شكلت حادثة كتابة شاب موريتاني مقالاً على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أساء فيه للرسول محمد خاتم المرسلين، صدمة كبيرة لدى الشعب الموريتاني، فخرجت الاحتجاجات من المساجد بعد صلاة الجمعة يوم 10 من الشهر الجاري في عدة مدن، مطالبة بتقديم كاتب المقال إلى المحاكمة أمام علماء من المسلمين، وتطبيق حكم الشريعة الإسلامية فيه. كما خرج المحتجون إلى قصر العدالة، (مجمع للمحاكم) بنواكشوط، في ذات اليوم، واقتحموه، قبل أن تتدخل الشرطة، وتدخل في مناوشات مع المحتجين. وفي يوم الجمعة الموافق 3 يناير الجاري اعتقلت الشرطة الموريتانية، في "نواذيبو" بأقصى شمال غرب البلاد، شابًا موريتانيًا كتب مقالًا، ونشره على الإنترنت قالت إنه يسيء فيه للنبي محمد، وهو ما أثار موجة استنكار عارمة. وقالت مصادر أمنية: إن النيابة في مدينة نواذيبو أصدرت أمرًا للشرطة بالقبض على المدعو محمد ولد الشيخ، (يعمل محاسبا في شركة تابعة لأكبر شركات المعادن في البلاد)، ووجهت إليه الجهات القضائية تهمة "الردة والمساس بالمقدسات الدينية"، فيما قررت وزارة الشؤون الإسلامية توحيد خطبة الجمعة حول "الإساءة للنبي"، بسبب المقال. وقالت مصادر في المدينة: إن والد الشاب أعلن براءته مما قام به نجله، وطلب تطبيق شرع الله فيه، كما أعلن إخوته رفضهم لما بدر من أخيهم تجاه الرسول. إحالة كاتب المقال ليمثل أمام القضاء العادي في العاصمة نواكشوط، زاد من حدة الغضب في "نواذيبو"، التي يرى سكانها أن القضية قضيتهم دون غيرهم، ويطالبون بمحاكمة كاتب المقال وتنفيذ الحكم عليه في نواذيبو. وقال إمام مسجد النور في نواذيبو في تصريحات صحفية: "مطالبنا واضحة، نريد محاكمة هذا الشخص أمام مجموعة من العلماء والأئمة، والحكم عليه وفق الشريعة الإسلامية". واعتبر الإمام "يسلم ولد اخطور"، الذي كان يقود مظاهرة تجوب شوارع المدينة، أن "تلكؤ السلطات القضائية الموريتانية في محاكمة كاتب المقال يهدد الأمن والسلم الأهلي في نواذيبو، خاصة في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات واتخاذها طابعًا عنيفًا في الأيام الأخيرة". وشكل عشرات المحامين الموريتانيين حِلفًا لنصرة رسول الله، ودعوا الجهات القضائية إلى اتهام كاتب المقال ب"الإرهاب الفكري"، وعرضه على محكمة مختصة في قضايا الإرهاب. وكان وكيل الجمهورية (النائب العام) في نواذيبو، أحمد ولد أسلم، قد استجوب كاتب المقال الذي أكد نسبة المقال إليه، وأنه "كتبه في كامل وعيه ومقتنع بما ورد فيه من أفكار"، وأثارت اعترافاته حالة من الغضب في الشارع الموريتاني؛ في حين قرر وكيل الجمهورية إحالته إلى السجن. الحكومة الموريتانية ظلت تلتزم الصمت تجاه الموضوع، قبل أن يشيد وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد النيني، قبل أيام، بالمظاهرات التي خرجت في المدن الموريتانية، معتبرًا أنها "وثبة وطنية واسعة"، ووصف الوزير المقال المذكور بأنه "إساءة إجرامية دنيئة في حق ديننا الإسلامي الحنيف ونبي الرحمة، صلوات الله وسلامه عليه." ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها التي تثير جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا، فقد أعلن قبل أسابيع صاحب حساب مستعار خروجه من ملة الإسلام، وهاجم صاحب الحساب الذي قدم نفسه على أنه "فتاة موريتانية ناقمة على أعراف المجتمع"، المنظومة الإسلامية التي تحكم المجتمع الموريتاني. محمد سالم ولد محمدو الباحث بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية يعتبر ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من الإساءة للمقدسات، "ليس إلا جزءا من موجة موجهة جديدة في أنواعها وأنماطها". وقال ولد محمدو: إن "وفرة وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة بكم هائل وسرعة انتشار المعلومات عليها أتاح منبرًا لدعاة الإلحاد للتنفيس عن عفنهم الفكري". واعتبر أن "الحرية المطلقة التي يتمتع بها أصحاب الحسابات في هذه المواقع، مع غياب وسائل رقابية على ما ينشر فيها، شجعت عشرات الشباب المغرر بهم فكريًا على تحدي القيم الإسلامية للمجتمع". وتوقع ولد محمدو أن "تجد موجة الإلحاد طريقها إلى عالم التواصل الاجتماعي لأسباب مختلفة، من بينها دافع إفراغ شحنة الحنق على التدين والأنماط التقليدية، والسعي وراء دافع الشهرة"، لافتًا إلى أن "احتضان بعض الدوائر الغربية للإلحاديين قد يقود بعض الشباب إلى التماهي مع هذا التيار رغبة في الحصول على ملاجئ، ومحاضن في البلدان الغربية، التي تدافع عن أصحاب هذا الفكر الشاذ تحت لافتة حرية المعتقد والتعبير". بحسب رأيه. وأشار ولد محمدو إلى أن "ظاهرة المجاهرة بالإساءة للمقدسات وللمنظومة الأخلاقية للشعب الموريتاني تعتبر ظاهرة غريبة ودخيلة على الشعب الموريتاني"، لكنه أشار إلى أن "السجال حول الإلحاد ليس جديدًا على النخبة الموريتانية، وبوجه خاص التيار اليساري منها، لكن دائرة هذا النقاش كانت تتم في أطر ضيقة جدا". بحسب قوله. وبدوره رأى المدون الموريتاني الحسين ولد محمود عثمان أن "التسلسل الممنهج الذي تدور به مقالات الإساءة للدين، والأفلام الماجنة لبعض الموريتانيين، يمثل بالونات اختبار واعية، لقياس مناعة المجتمع الموريتاني المسلم". وقال ولد محمود عثمان "أستغرب أن يصدر تسفيه قيم الإسلام من بعض أبناء المسلمين، وذلك في الوقت الذي يظهر فيه المخالفون لنا في العقيدة احترامًا كبيرًا للإسلام". وكانت التجاذبات السياسية السمة الأبرز التي طبعت الحياة العامة بموريتانيا على مدار عام 2013، والذي جاء امتدادًا للصراع السياسي الدائر في البلاد طيلة العام الذي سبقه، حين ارتفعت وتيرة حراك المعارضة الموريتانية في الشارع، مطالبة برحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز (57 عامًا)، على أمل أن يؤتي الحراك ثماره، أسوة بثورات الربيع العربي، في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.