح على مكتبه جريدة مكتوبًا عليها (الإخوان المسلمون لسان الحق والقوة والحرية)؛ فسأل الرجل باستغراب: وهل يوجد في مصر مَن يعرف أو يعمل من أجل الحق والقوة والحرية؟ فأجاب الرجل: نعم الإخوان المسلمون، فطلب منه أن يُعرِّفه بهم فأعطاه عنوان المركز العام بالحلمية واسم الأستاذ البنا، والتقى بالإمام البنا في زيارة حضرها الصاغ محمود لبيب والدكتور حسين كمال الدين.
الضباط الأحرار بدأ عبد المنعم في الحركة والاتصال بالضباط ودعوتهم فرديا للارتباط بالعمل الوطني لتحرير البلاد من الاحتلال وإصلاح الحكم الذي كان يرتع في الفساد؛ وفي هذه الزيارة عرض على المرشد فكرة البدء بتكوين مجموعة من الضباط تعتنق مبادئ الإخوان المسلمين وتكون نواة تنبت منها خلايا تعم كل وحدات الجيش، واستحسن الإمام البنا ذلك، وقال له: "إن أخاك الصاغ محمود لبيب سيعينك على تحقيق هذه الفكرة، وسيكون المشرف على تكوين هذه المجموعة وبدأ عبد المنعم في الحركة والاتصال بالضباط ودعوتهم فرديًا للارتباط بالعمل للإسلام والانضمام لتنظيم الإخوان بالجيش. وفي عام 1944م بلغ عدد الضباط الأحرار 7 تحت قيادة الضاغ محمود لبيب وهم: يوزباشي:عبد المنعم عبد الرءوف يوزباشي: جمال عبد الناصر حسين ملازم أول: كمال الدين حسين ملازم أول: سعد حسن توفيق ملازم أول: خالد محيي الدين ملازم أول: حسين محمد أحمد حمودة ملازم أول: صلاح الدين خليفة
وبدأت اجتماعاتهم الأسبوعية المنتظمة في منازل أحدهم بالتناوب، وكانوا يتناولون دراسات إسلامية منتظمة ويدفعون اشتراكات شهرية تمثل مظهرًا من مظاهر الارتباط بالجماعة والتكافل فيما بينهم، واستمر حضورهم درس الثلاثاء بالملابس المدنية، وفي أوائل عام 1946م ذهب الضباط السبعة الأوائل لأخذ البيعة على يد عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص بالجماعة، وشارك هؤلاء الضباط في تدريب شباب الإخوان على السلاح طوال الفترة السابقة على معارك فلسطين عام 1948م.
جهاده في فلسطين شارك في الجهاد مع قوات المتطوعين في فلسطين والتي كان أغلبها من شباب الإخوان المسلمين وبعض رجال ليبيا والجزائر، والتي كانت قيادتها العامة للبطل أحمد عبد العزيز وكانت الأوامر قد صدرت باعتبار المتطوعين قوات خفيفة الحركة تنتقل بسرعة أمام الجيش وتقوم بالأعمال الفدائية. لما وصلت القوات إلى بلدة العوجة استقرت بها فصيلتان من الليبيين ومجموعتان من المتطوعين المصريين تحت قيادة البكباشي أركان حرب: زكريا الورداني الذي اختار موقع القيادة لنفسه في العوجة، ووجد أن قرية العسلوج محاطة بعدد من المستعمرات، وأن استيلاء اليهود عليها يهدد بقطع الطريق بين الخليل وبئر السبع (تأتي أهميتها من بئر المياه الموجود بها والطريق البري الممتد في وسطها إلى بئر سبع والخليل والقدس ونابلس وصفد حتى الناقورة) فأرسل اليوزباشي:عبد المنعم عبد الرؤوف لاحتلالها واستخدامها قاعدة للقيام بعمليات فدائية ضد مستعمرات العدو وطرق تموينه، وكان معه قوة من 74 متطوعًا منهم 20 جزائريًا و19 ليبيًا والباقون من متطوعي الإخوان المسلمين.. ثم سحب أحمد عبد العزيز معظم القوات التي تركها في العوجة وعسلوج إلى الخليل وبيت لحم، وقد قامت القوة بعمل كمائن ليلية ضد دبابات ومصفحات العدو وعمل نقاط ملاحظة للإبلاغ عن تحركات العدو أولاً بأول، كما قامت باحتلال الموقع المشرف على الطريق البري الرابط بين العوجة وبئر السبع، وكذلك قامت القوة باحتلال مئذنة المسجد الوحيد بالقرية، ورابطت فيه قوة من حملة القنابل اليدوية لضرب أي تجمعات للعدو تنجح في التسلل للقرية. في أواخر مايو أرسلت قيادة المتطوعين أمرًا بإرسال المتطوعين الجزائريين وعددهم عشرون جنديًا إلى مقر القيادة في بيت لحم، وامتنعت قوات المتطوعين الليبيين عن المشاركة في القتال لرغبتهم في اللحاق بالقوات الجزائرية، وفي أول يوم من أيام الهدنة غدر اليهود كعادتهم وقاموا مساء يوم 11/6/48 بالهجوم على القرية، واشتبكت معهم قوات كمائن المتطوعين؛ واستطاعوا تدمير 11 مصفحة يهودية بمن فيها، وقام الإخوة الثلاثة المرابطين بالمئذنة بقذف قوات العدو بالقنابل اليدوية مما سبب له خسارة كبيرة في الأفراد، واستمرت المعركة حتى الفجر، ثم انسحبت باقي القوة إلى العوجة حيث مركز المتطوعين، وذهب الأبطال الثلاثة الذين كانوا بالمئذنة شهداء في سبيل الله بعدما قاموا بتفجير مخزن الذخيرة بعد دخول قوات اليهود فيه وامتلائه بهم.
