بدأت الإذاعة المصرية الأهلية في طورها الأول بداية تجارية فوضوية، كان غرضها تجاريا وامتلكها مجموعة من التجار سميت المحطات على أسمائهم. فظهر راديو سابو وراديو فريد ومجازين وغيرها؛ للترويج لبضائعهم. وسرعان ما تحول الدفاع عن المصالح التجارية إلى هجوم متبادل مع تعارض المصالح، ثم دخل على الخط مطربون وساسة ومن يطلق عليهم "نجوم مجتمع".. وبمرور الوقت تحول الأثير إلى ساحة للشتائم. ومع ظهور الإذاعة المصرية الحكومية 1934عادت التقاليد والقدسية إلى الأثير، ثم بعد ما يقرب من 6 عقود، ومع انتشار الفضائيات المتخصصة والخاصة، ارتد الإعلام إلى طوره الأول.. ولم يكن السبب تخلي الدولة عن إشرافها.. فهي متواجدة بشكل أو بآخر.. وإنما اطمئنانها إلى أن ساحة التراشق مقتصرة على فضائيات الرياضة أو الفن، وتمارس بفتنتها الرياضية أو الفنية نوعا من الإلهاء وتفريغ الطاقات. تعددت أسلحة الردح الفضائي، بل وخصصت حلقات كاملة للرد على ما تذكره فضائيات أخرى، أو تصفية حسابات شخصية أو مشاكل قضائية. مثلما تم الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم الجمعة بين برنامجي "48 ساعة" على قناة المحور، و"الكرة مع شوبير" على قناة الحياة. بدا الأمر وكأنه ردح شعبي في حارة، دون أن يضع القائمون على البرنامجين أي اعتبار للمشاهد. لكن "الردح" المباشر قد يحد من مصداقية المحطة.. ويأتي الوقت الذي يتنبه فيه المشاهد أنه وقع ضحية صراع للديكة.. يبحث كل منهم عن فوز بالضربة القاضية على خصمه. فظهرت وسائل أكثر دهاء للنيل من الخصم، وأبرزها المداخلات التليفونية التي لا يخفى على المراقب الدقيق ترتيبها، بشكل أو بآخر، بما يتوافق مع مصلحة القائمين على البرنامج. كانت البداية الأشهر لهذا السلاح مع ظهور الجزيرة، وبالتحديد في برنامجها الذي حقق شهرتها الأولى"الاتجاه المعاكس".. وقتها منذ أكثر من عقد انبهر المشاهدون بكم الحرية المتاح والشتائم المتداولة بين الضيوف.. لكن مع ازدياد الجماهيرية تبين أن المكالمات مرتبة بشكل ما للتخديم على الضيوف.. انكشفت اللعبة بتفاصيل صغيرة، من بينها مثلا أن تكون المكالمة لضيف لم يحاول الاتصال بالقناة، لكن آراءه معروفة أنها تصب في خانة بعينها.. فأحيانا كان يبدو من طريقة كلامه أنه تلقى اتصالا من القناة ولم يتصل هو.. كما أن كم المشاهير على التليفون أثبت للمشاهد أنه لا يشارك إلا المعروفون فقط. انتقلت الحيلة نفسها إلى محطات أخرى.. فاستضاف شوبير مثلا تليفونيا بلدياته من دائرته الانتخابية طنطا، أو نواب البرلمان من زملائه، وبالطبع الجميع يثني عليه. في الحرب الدائرة الآن ظهر سلاح المداخلات بشكل فج.. ففي حلقة الجمعة من "48 ساعة" التي نفذها سيد علي وهناء السمري.. ومعهما بشير حسن رئيس التحرير.. رتب القائمون عليها المكالمات للإجهاز على شوبير الذي شكا السمري في النيابة، فتلقى مداخلة من مرتضى منصور، توعد فيها شوبير بكشف فضائح أخرى له في تحقيقات النيابة، ثم اتهمه بالفساد، وأن رحلته إلى الجزائر كانت لأغراض مشبوهة رتب بعضها مع أشخاص في دمشق ليلقونه هناك. وطالب منصور وزير الإعلام بإبعاد شوبير عن الإعلام؛ لأنه قال على خالد الغندور "الواد القصيّر الأزعة إللي مش طايل الأرض".. ثم رتّب القائمون على البرنامج وفي الحلقة نفسها، مكالمة أخرى من النائب محمد العمدة لسؤاله عن إمكانية سفر أحد النوّاب الى الخارج، دون إذن البرلمان فأنصف النائب شوبير.. فتلقّوا مداخلة من إبراهيم حسن تتهم شوبير بالحقد والغيرة، ومن الأَولى أن يصلح نفيه أولاً بدلا من إصلاح العلاقة بين مصر والجزائر. على الجانب الآخر كان شوبير جاهزا بمكالماته ومداخلاته المرتّبة، في منتصف ليل اليوم نفسه. فمنهم من يثني على طريقته، وأنه مستهدف لأنه على حق حسب طريقة الدعاية الانتخابية. وأحدهم تساءل غامزا في حق هناء السمري وقال:" عليها أن تسأل نفسها أولا، لماذا طردوها من رئاسة الجمهورية؟!.. وكان المذيع يصمت حتى يكمل المتصل كلامه وسبابه.. ثم يقول له "من فضلك بلاش تجريح.." لكن الطمأنينة التي كانت تسود شوبير، كانت دليل على أنه متأكد أن المتصل لن يخرج عن النص المحدد له.. ولن يقدح في حقه.. بل في حق خصومه فقط.. والمتابع للحرب الدائرة بين فضائيات الرياضة، سيجد عشرات الدلائل على ترتيب المداخلات.. فقال مثلا مرتضى منصور إن المتصلين بشوبير يعرفهم شخصيا، وضرب مثلا بأحد الأشخاص يعمل فكهانيا في طنطا، وابنه يدعى كريم.. وفي برنامج خالد الغندور.. قدم أحد المتصلين نفسه على أنه صاحب أكاديمية رياضية في لندن.. وأنه مستاء من سفر شوبير الى الجزائر، وأنه صادف مواقف محرجة في مهجره لهذا السبب.. بل واستاء معه اللاعبون في أكاديميته.. وبدا من لهجته أنه شخص لم يخرج يوما من عشوائيات القاهرة.. ثم من في لندن سيهتم أصلا بشوبير أو بغيره.. بل كم عدد من يجيدون العربية ويلعبون كرة القدم في عاصمة الضباب؟! لا تجد رأيا معارضا واحدا يخالف رأي القائم على البرنامج.. بل ويتجمع أصحاب المصلحة الواحدة في حلقة واحدة للإجهاز على الخصم.. فتجمع مرتضى وخالد الغندور وإبراهيم حسن في "المحور".. وقابلهم شوبير وياسر أيوب وأنصاره في طنطا في "الحياة".. بينما يصرخ المشاهد متمنيا أن تنقطع الحرارة عن التليفزيون المصري بكل فضائياته الخاصة والحكومية.