فايز سارة أكدت المانيا تزايد حضورها في الشرق الاوسط مؤخراً، وكان بين تعبيرات تبدل الحضور الالماني المشاركة النشطة في تداعيات عدوان اسرائيل الاخير على لبنان ومنها المشاركة في قوات "اليونفيل"، وتولي قيادتها من جهة اخرى، اضافة الى اعلان المانيا ودول اخرى اهمية اطلاق العملية السياسية في المنطقة، وتزامنها مع محاولة المانيا لعب دور مميز في معالجة ازمة الملف النووي الايراني. وتشكل هذه الموضوعات اهم وأكثر الموضوعات تعقيداً وسخونة في السياسة الاقليمية للشرق الاوسط. ويعكس تنامي الحضور الالماني ، التحول الاهم في سياسة المانيا في الشرق الاوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من ستين عاماً، وهي الفترة التي تراجعت فيها سياسة المانيا في المنطقة سواء بسبب انقسام المانيا الى دولتين مرتبطين بالمعسكرين المتصارعين في اطار الحرب الباردة، او بسبب انشغال المانيا باعادة ترتيب اوضاعها وبناء قدراتها في الفترة التي اعقبت انهيار جدار برلين بداية التسعينات، واعادة توحيد المانيا وتعزيز حضورها في الاتحاد الاوروبي. وزاد من تراجع الدور الالماني في المنطقة خلال العقود الماضية، قيام المانيا بفتح باب دفع تعويضات لاسرائيل عن ارتكابات النازية ضد اليهود ابان الحرب العالمية الثانية، مما ادى الى قطيعة عربية - المانية، والى خصوصية الحضور الالماني في المنطقة بالتركيز على العلاقة مع اسرائيل وخاصة منذ اواسط الستينات. وتغيرت اوضاع المانيا في العقد ونصف العقد الاخيرين، كما تبدلت مكانتها في اطار الاتحاد الاوروبي. فصارت احد القوى الفاعلة في الاتحاد وسياساته، وواحدة من الدول الساعية الى خلق سياسة اوروبية نشطة، وذات قدر من الاستقلالية عن السياسة الاميركية، وفي هذا السياق جاءت الخطوات الالمانية الاخيرة، والتي لاتنفصل عن ثلاث عوامل، اولها يتصل بالعلاقة التي تربط المانيا بدول المنطقة. اذ هي على علاقة قوية مع اسرائيل ومع عدد من الدول العربية في وقت لالمانيا شراكات تجارية مهمة مع بلدان المنطقة، والثاني، ان المانيا لعبت في اوقات سابقة دوراً في معالجة بعض القضايا الشائكة في المنطقة ومنها معالجة قضية تبادل الاسرى بين اسرائيل وحزب الله اللبناني، وثمة مراهنات على تجدد الدور في موضوعين يتصلان بالوضع اللبناني الراهن وهما الاسرى ومزارع شبعا، وثالث العوامل، يتمثل في رغبة المانيا للقيام بدور في تسوية الصراع في المنطقة، وفق تأكيدات المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل عن "التزام طويل الأمد في الشرق الأوسط"، لانه "لا يمكننا أن نقف متفرجين على مجريات الأمور في منطقة معقدة" مثل الشرق الأوسط، حيث لألمانيا مصلحة خاصة في استقرار المنطقة، وهي توجهات تجد لها صدى في العديد من دول المنطقة وهو ما عبر عنه تصريح لوزير الخارجية السوري ابدى فيه الرغبة في ان تلعب المانيا دوراً "أكبر في ايجاد حلول للقضايا التي تواجه المنطقة". ويتألف المسار الذي تمضي به المانيا في المنطقة من ثلاثة خطوط اساسية، اولها خط التدخل المباشر في بعض احداث المنطقة، ولعل الابرز في ذلك كان التدخل الالماني في موضوع العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان، وكانت المانيا الفاعل الاهم في انجاز القرار الدولي رقم 1701 المتعلق بوقف الحرب، ثم تصدت بعد ذلك لمشاركة فاعلة وكثيفة هي الاكبر والاكثر تكلفة في قوات "اليونفيل"، ومن المنتظر ان تطور زيارة السيدة ميركل المرتقبة الى بيروت مستوى التدخل الالماني الفاعل في الموضوع اللبناني من خلال مباحثات تجريها مع المسؤولين اللبنانيين. والخط الثاني في المسار الالماني بالشرق الاوسط، تمثله تفاهمات مع دول لها حساسيات خاصة في علاقاتها الخارجية ولاسيما مع الولاياتالمتحدة واوروبا، وهو امر ينطبق على سوريا في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وبعض الدول الاوروبية، وعلى ايران في موضوع الملف النووي، وعلى تركيا في موضوع انضمامها الى الاتحاد الاوروبي، والمانيا في كل الحالات تحاول فتح بوابات للحوار مع هذه الدول. اما الخط الثالث، فيؤكده انفتاح الماني للبحث في القضايا والمشكلات التي تواجه المنطقة والسعي لمعالجتها، وبينها معالجة الاوضاع السياسية والاقتصادية القائمة في بلدان المنطقة، والتي تشكل سندا للتطرف وللارهاب، كما تقول ميركل، التي أكدت، ان الحرب على الارهاب "لن تتكلل بالنجاح الا اذا رسخنا الديمقراطية، وحسنا الاقتصاد في المناطق المعنية التي تشهد ازمات، واذا احترمنا اكثر حقوق الانسان"، وانه في اطار الحرب "علينا في تحركنا ان نحرص على احترام القانون الدولي واحترام الثقافات الاخرى الى جانب تصميمنا وتضامننا". وهناك مثال آخر في الانفتاح الالماني على مشكلات المنطقة والسعي لمعالجتها، وهو موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي والذي تكمن جذور النزاع فيه بين الفلسطينيين والاسرائيليين، كما ترى ميركل، مما يتطلب جهوداً منسقة من المجتمع الدولي والأمم المتحدة للعودة بالشرق الاوسط الى الوضع الطبيعي. لقد قامت المانيا في الاونة الاخيرة بتحركات واسعة شاركت فيها المستشارة ميركل ووزير الخارجية ووفود برلمانية، شملت اهم العواصم الدولية والشرق اوسطية، واستقبلت المانيا قادة ووفودً شرق اوسطية وشخصيات عالمية، وفي اغلب اللقاءات كانت موضوعات الشرق الاوسط في مقدمة الموضوعات التي تم بحثها والتوافق، وهذا يكثف سعي المانيا من اجل لعب دور أكبر في الشرق الاوسط. فايز سارة كاتب سوري [email protected]