بعد تفجيرات البيجر، إسرائيل تتوعد حزب الله ب وسائل أخرى    الاتحاد الأوروبي: لن نعترف بسيادة إسرائيل.. من حق فلسطين أن تعيش في سلام وأمن    حرب غزة.. قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية    قراصنة إيرانيون أرسلوا لحملة بايدن مواد مسروقة مرتبطة بترامب    تشكيل برشلونة المتوقع أمام موناكو في دوري أبطال أوروبا.. من يعوض أولمو؟    موجة حارة لمدة 3 أيام.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الخميس    أحداث الحلقة 3 من «برغم القانون».. الكشف عن حقيقة زوج إيمان العاصي المُزور    محلل إسرائيلي: حزب الله ارتكب 3 أخطاء قاتلة فتحت الباب أمام الموساد لضربه بقوة    عمرو سعد يُعلن موعد عرض فيلم الغربان ويُعلق: المعركة الأخيرة    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    خبير: الداخل الإسرائيلي يعيش في حالة زعر مستمر    أيمن موسى يكتب: سيناريوهات غامضة ل«مستقبل روسيا»    الإمارات تخفض سعر الأساس بواقع 50 نقطة    شريف دسوقي: كنت أتمنى أبقى من ضمن كاست "عمر أفندي"    جوميز يحسم مشاركة فتوح أمام الشرطة الكيني    موعد مباراة مانشستر سيتي وأرسنال في الدوري الإنجليزي.. «السيتيزنز» يطارد رقما قياسيا    حقيقة الذكاء الاصطناعي واستهلاك الطاقة    الخارجية الأمريكية ل أحمد موسى: أمريكا مستعدة لتقديم خدمات لحل أزمة سد النهضة    «افتراء وتدليس».. رد ناري من الأزهر للفتوى على اجتزاء كلمة الإمام الطيب باحتفالية المولد النبوي    بالاسم ورقم الجلوس.. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة للقبول بالجامعات (رابط مباشر)    موعد صرف معاشات شهر أكتوبر 2024    الأهلي لم يتسلم درع الدوري المصري حتى الآن.. اعرف السبب    «أنبوبة البوتاجاز» تقفز ل 150جنيهًا    تفاصيل مصرع مُسن في مشاجرة على قطعة أرض في كرداسة    عبير بسيوني تكتب: وزارة الطفل ومدينة لإنقاذ المشردين    "ماتت قبل فرحها".. أهالي الحسينية في الشرقية يشيعون جنازة فتاة توفيت ليلة الحنة    مصدر أمني ينفي انقطاع الكهرباء عن أحد مراكز الإصلاح والتأهيل: "مزاعم إخوانية"    طفرة عمرانية غير مسبوقة واستثمارات ضخمة تشهدها مدينة العاشر من رمضان    عقب تدشينها رسميا، محافظ قنا ونائبه يتابعان فعاليات اليوم الأول من مبادرة "بداية جديدة "    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    آيتن عامر بإطلالة جريئة في أحدث ظهور..والجمهور: "ناوية على إيه" (صور)    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    بشاير «بداية»| خبز مجانًا وقوافل طبية وتدريب مهني في مبادرة بناء الإنسان    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    الشاب خالد: اشتغلت بائع عصير على الطريق أيام الفقر وتركت المدرسة (فيديو)    «استعلم مجانًا».. نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024 علمي وأدبي فور إعلانها رسميًا (رابط متاح)    إيمان كريم تلتقي محافظ الإسكندرية وتؤكد على التعاون بما يخدم قضايا ذوي الإعاقة    تراجع بقيمة 220 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الخميس 19 سبتمبر 2024 بعد