صدر حديثًا للزميل الصحفي ربيع سكر كتاب رائع بعنوان «المفكر الموسوعي محمد لطفي جمعة.. حياته وآراؤه الإصلاحية ومعاركه الفكرية» عن مكتبة الآداب بالقاهرة، يعيد اكتشاف رائد من رواد العمل الوطني والتنويري والإصلاحي المجهولين رغم كونه أحد أعلام النهضة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، وكان نصيبه النسيان بعد رحيله ولا يعرفه الكثيرون من أبناء الأجيال الحالية، هو الأديب والسياسي والمحامي الراحل محمد لطفي جمعة الذي كان من المفكرين الكبار الذين تفخر بهم مصر لدورهم في بناء النهضة العربية والمقاومة الثقافية للاستعمار، وشارك في عقد المؤتمرات الوطنية لنصرة القضية المصرية في أوروبا بالتعاون مع محمد فريد والحزب الوطني في بروكسل وباريس وجنيف 1909 و 1910 و 1911. و تم اختيار جمعة عضوًا في لجنة المصالحة بين ملك السعودية وإمام اليمن عام 1934 / 1353 ه . ولطفي جمعة هو صاحب أول مجموعة قصصية مصرية وهي (في بيوت الناس) سنة 1904 وأول رواية هي (في وادي الهموم) سنة 1905 م وأول من دعا في كتابه (حياة الشرق) عام 1932 إلى حوار الحضارات بين الشرق والغرب ونادى بمجانية التعليم في جريدة البلاغ في 13/5/1930 ودعا إلى الإصلاح الزراعي وإلغاء الطبقية في مصر قبل ثورة يوليو 1952، وتم تدريس مؤلفات لطفي جمعة بالمدارس والجامعات مثل كتاب الشهاب الراصد الذي درسته كلية دار العلوم ورواية الكنز الدفين المترجمة التي قررتها وزارة المعارف عام 1920 على طلبة المدراس الثانوية المصرية وتمت ترجمة كتابه تاريخ فلاسفة الإسلام إلى اللغة الصينية، وفي عام 1932 تم اختياره عضوًا في المجمع العلمي بدمشق واختياره عضوًا في مجمع الخالدين بنيويورك لمدة 99 سنة في يونيو 1909 . وكان لطفي جمعة كمحامٍ "ملء السمع والبصر" في حياته وترافع في مجموعة من أشهر القضايا السياسية والشعبية التي عرفها المجتمع المصري آن ذاك ومنها قضية مقتل السردار لي ستاك وقضية القنابل في عام 1932، وقضية مقتل أمين عثمان مترافعًا بين آخرين عن أحمد وسيم خالد والرئيس الراحل محمد أنور السادات . و"جمعة" له أكثر من 40 كتابًا ومئات المقالات في الصحف والدوريات المصرية والعربية و نادى في مقالاته بمجانية التعليم في 1930، وطالب في 1933 بإقامة نصب تذكاري للجندي المجهول، ودعا في 1923 بتخصيص قضاة للجنائي وغيرهم للمدني و نادي بتزيين قاعات المحاكم بالميزان رمز القضاء المدني والسيف رمز القضاء الجنائي دلالة علي العدل مع الآيات القرآنية بدلا من عبارة العدل أساس الملك، وكان أول من نادى بإنشاء نقابة للمسرحيين في عام 1916 ودعا إلي إنشاء وزارة للفنون الجميلة وطالب بإنشاء متحف اجتماعي على غرار المتاحف الاجتماعية في أوروبا. و اعترف أعلام المفكرين بمكانة لطفي جمعة في حياته وكانوا يخاطبونه بأعظم الألقاب، فكان الشيخ محمد عبده يخاطبه ب" النابغة الفاضل"، والزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ب"العلامة"، والشيخ مصطفى عبد الرازق ب(سيدي العالم الجليل والأديب الكبير)، ومن المعلومات الطريفة في الكتاب أن لطفي جمعة هو أخ في الرضاعة للموسيقار المصري المعروف الشيخ سيد درويش؛ حيث قامت السيدة ملوك بنت عيد والدة درويش بإرضاع "جمعة"، ويحكي الكتاب قصة الرسالة التي تلقاها لطفي جمعة من عباس محمود العقاد الذي كان في بدايات حياته، وتؤكد مكانة "جمعة" في أوائل القرن العشرين وبدايات النهضة المصرية، وأنه كان من رموز تلك المرحلة بدليل أن "العقاد" لجأ إليه طلبًا للمساعدة، وكتب الكاتب المصري الراحل أنيس منصور مقالا عن تلك الرسالة تحت عنوان "عار علينا ألا يجد العقاد طعامًا". ويأتي صدور الكتاب مع ذكرى مرور 118 عامًا على ميلاد لطفي جمعة؛ حيث ولد في 18 يناير 1886 م ووفاته كانت في 15 يونيو عام 1953 م، والكتاب مكون من 157 صفحة و جاء في ستة أبواب، الأول عن حياته وعصره ومدرسته الفكرية، والثاني يضم آراءه في قضايا العقيدة، والثالث عن آراءه الفلسفية، والرابع عن الجانب الإصلاحي الرابع؛ والخامس عن المعارك الفكرية له مع د. منصور فهمي في عام 1913 بسبب رسالته للدكتوراه ( حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطورها)، وفي عام 1926 أمام د.طه حسين عندما أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي)، وقد جمع "جمعة " هذه الردود في كتابه ( الشهاب الراصد )، و رده على (عبد العزيز فهمى) عندما أصدر في عام 1944 كتابه (الحروف اللاتينية لكتابه العربية)، وتناول المؤلف موقف لطفي جمعة من المستشرقين ومن المذاهب الفكرية والأديان . وفي الباب السادس تناول موقف جمعة من المذاهب الفكرية والأديان، فتناول آراءه في المذاهب الفكرية، مثل: الدارونية، الدهرية، والبهائية. وآراءه في الأديان ومقارنته بينها. وختم المؤلف الكتاب بأبرز ما توصل إليه من نتائج حول آراء ومواقف لطفي جمعة والمنابع والشخصيات التي تأثر بها . والكتاب كان في الأصل مشروع خطة رسالة الماجستير التي أعدها المؤلف في 2003 لتقديمه إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وحصل على موافقة القسم ومجلس الكلية إلا أن ظروفًا من بينها العمل بالصحافة حالت دون إتمامه لرحلة تسجيل الرسالة في مراحلها الأولى، والمؤلف صدر له من قبل كتاب "معارك إسلامية خالدة من غزوة بدر إلى نصر أكتوبر 1973" عن دار مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة.