لا نعرف الملابسات التي تمت فيها المصافحة الصادمة بين الشيخ سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر، وشمعون بيريس على هامش مؤتمر حوار الاديان في مقر الاممالمتحدة مؤخرا. الا ان شيئا لا يمكن ان يبرر مصافحة بين رأس اكبر مرجعية سنية في العالم ، ومجرم حرب يداه ما زالتا تقطران من دماء الاطفال في قانا وغزة وبحر البقر وغيرها. لا شيء يمكن ان يبرر هذه المكافأة السخية من الجامع الازهر الذي كان دائما قامة عالية للوطنية، لا تقل ارتفاعا عن قامته الدينية. لا شيء يمكن ان يبرر هذه المصافحة الحارة مع يد لا يحبها الله ولا رسوله يا فضيلة الشيخ. فماذا حدث للجامع الازهر في عهد الشيخ سيد طنطاوي؟ وهل الازهر الذي اغضب شيخه عبد الحليم محمود الرئيس السادات بمعارضته للصلح مع اسرائيل، هو الازهر نفسه اليوم؟ وهل اصبح الدين كالتجارة والسياحة والدبلوماسية مجالا للتطبيع السياسي كما يؤكد مؤتمر حوار الاديان، الذي قام بدور 'المحلل' لتحقيق تقارب سياسي مطلوب بين السعودية واسرائيل؟ وكيف تطور دور المؤسسة الدينية في ظل الانظمة الدكتاتورية العربية، ليصبح مجرد وظيفة كاي وظيفة اخرى في الهرم البيروقراطي؟ ولماذا تخلت هذه المؤسسة في مصر عن هامش الاستقلال الذي طالما جعلها اقوى من الحكومة نفسها، ما دفع المشرع لمنح شيخ الازهر درجة رئيس وزراء في السلم الوظيفي للدولة؟ واذا كان هذا الهامش موجودا، فما الذي يجبر شيخ الازهر على مصافحة كهذه، لا بد انه هو نفسه شعر تجاهها بالاشمئزاز؟ وما الذي يجبره على السكوت عن هذا السكوت المريب للانظمة العربية، والنظام المصري في مقدمتها تجاه الابادة الجماعية لمليون ونصف مليون مسلم في غزة؟ لماذا لا يقول شيخ الازهر كلمة حق حتى وان اغضبت السلاطين؟ بل ولماذا يبدو وكأنه يزايد على مواقف الحكومة نفسها كما حدث في مؤتمر حوار الاديان؟ فالحرارة التي صافح بها الشيخ طنطاوي الرئيس الاسرائيلي لا تتناسب ابدا مع الفتور الذي ابدته الحكومة المصرية نفسها تجاه المؤتمر، الذي ظهر واضحا في عدم حضور الرئيس مبارك لاي من اجتماعاته، نظرا لادراك القاهرة ان الهدف الحقيقي للمؤتمر ليس سوى توفير الغطاء لاجندة سياسية، لا علاقة لها بالاديان. وتؤكد مقاطعة علماء السعودية للمؤتمر في الاممالمتحدة ادراكهم لاهدافه الحقيقية. فهل كان شيخ الازهر مضطرا للمشاركة حقا؟ ولماذا يصمت العلماء المسلمون عن هذا العمل ومعناه؟ وهل أصبح علماء السعودية أكثر وطنية من الجامع الأزهر بتاريخه الشامخ في محاربة الاحتلال؟ أم أن الأمر ليس سوى اجتهاد شخصي آخر جانبه التوفيق من الشيخ طنطاوي؟ لقد أفتى مؤخراً شيخ الأزهر بجلد الصحافيين الذين 'يروجون الشائعات'، بل أنه قاضى أحد الصحافيين بتهمة 'القذف' وحصل على ثمانين ألف جنيه تعويضاً (لم نسمع انه تبرع به لصالح أطفال مصر أو غزة أو العراق أو غيرها). ولو كان الأمر لشيخ الأزهر لرأينا صحافيين كبارا يجلدون في ميدان التحرير، بدلاً من أن يغرموا او ان يصدر عفو من السيد رئيس الجمهورية عنهم. والسؤال البديهي هو ما الحكم الشرعي في مصافحة يد تواصل قتل المسلمين وحصارهم على مدار الساعة؟ وهل يريد فضيلته أن يكون قدوة حقاً للمسؤولين وللمسلمين حول العالم بأن يهرولوا نحو كل مسؤول اسرائيلي لمصافحته؟ أم انها كانت 'زلة يد' وسوء تقدير يلزم الاعتذار عنه انصافاً لهذه المؤسسة وتاريخها ومكانتها؟ ان هذه المصافحة تفرض على المجلس الأعلى للبحوث الاسلامية اعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية، بما في ذلك اسلوب اختيار شيخ الأزهر. المعروف ان المجلس كان يتولى في الماضي انتخاب ثلاث شخصيات ليختار رئيس الجمهورية احدها لمنصب شيخ الأزهر. إلا ان النظام غيّر هذا الأسلوب، وأصبح تعيين شيخ الأزهر بقرار مباشر من رئاسة الجمهورية، ما يبدو انه جاء على حساب الاستقلال السياسي لهذه المؤسسة العريقة.