التحديث الجديد    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    كشف حقيقة فيديو لفتاة تدعي القبض على شقيقها دون وجه حق في الإسكندرية    كيفية تحفيز طفلك وتشجيعه للتركيز على الدراسة    السفر والسياحة يساعدان في إبطاء عملية الشيخوخة    أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد وتخلصه من السموم    بلقطات عفوية.. هنا شيحة تبهر جمهورها في أحدث ظهور لها (صور)    حقيقة عودة إضافة مادة الجيولوجيا لمجموع الثانوية العامة 2025    «طعنها وسلم نفسة».. تفاصيل إصابة سيدة ب21 طعنة علي يد نجل زوجها بالإسماعيلية    صلاح التيجاني: والد خديجة يستغلها لتصفية حسابات بعد فشله في رد زوجته    بخطأ ساذج.. باريس سان جيرمان يفوز على جيرونا في دوري أبطال أوروبا    قمة نهائي 2023 تنتهي بالتعادل بين مانشستر سيتي وإنتر ميلان    عقب تدشينها رسميًا.. محافظ قنا ونائبه يتابعان فعاليات اليوم الأول من مبادرة «بداية جديدة»    نشاطك سيعود تدريجياً.. برج القوس اليوم 19 سبتمبر 2024    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    صحة مطروح تقدم 20 ألف خدمة في أولى أيام المبادرة الرئاسية «بداية جديدة».. صور    محافظ القليوبية يكرم المتفوقين في الشهادات العامة بشبرا الخيمة    عاجل - قرار تاريخي:الاحتياطي الفيدرالي يخفض الفائدة إلى 5.00% لأول مرة منذ سنوات    أسماء جلال جريئة ومريم الخشت برفقة خطيبها..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    من الأشراف.. ما هو نسب صلاح الدين التيجاني؟    خسوف القمر 2024..بين الظاهرة العلمية والتعاليم الدينية وكل ما تحتاج معرفته عن الصلاة والدعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث المحلة والتحسب من مخاطر النهج الشمولي الأمني
نشر في الشعب يوم 14 - 04 - 2008

أيا كانت الآراء حول نجاح أو فشل و مشروعية الإضراب الذي دعت إليه بعض القوي المجتمعية يوم 6 أبريل و أحداث المحلة الكبرى يومي 7 و 8 أبريل الجاري، فلا يجب أن نخطئ قراءة دلالاته وأن نساق لما تبشر به الصحف القومية ورجال السلطة من محاولات عابثة للتهوين من شأنه أو إنكار لقيام الإضراب ونسبته لقلة مارقة أو عصابات تخريبية ، فالأمر يمثل بكل المعايير تطورا في غاية الأهمية ونذيرا بشر مستطير يهدد أمن مصر واستقرارها، ويتطلب معالجة جديدة واعية وموضوعية تخرج بنا من أسلوب المعالجة الأمنية القمعية لكل نواحي النشاط السياسي والاجتماعي والتعليمي وثقافة تغييب الشعب عن مؤسساته الدستورية البرلمانية والمحلية وخطف إرادته في صياغة دستوره وفي انتخاب نوابه ورؤساء الدولة والمضي في تشغيل المخبز الآلي للقوانين تحت صيحة (موافقة) الشهيرة، فالموقف قد بلغ مرحلة الخطورة علي كيان الدولة ومصير النظام واستقرار الأمن و مصالح والشعب.
وقد يكون من المفيد هنا أن نسترجع تطورات الأحداث وسياسة النظام في الفترة الأخيرة حتى نتوصل لتحليل واقعي وسليم للحالة التي يعيش فيها الشارع المصري والتي أفرزت حراكا سياسيا واجتماعيا لم يعد من الممكن تجاهله والتهوين من شأنه بمفهوم السيطرة الأمنية القمعية واختطاف إرادة الشعب وحقه في حكم نفسه وتقرير مصيره.
فبعد أن أكلنا لحوم الحمير والكلاب النافقة وجمال حديقة الحيوان، وبعد أن تواطأت أجهزة الدولة مع كبار الأثرياء وتمكينهم من الهرب للخارج وغض الطرف عن محاولتهم إخفاء معالم جريمة التضحية بحياة أكثر من ألف مواطن ( حادث العبارة ) وعانت الطبقة الوسطي التي تكاد تضمحل من أطباء وأساتذة الجامعات وموظفي الدولة ( الضرائب العقارية ) ولم يفلت العمال من ظاهرة تدني الأجور واغتصاب الحقوق مما أدي إلي انتشار ظاهرة الاعتصام والتظاهر، وعز علينا شراء رغيف الخبز، وحرم الشعب من إبداء رأيه الحر في الانتخابات الهزلية للحكم المحلي وأدارها النظام بمنظور أمني فج وعبقري وغير مسبوق في فن الانتخابات في الدول المتخلفة وهو التزوير المسبق بمنع المرشحين المعارضين من تقديم أوراق ترشيحهم بالاعتقال والتهديد واستخدام الروتين وغير ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان وإهدار للقانون، وفي هذا السياق المضحك المبكي تتم مسرحية تعرض صورة بعيدة تماما عن الحقيقة تتمثل في أكذوبة كبري هي توجه 30 مليون ناخب إلي صناديق الانتخابات إنكارا لدلالات إضراب 6 أبريل وما تلاه من أحداث المحلة تلك الانتخابات التي فاز الحزب الوطني فيها وبذلك يؤكد النظام قصوره الفكري وفقر ذكائه وانعزاله النرجسي في جزيرة نائية دون وعي ولا اهتمام وبعيدا عن الأوضاع المتفجرة في الداخل والخارج (التجربة الكينية وانتخابات زيمبابوي الأخيرة).
ولو كنت في سدة النظام لاستشعرت بوادر الخطر التي تحيط به من كل جانب وسرت في فكري بوادر قلق شديد علي سلامتي الشخصية وسلامة وأموال أمثالي من المواطنين بل علي سلامة النظام، يؤيدني في ذلك تحذير العقيد القذافي – مهما اختلفت في شأنه الآراء - من أن يلقي بعض الحكام العرب الموالين لأمريكا مصير الشنق مثل الرئيس صدام حسين، ويفوق قلقي علي عمد النظام خشيتي من المساس بالاستقرار في مصر وتهديد أمن المنطقة العربية كلها. ولا تنطلق هذه المخاوف من فراغ ولكنها تقوم علي تحليل واقعي للوضع الداخلي وما تموج به المنطقة من تفاعلات سياسية واستراتيجية. فلا يصح أن يقوم تحليلنا للوضع الداخلي علي تطورات الصراع بين القوي السياسية والمهنية في الداخل بمعزل عما يجري علي الساحة الدولية وما تتعرض له المنطقة العربية من محاولات لرسم خريطتها من جديد وفقا لما ترسمه القوي الكبرى.
ففي تناوله وفهمه الفقير لما يجري خارج الحدود، تغيب النظام عن حضور ثلاث قمم إفريقية وإسلامية وعربية في الشهور الأخيرة وتعاصر ذلك مع زيارات لدول هامشية لا تملك ثقل علي الساحة ولا توجد لها مع مصر مصالح اقتصادية هامة فضلا عن موقفها العدائي للعرب في غزو العراق ( بولندا وتشيكيا ). كما عجز النظام عن التوصل إلي تقدير سياسي موضوعي سليم حول ما تموج المنطقة العربية في الوقت الراهن بتحركات خطيرة الدلالة_ شارك في بعضها دون وعي تحت العباءة الأمريكية - تحمل في طياتها نذر خراب ودمار علي نسق ما عانينا منه في فلسطين والعراق، فطبقا لمفردات الاستراتيجية المعلنة لإدارة بوش باسم الحرب علي الإرهاب والتي تسمح لآلة الحرب الأمريكية الرهيبة الحق في توجيه ضربات استباقية مدمرة داخل دول مستقلة ذات سيادة دون أدني اعتبار لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ترصد عين المراقب تحركات أمريكية قد تكشف عن نوايا عدوانية نيرونية، فبعد الزيارة الخطيرة التي قام بها في المنطقة ما تواتر عن ممارسة ضغوط أمريكية إسرائيلية علي كوريا الشمالية لوقف تعاونها النووي مع طهران وتهديد صريح من السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام يؤكد فيه ضرورة التصدي لإيران. وفي هذا الإطار تدخل جولة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي وكبير صقور المحافظين الجدد في إدارة بوش ومهندس محرقة أفغانستان والعراق لدول المنطقة، وقد ترتبط بها زيارة رايس المنطقة تحت غطاء إحياء عملية السلام دون أن تزور رام الله مكتفية بلقاء أولمرت والملك عبد الله في عمان والتي تتزامن مع زيارتها لموسكو التي مهدت فيها للقاء بوش وبوتين في بوخارست ثم سوتشي وربما كان من الموضوعات المطروحة في ذلك الاجتماع المغلق بين الرئيسين محاولة تحجيم معارضة روسيا المعلنة للحرب ضد إيران.
