لماذا لا يقوم الفلسطينيون بانتفاضة ثالثة؟! تساؤل طرحه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية. وخلص فريدمان إلى أن إسرائيل في انتظار انتفاضة ثالثة، ولكن من نوع جديد، مشيرا إلى أن سلاحها الأساسي لن يكون الحجارة، وإنما المقاومة الاقتصادية والسلمية، لاسيما أنها ستكون مدعومة أيضا من دول كثيرة بالمجتمع الدولي، والتي أعلنت مؤسسات اقتصادية بها مقاطعة إسرائيل، على خلفية استمرار سياساتها الاستيطانية. وقال فريدمان إنه مندهش من عدم قيام انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، لافتا إلى أن الانتفاضة الأولى أثمرت عن الدفع قدما نحو بناء اتفاقية سلام "أوسلو" والتي لم تلبث أن هدمتها الانتفاضة الثانية من خلال الذخيرة الحية من جانب الإسرائيليين والتفجيرات الانتحارية من جانب الفلسطينيين. وأضاف أن الجواب عن هذا التساؤل ربما تحمله توضيحات بعض الفلسطينيين الذين يقولون إنهم فقراء ومقسمون ومتعبون، أو ربما أدركوا أن الانتفاضات تجلب عليهم ضررا أكثر مما تعود بالخير، ولاسيما الانتفاضة الثانية. وتابع قائلا "لكن يبدو أن انتفاضة ثالثة تجرى الاستعدادات لها، وهى الانتفاضة التي تخشاها إسرائيل أكثر من أي شيء آخر، وأسلحتها ليست الحجارة والانتحاريين، وإنما هي انتفاضة تحركها مقاومة سلمية ومقاطعة اقتصادية." واستطرد "لكن هذه الانتفاضة الثالثة لن يمسك زمامها الفلسطينيون في رام الله، وإنما الاتحاد الأوروبي في بروكسل وآخرون في مختلف أنحاء العالم من المناهضين للاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية .. إن هذه المعارضة العالمية باتت مصدرا حقيقيا من مصادر نفوذ الفلسطينيين في مفاوضاتهم مع إسرائيل." ورصد فريدمان تحذيرا أطلقه وزير الخارجية الأمريكية جون كيري من أن إسرائيل ستواجه مزيدا من المقاطعة وتعزيزا لحملة نزع الشرعنة، حال فشل محادثات السلام الجارية، مشيرا إلى أنباء حول قرار شركة هولندية سحب كافة استثماراتها من أكبر خمسة مصارف إسرائيلية بسبب امتلاك تلك المصارف فروعا بالضفة الغربية أو مساهمتها في تمويل بناء المستوطنات أو الاثنين معا. وأشار إلى تحذير مشابه أطلقه وزير المالية الإسرائيلية يائير لابيد عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي بأن الإخفاق في التوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين سيضر بالحالة الاقتصادية لكل مواطن إسرائيلي. ويرى فريدمان أن هذه الانتفاضة الثالثة تمتلك من القوة ما يؤهلها لأن تكون ذات أثر بعيد المدى، بخلاف سابقتيها، لاسيما أنها تتزامن مع عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس - كجزء من اتفاق حل الدولتين - السماح لقوات إسرائيلية بالبقاء لمدة خمس سنوات في إطار انسحابها مرحليا من الضفة الغربية إلى حدود عام 1967 ثم السماح لقوات حلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكية بملء أي فراغ استراتيجي لطمأنة إسرائيل. ويرى فريدمان أن الانتفاضة الثالثة قائمة على استراتيجية هدفها دفع الإسرائيليين إلى الشعور بأمان استراتيجي ولكن فى غيبة الأمان المعنوي. ويعزو الكاتب الأمريكي فشل الانتفاضتين الأولى والثانية إلى أن أيا منهما تتضمن خارطة بحل الدولتين وترتيبات أمنية، ويقول إنه لا يمكن تحريك الأغلبية الإسرائيلية الصامتة عن طريق إشعارهم بعدم الأمان استراتيجيا، حتى وإن كانوا آمنين معنويا. ويرى فريدمان أن هذه الانتفاضة الثالثة تكتسب زخما فى ظل خروج وجهين أساسيين من صورة المشهد العالمي: الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا، ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد الذى كان بمثابة هدية لإسرائيل نظرا لإنكاره الهولوكوست ورفضه الجهود الدولية لإثناء إيران عن المضي قدما في برنامجها النووي. لقد كان نجاد شخصية يصعب حبها (حسب فريدمان) على خلاف الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني الذي يجيد التفاوض ويعترف بالهولوكوست على نحو يترك إسرائيل في مأزق. أما بالنسبة لمانديلا، فإن موته ترك العديد من أنصاره يتطلعون إلى إيجاد طرق لإحياء سنته وإكمال رسالته، وقد وجدوا الطريق عبر مقاطعة إسرائيل حتى تنهى احتلالها للضفة الغربية. وأردف فريدمان قائلا إن إسرائيل إذا أرادت حقا تهدئة حملة المقاطعة التي تواجهها، فإن عليها الإعلان عن تجميد كافة الأنشطة الاستيطانية لإعطاء السلام فرصته، لاسيما في ظل سعى كيري الحثيث إلى إبرام اتفاق سلام.