دوره في أحداث 23 يوليو أثناء دراسته الثانوية كوَّن مع بعض زملائه جمعية باسم "اليد الخفية" مارست أنشطة معادية للاحتلال البريطاني فقد قاموا بعمل تفجيرات ضد الإنجليز في أماكن متعددة منها قنبلة بدار المندوب السامي البريطاني بجاردن سيتي يوم 16/12/1932م، وفي 16/5/1941م قام مع زميله حسين ذو الفقار بتهريب الفريق عزيز المصري بطائرتهما للالتحاق بثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الإنجليز؛ ولكن سقطت الطائرة بهم، وألقي القبض عليهم يوم 6/6/1941م، وأودعوا السجن حتى أفرج عنهم يوم 5/3/1942م بعد تغيير الحكومة، وصدر قرار بإعادته إلى الجيش في سلاح المشاة، ولقد شارك في ثورة يوليو ففي صباح يوم 26/7/1952م قام بمهاجمة وحصار قصر رأس التين بالإسكندرية، وأرغم الملك على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد؛ وفي 28/7/1952م رجع إلى القاهرة وشارك في حصار قصر عابدين.
التضييق عليه أصل الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر هو الفرق بين العدل والظلم، بين الحرية والاستبداد.. وبمقدار ما كان عبد الناصر ظالما، كان الإخوان ينشدون العدل، وبمقدار ما كان مستبدا كان الإخوان ينشدون الحرية.. ولكن عبد الناصر كان يرغب بشدة في تحويل ثورة يوليو إلى انقلاب، ويعمل بكل عزم على جمع كل السلطات في يده وعدم تقيده بأي دستور أو قانون فكان لا بد من الصدام... في يوم 1/8/1952م صدر قرار بنقله إلى كتيبة أخرى لإبعاده عن القاهرة، وفي 2/10/1952م أبعد إلى فلسطين، ورغم إبعاده فقد قام بعمل بطولي هام إذ قام بتدريب أعداد ضخمة من أبناء فلسطين تدريبًا عسكريًا مركزًا، وكوَّن منهم قوات مقاتلة على درجة عالية من الكفاءة، شاركت بعد ذلك في مواجهة العصابات الصهيونية؛ وفي 17/12/1953م صدر قرار بإحالته إلى المعاش، وفي 18/1/1954 تمَّ اعتقاله وأودع في السجن الحربي حتى 18/2/1954م؛ حيث نقل إلى سجن الأجانب تمهيدًا لمحاكمته، وفي 17/4/1954م عقد مجلس عسكري عالي لمحاكمته، وأثناء المحاكمات تمكن من الهروب، واختفى داخل مصر لمدة عام تقريبًا، وفي عام 1955م تمكن من مغادرة البلاد والهجرة إلى لبنان. ثم انتقل منها إلى الأردن حتى عام 1959م، ثم انتقل إلى تركيا وأقام بها حوالي ثلاث سنوات ثم رجع إلى لبنان عام 1962م وظل مقيمًا بها طوال فترة غيابه عن مصر.
السادات يستقبله عاد إلى مصر يوم 12/9/1972م، وكان في استقباله بالمطار وزير الداخلية ممدوح سالم، وقابل الرئيس أنور السادات يوم 2/11/1972م بمنزله بالجيزة، وصدر بعدها قرار جمهوري بإلغاء حكم الإعدام الصادر ضده عام 1954م في عهد عبد الناصر، وبقى مقيمًا في مصر لم يغادرها إلا لأداء فريضة الحج عام 1978م. ألف عبد الرؤوف كتابا بعنوان "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش".. تعرض لشلل نصفي عاني منه كثيرا حتى وافته المنية في مثل هذا اليوم الأربعاء 31 يوليو 1985م بعد رحلة طويلة من الكفاح والجهاد ضد الاحتلال والاستبداد.