والخطير هنا هو تعامي النظام عن دراسة وتحليل مغزى الأحداث التي يشهدها المجتمع الدولي في الفترة الراهنة وهي أحداث وتحركات لا تخفي دلالاتها علي أن العلاقات بين القوي الكبرى تشهد إعادة لصياغتها بعد أن بدأت قوي أخري تزاحم تصدر أمريكا كقوة منفردة علي قمة النظام الدولي، ونرصد هنا أن روسيا بدأت بعد نجاحها في إقامة آليات سياسية جديدة تقوم في مجملها علي مشاركة شعبية وفي إعادة بناء اقتصادها علي نمط يأخذ في اعتباره اقتصاد السوق، ومن هنا بدأت روسيا تخفف من سلبية دورها علي الساحة الدولية وبدأت أكثر جرأة علي معارضة بعض السياسات الأمريكية، كما تبدي لنا من متابعة لقاء بوش وبوتين في منتجع سوتشي الروسي في أوائل أبريل الجاري، الذي بدأ بتجسيد نمط جديد من العلاقات بين أمريكا وروسيا لترسيخ التعاون مع روسيا في عدد من المجالات. والتعرف علي نقاط الخلاف وآليات الحوار فيها دون تصادم.
ويتزامن مع هذه التحركات قيام إسرائيل بأكبر مناورات عسكرية ودفاع مدني منذ قيامها ومحاولات التغطية علي هدفها الحقيقي والذي قد يصل إلي توجيه ضربة عسكرية لإيران وسوريا والجنوب اللبناني وربما قطاع غزة كما أفصح تهديد وزير البنية الأساسية الإسرائيلي بن عازر بقدرة إسرائيل علي تدمير إيران - رغم نفي أولمرت رئيس وزراء إسرائيل وجيتس وزير الدفاع الأمريكي نية الهجوم علي سوريا – ومن اسف أن النظام عكس صورة كئيبة يحاول الأمريكان والإسرائيليون وصمه بها وهي ضلوعه وتحالفه مع إسرائيل وأمريكا في المنطقة ومثال ذلك ما أكده يوفال ديسكن رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي من ان القوات المصرية كثفت جهودها لمنع عمليات التهريب الي قطاع غزة موحيا بتعاون مصري إسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وربما يكون الدافع علي تنفيذ هذا القرار الجنوني هو تتويج وترسيخ هدف إدارة بوش المعلن بإقامة شرق أوسط جديد أو كبير. وتتحدث المصادر عن تصميم الرئيس بوش الذي يصنف أمريكيا بالبطة العرجاء في آخر سنوات حكمه السوداء لتوجيه ضربة صاروخية مدمرة لإيران وسوريا والجنوب اللبناني استكمالا لمخطط إسرائيلي أمريكي في القضاء علي آخر بؤر المقاومة في المنطقة.
وتشير بعض الدلائل إلي أن بوش قد يوافق علي مغامرة عسكرية مجنونة في المنطقة دون أن يأبه بمعارضة الكونجرس والأوساط السياسية رغم الخسائر الضخمة في الأرواح والعتاد والأموال التي جرها علي بلاده والعالم كله، ويقول البعض أن الرئيس بوش قد يحبذ توريط أمريكا في حرب تتزامن مع الحملة الانتخابية لسد الطريق علي المعارضين الديموقراطيين داخل الكونجرس وفقا لتقليد أمريكي بتأييد جنودهم أثناء العمليات العسكرية وبذلك يستعيد – في تقديره – مكانته كمدافع عن أمريكا ضد وهم الإرهاب من ناحية ويمهد الطريق لفوز جون ماكين الجمهوري الذي يمثل مجموعات المصالح الخاصة وأهمها لوبي البترول والصناعة الثقيلة والحربية فضلا عن اللوبي اليهودي.
