منذ البدايات الاولى للحرب كانت الحكومة الاسرائيلية قد وضعت سقفاً عالياً جداً لمطالبها عشية الحرب على لبنان وحزب الله، على اعتبار أن الانتصار كما كان في الحروب السابقة، هو تحصيل حاصلٍ وستفرض "اسرائيل" مطالبها وشروطها في نهاية الامر، وان الامر سيُنجَز على الأرض خلال أيام معدودة، بل إن بعض الأصوات سُمِعت في إسرائيل وهي تطالب بمحو لبنان عن وجه الأرض. ولكن- عمليا على الارض وفي ميادين المواجهة والقتال هناك لم تسر الرياح كما تشتهي المؤسسة الحربية الاسرائيلية على الرغم من ان "اسرائيل " رمت بثقلها الحربي المعروف في هذه المعارك المتدحرجة وانقلبت الامور رأسا على عقب وسقطت نظريات ومفاهيم حربية كما سقطت اهداف وآمال وتطلعات سياسية واستراتيجية اسرائيلية ...لم تأت كل هذه في حساباتهم على الاطلاق. فقد كان الإجماع الصهيوني في البدايات الحربية جارفاً ، واخذ يتراجع تدريجيا مع الايام والمعارك والخسائر والهزائم الجزئية المتراكمة ، كما اخذت تلك الأوهام المميتة التي أمسكت بالإسرائيليين تتبدد تدريجيا منذ الأسبوع الأول عندما اتضحت حقيقة المواجهات على الارض و تبيّنت قدرة المقاومة على مواصلة القتال بمنتهى الثقة بالنفس رغم "رعب الصدمة والتدمير الهائل للبنية التحتية" ورغم المذابح الجماعية ضد اطفال ونساء لبنان . لتنقلب كل الحسابات الاسرائيلية راسا على عقب، ولتنسحق التقديرات العسكرية الاسرائيلية، ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة ، وليتحول المشهد الاسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله الى حالة اليأس والاحباط والاحساس بالهزيمة امام هذا ال"حزب الله" الذي لم تلن له قناة ولم يضعف ولم يتفكك بل اراهم المزيد والمزيد من البأس والقدرات والارادة التي لا تهزم ....! وكان من اهم واخطر تداعيات ونتائج تلك الحرب الاسرائيلية المخططة المبيتة على لبنان وحزب الله في صيف/2006 وفقا لجملة لا حصر لها من شهاداتهم واعترافاتهم ووثائقهم هم : " أن إسرائيل ذهلت من عدم قدرة الجيش على إخضاع حزب الله بسرعة وسلاسة وبشكل قاطع- اعتراف الجنرال بنيامين بن اليعازر". و"ان اسرائيل منيت بهزيمة حارقة على يد حزب الله لن تنسى على مدى الاجيال الاسرائيلية /حسب اعتراف كبار محلليهم "، و"ان أجهزة الدولة الاسرائيلية انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب"، و" ان الدولة العبرية مرت بأكثر الأزمات جدية منذ العام 1948/حسب البروفيسور ديف نحامياس"، و"ان الحرب تاعادت اسرائيل جيلا كاملا الى الوراء/ وفق شهادة الباحث بنفنستي "، و"ان نظريات ومفاهيم عسكرية تبناها الجيش الاسرائيلي على مدى عقود قد تساقطت ، واهدافا سياسية واستراتيجية اخرى تحطمت" ...؟!!. وكانت الحصيلة الاستراتيجية لكل ذلك "ان اسرائيل لم تشهد عبر تاريخها اسوأ من ذلك العام/2006". واثر كل ذلك" اخذ الجميع يتهم الجميع في اسرائيل"، و"الجنرالات يتهمون بعضهم بعضا ، والسياسيون يتهمون بعضهم بعضا، والجنرالات يتهمون السياسيين والسياسيون بدورهم يتهمون الجنرالات-وفق شهادة اوري افنيري ". كما "انتهى عهد القادة الكبار في "اسرائيل"وليس هناك شخص واحد من الساسة أو من قادة الجيش أو من الأكاديميين "يحلم به الاسرائيليون-" ، ناهيك عن "ان جنرالات الجيش الاسرائيلي بدأوا "موسم الصيد"و "تصفية الحسابات "الداخلية ، وقد "اعتبر ضباط في الجيش الإسرائيلي تقرير فينوغراد زلزالا/عرب 48/2008/2/2"، وذهبت الامور الى ابعد من ذلك بكثير الى درجة "انتشار هواجس واسئلة البقاء والوجود لديهم على اوسع نطاق"، وهيمنة"رعب المصير الاسرائيلي -كما يقول الكاتب شم- اور"، الامر الذي استدعى المؤرخ الاسرائيلي المعروف توم سيغف ليعلن:" ان الحرب على لبنان تحتاج الى لجنة تحقيق تتالف من مؤرخين ". توقعت مختلف المحافل ان يحدث فينوغراد زلزالا يهز اركان الجيش والمجتمع الاسرائيلي بتوصياته ، وعلى نحو حصري كان من المتوقع ان يسقط التقرير بتوصياته على الاقل رئيس الحكومة بعد ان كان سقط وزير الحرب بيرتس، وقبله رئيس الاركان حلوتس وغيره من الضباط...! فما الذي جرى اذن ليتراجع فينوغراد عما كان متوقعا منه تجاه اولمرت ...؟! فقد تجاوز أولمرت، وفق التحليلات الاسرائيلية أول امتحان بعد نشر تقرير فينوغراد، وضمن وقوف كتلة كديما خلفه في أول جلسة لوزراء حزبه حيث أجمع المتحدثون على ضرورة تجاوز أزمة فينوغراد موحدين، ويستبعد مراقبون أن يكون للتقرير تداعيات على مستقبل الحكومة في الأمد المنظور. ولكن- لعل من اخطر تداعيات التقرير الذي اقر بالهزيمة امام حزب الله انه يوصي في المضمون ايضا بالاستعداد لحرب اخرى قادمة ، وذلك ما اكده على سبيل المثال بعض المحللين في"اسرائيل" الذين قالوا:"أن التقرير في فقراته السرية يدعو المستوى السياسي والعسكري إلى الاستعداد جيداً لحرب جديدة تعيد ما أسماه" قوة الردع" إلى الجيش والدولة التي مسها حزب الله في لبنان/عرب 48/2008/2/2". وفي هذا الاستخلاص تحديدا استخدم الجنرال احتياط عودي شاني الذي أعد تقريراً حول طريقة عمل قيادة الأركان خلال الحرب عبارة "هذا ما سيحدث" داعياً إلى "إعداد الملاجئ المناسبة"، وحذر من "أن على اسرائيل ان تستعد للتعرض لقصف بالصواريخ على أراضيها اذا اندلع نزاع جديد محتمل وأن تتخذ التدابير الضرورية لحماية نفسها"، واضاف "ان الحرب القادمة ستشهد استخداما مكثفا للأسلحة البالستية على كامل الأراضي الاسرائيلية". اذن – حكومة اولمرت سوف تستمر في عملها واجنداتها المختلفة والحربية منها على وجه الخصوص وفق نتائج التقرير، وبات الفلسطينيون والعرب على الارجح وفق التقرير وجملة من التقديرات الاستراتيجية امام احتمالات جدية بحرب جديدة مبيتة وان المسالة انما هي مسالة وقت وتوقيت...! فاولمرت وحكومته واجنداته الحربية والاستيطانية امامنا حتى نهاية العام 2010 وفق المؤشرات والتقديرات الاسرائيلية. فماذا العرب فاعلون ...؟!