رغم احترامي الشديد للكاتب الكبير فهمي هويدي إلا أني أخالفه فيما توصل إليه بالأمس من ضرورة أن يضحي الإخوان رغم مظلوميتهم ويتوقفوا عن الاحتجاجات.. وقد بنى الأستاذ هويدي موقفه بالنظر إلى اعتبارات معينة هي أن كل من السلطة والإخوان غير قادر على حسم المعركة لصالحه واستمرار هذا الوضع يؤدي إلى ضعف مصر وتدهورها.. وأن الوطن والأمة تواجه تحديات خطيرة ويجب أن تكون مصر قوية ومستقرة لمواجهة هذه التحديات.. لذلك يجب أن يتنازل أحد الطرفين ويضحي من أجل الوطن.. ولأن السلطة تملك القوة القاهرة فلا يمكن أن تتنازل.. لذلك على الإخوان أن يتنازلوا ويعلنوا انهم أوصلوا رسالة قوية وأنهم يوقفون الآن كل مظاهر الاحتجاج وعليهم أن ينسحبوا من الشوارع.. وخاصة لأن الانقلابيين يتخذون تلك الاحتجاجات مبررا لفشلهم الاقتصادي والسياسي.. ومنذ بداية الانقلاب لم يكن بوسع الإخوان سوى المقاومة والاحتجاج وهذا جعل الانقلابيين يُسفرون عن وجه شديد الشراسة والاستبداد.. ولا يمكن الخضوع أمام هذا الطغيان لأن ذلك سيوصل رسالة غاية في السلبية لكل الأطراف.. فالعسكر والشرطة سيدركون أن القوة الباطشة المستبدة هي السبيل الوحيد الناجح للتعامل مع أي معارضة.. وشعب الانقلاب سيرى أن القوة والعنف أمور ضرورية ومجدية للاستقرار والتنمية.. والشعب المناهض للانقلاب سيرى أن الإخوان خونة باعوا القضية كما باعوها من قبل وخانوا دماء الشهداء وخضعوا لحكم العسكر لما عاينوا قوته وبطشه.. أو طلبا للسلامة والمغانم..
من ناحية أخرى لن يكسب الإخوان أي شيء من هذا التنازل والتضحية بل سيواصل معهم الانقلاب كل ألوان البطش والحظر والمصادرة والإعدام والقتل.. فقد حزم أمره على الاستئصال سواء خضع الإخوان أو لم يخضعوا.. وكذلك لن يكسب الوطن ولا الإقليم أي شيء من استقرار الانقلاب بل على العكس تماما سيكون نموذجا يحتذى وبداية لموجه من الانقلابات والاستبداد والبطش بمنتهى العنف والشراسة لإعادة إدخال الشعوب إلى حظيرة الطاعة العسكرية والإمبريالية.. أما على مستوى الوطن فلا أدري والله كيف نسى الأستاذ فهمي هويدي أن الحكم العسكري الاستبدادي الباطش يؤدي دائما إلى كل ألوان الفساد المالي والإداري والخراب الاقتصادي والأمني والقضائي والتعليمي وحتى العسكري..
فكل المؤشرات ترجح تورط الجيش في حروب إقليمية لصالح الحلف العربي الصهيوني الذي يدعمه.. ولا استبعد غزو الجيش المصري لغزة.. ولا أستبعد مشاركته في ضرب إيران.. وتأديب أو غزو أي نظام عربي لا يسير على نفس الخط المعادي للإسلام.. وسيكون السودان وليبيا هم أول الضحايا بعد غزة.. والحجة جاهزة.. محاربة الإرهاب وضرب التنظيم الإخواني الذي يكيد لمصر في تلك البلاد..
على العكس تماما يا أستاذنا الكبير.. إن استسلام الإخوان واستقرار الإنقلاب سيكون كارثة على المنطقة كلها وسيُمكن أعدائنا من الفتك بشعوبنا ومقدراتنا بأيدينا وأموالنا ودماء شبابنا.. وسيجعل الاستبداد والحكم العسكري يستمر لمائة سنة أو يزيد.. وستكون تلك جريمة أخرى يرتكبها الإخوان بعد جريمة الغباء السياسي (وهي السماح بحدوث الانقلاب).. فإذا كان كل طرف عاجز عن كسر الطرف الآخر فلا أقل من استمرار الاحتجاج لمنعه من الاستقرار وللحيلولة دون تدميره للوطن والمنطقة..
فبالمنطق العسكري.. يخوض الطرف الخاسر حرب استنزاف ليرهق عدوه ويمنعه من الاستقرار على الأرض التي احتلها.. وهي في حالتنا حرب استنزاف سلمية.. وبالمنطق الاستعماري على جيش الاحتلال أن يرحل إذا كانت كلفة الاحتلال أكبر من مكاسب الاحتلال.. وبالمنطق السياسي سيكسب الإخوان كثيرا بالصمود في وجه الظلم والاستبداد وسيخسر منافسوهم ماء وجوههم ولن يستطيعوا تبرير ما فعلوا وسيذهبون مع الانقلاب إلى الأبد.. فالإخوان الآن يربطون أنفسهم في وجدان الناس بالحرية والديمقراطية والمدنية وتداول السلطة سلميا بينما خصومهم السياسيين قد وصموا أنفسهم إلى الأبد بالديكتاتورية والاستبداد والعسكرة والفاشية والعنصرية والإقصاء وبث الكراهية والتحريض على العنف ومباركة القتل والحرق.. فهم إلى زوال أكيد ومؤبد.. لذلك كله أرجو ألا يلتفت الإخوان لدعوة الأستاذ فهمي هويدي.. مع احترامنا وتقديرنا لمفكرنا الكبير وإقرارنا له بالإخلاص والنصح والأستاذية..