و لا يغيب عن الذهن النتائج الخطيرة التي قد تطال الاستقرار في مصر إلي جانب الدمار الذي يمكن ان تلحقه الضربة العسكرية في سوريا ولبنان وغزة وتحويلهما إلي دول فاشلة علي نحو ما حدث في أفغانستان والعراق وقبل ذلك الصومال وقد تلحقها السودان. وهنا ينبغي علي أي حكومة تعني بصالح بلادها وشعبها أن تتحسب لتداعيات سقوط صواريخ سورية ولبنانية ( حزب الله) علي إسرائيل مما يشعل الجبهة المصرية التي لن يسمح الشعب بانعزالها عما يحدث لشعبنا في هذه الدول. ويخطئ من يتهاون في تقدير هذا الخطر قياسا علي التغاضي الرسمي عن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل مواطنين مصرين برفح المصرية والطفلة سماح علي الجانب المصري من الحدود. واستهتار حراس أمن البارجة التجارية بقتل بمبوطي مصري في مياهنا الداخلية داخل الإقليم المصري، فالغضب الشعبي الذي سيتولد عن ضرب سوريا ولبنان وغزة لا يمكن توقع احتوائه أمنيا اعتمادا علي قوة أجهزة القمع البوليسية، ويؤكد ذلك مدي الخطورة الشديدة للوضع في المنطقة والتي قد يمتد نارها فيطول أمن مصر واستقرارها، وعلي الصعيد الداخلي وبعيدا عن الصورة الوردية التي يرسمها جهابذة وفلاسفة النظام لدوائر صنع القرار فإنه لا يختلف اثنان علي أن مصر تشهد هذه الأيام تدهورا خطيرا في إدارة مرافق الخدمات ومظاهر غير مسبوقة عن حجم وتوحش قوي الفساد والإفساد.
فالفساد السياسي يظهر ويمارس بلا حياء في حرمان الشعب من إبداء رأيه في الانتخابات الرئاسية وتعديل الدستور وتسهيل سيطرة رأس المال علي الحكم والذي يتجسد في السماح بالاحتكار في مواد البناء وغيرها وبيع أراضي الدولة للرأسماليين بسعر رمزي حتى يكسب الحيتان منها مليارات الدولارات وفرض ضرائب علي الشرائح الفقيرة مع التغافل عن المحتكرين من أصحاب المليارات وتقفيل انتخابات المجالس المحلية من المنبع تسهيلا لمسلسل التوريث، واستصدار قانون يسمي بقانون الإرهاب وتكبيل الصحافة ووسائل الإعلام بالقيود بملاحقة الصحفيين بالقضايا الملفقة لتهديدهم بالسجن، بل وصل الأمر إلي محاولة ساذجة لاستئناس الفضائيات بما سمي بوثيقة الإعلام التي أصدرها وزراء الإعلام العرب في سذاجة فكهة وفكر ظلامي لا يعترف بالتطور الذي طرأ علي البيئة السياسية والإعلامية بعد تكنولوجيا الفضائيات والإنترنت التي جعلت تكميم الأفواه وطمس الحقائق من المستحيلات وهو ما ترتب عليه تحجيم قناتي الغربية والجزيرة وإغلاق قناة الحوار علي قمر نايل سات( التي تبث علي القمر الأوروبي ) دون أن تجرؤ علي إغلاق قناة الحرة وبي بي سي فضلا عن ال سي ان ان وسي بس اس وفرنسا 24 وروسيا وقنوات وإذاعات العالم الغربي ، وفي هذا الإتجاه المستخف يواصل النظام سياسة وضع مزيد من القيود علي حرية المواطن وحرمانه من البقية الباقية من حقوق الإنسان، وكان آخرها استصدار قانون غريب لا يتصور تنفيذه بمنع المسلمين من مناقشة شئونهم أثناء صلاة الجمعة وهو حق شرعي خصصت له الخطبة الثانية بما يرقي إلي مؤتمر أسبوعي، والغريب أن يصدر هذا القانون ليقضي علي المكنة الوحيدة الباقية لحرية التظاهر بعد منعها من الشارع وبهذا يكتمل الانسداد السياسي الذي يمكن أن يؤدي إلي الانفجار وإلي فوضي لا يعلم مداها.
ومن أوجه الفساد المالي والإداري ما تفشي في المحليات بدرجة خطيرة اعترف بها أحد أعمدة النظام واصفا إياه بوصوله "إلي الركب" الأمر الذي عطل تنفيذ أحكام الإزالة وإنشاء مرائب للسيارات في كل عمارة والتغاضي عن مخالفات بناء العمارات والطرق التي ما تلبث أن تنهار مهددة المواطنين في حياتهم وأموالهم ما سمي بنزيف الإسفلت، ناهيك عن التغاضي عن قيود الارتفاع في العمارات حتى أصبحت المخالفة هي القاعدة كما شهدنا في مدينة نصر وآخر مثال علي ذلك انهيار عمارة الإسكندرية وإعادة رصف الطرق في فترات قصيرة وإقالة رئيس حي البساتين.
ويستكمل ذلك الفساد والفوضى الإدارية صورته ويجسد وجوده وتوحشه بتوزيع وجبات منتهية الصلاحية علي تلاميذ المدارس وسقوط المئات منهم مرضي بالتسمم، وإقطاعيات الجامعات الخاصة التي نزلت بمستوي التعليم العالي وتعاملت مع رسالة الجامعات علي أساس تجاري لا يعني إلا بالتربح، وموت المرضي بالعشرات في المستشفيات غير الاستثمارية لافتقاد العناية الطبية ( معهد القلب بالمحلة ومستشفي المرج ) ولعدم دفع فردة مالية قبل علاج الحالات الحرجة، وسوء حالة الطرق وتصاعد نزيف الإسفلت وتفاقم أزمة المرور وتكدس سكان القاهرة والمدن المحيطة بها.
ولعل أول ما يستحق الإصلاح ويكرس الفوضى والفساد ويؤدي إلي عجز الوزراء والمسئولين علي التعامل مع المشاكل وحلها، هو تركيز السلطات جميعها في يد رئيس الدولة في ظل نظام شمولي بامتياز يتخفي في غلالة ديموقراطية لا تجوز علي أحد، ففي الآونة الأخيرة فقط تم اللجوء لقرارات السيد الرئيس أزمة رغيف الخبز وزيادة العلاوات الاجتماعية وزيادة الرواتب وفي استكمال الطريق الساحلي 280 كم بين مصر والسودان وتهدئة مخاوف أهالي دمياط وراس البر وتمليك النوبيين منازل بالمجان.
يعكس هذا كله ملامح حكم شمولي قمعي وحكومة رخوة غير فاعلة مشلولة إرادتها يكرس الاستقطاب السياسي( النظام في مواجهة الإخوان ) والاقتصادي (حكومة رجال الأعمال ومصالح الرأسماليين ضد قوت الكادحين ) ويقفد الدولة مقوماتها ويضرب صفحا عن سيادة القانون ( عدم تنفيذ أحكام القضاء وحرمان مواطنين مدنيين من المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي وتقديمهم للمحاكمة أمام محاكم غير مختصة) وإرادة الشعب( التلاعب في الاستفتاءات و الانتخابات ). تفكر بمنطق أمني محدود وتتبني سياسة تغليظ العقوبات لحل مشاكل تتطلب فهما وتناولا سياسيا، ولعل في التناول الأمني لانتخابات المحليات والمعالجة الأمنية لإضراب 6 أبريل وأحداث المحلة الذي أشعل النار في الشارع ولم يحل أزمة الثقة بين الشعب والحكومة.
والأمل أن يقرأ النظام هذا الموقف بتعمق وجدية وفي فكر جديد حقيقي وليس كشعار مظهري الدلالات الخطيرة التي تنبع من نظرة ثاقبة وتحليل موضوعي جاد لإضراب 6 أبريل وأحداث المحلة الأخيرة وأن يقر النظام ويدرك التغير الجذري للمعطيات السياسية والإستراتيجية والاجتماعية والإقتصادية في الداخل والخارج بما لا يمكن معه استمرار نهجه الحالي في خطف إرادة الشعب واستخدام الوسائل الأمنية القمعية في مواجهة الأمور.
هل يحق لنا أن نتعلق بأهداب الأمل في سلامة مصر واستقرارها وفي حقها في التنمية وفي استئنافها لدورها علي الساحة الدولية وفي أن تعود لقيادة أمتها العربية وفي أن تتخلص من التبعية والانصياع لإرادة دولة عظمي وأن تحتمي بدلا من ذلك بشعبها .
القاهرة 8 أبريل 2008
*محام و محكم دولي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.