عودة المدارس 2024.. محافظ القليوبية يشهد طابور الصباح وتحية العلم    الرابط المعتمد لنتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 عبر الموقع الرسمي فور إعلانها    عقب إلقائها قصيدة شعر.. وزير التعليم يشيد بموهبة طالبة بإحدى مدارس قنا (فيديو)    محافظ الإسكندرية يصدر حركة تنقلات بين قيادات ديوان عام المحافظة    برلماني: منتدى شباب العالم أصبح على أجندة مجلس شباب الأمم المتحدة    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم الأحد 22 سبتمبر    البورصة المصرية تستهل بداية التعاملات بارتفاع جماعي لكافة المؤشرات    وزير قطاع الأعمال يشارك في افتتاح ملتقى "بناة مصر" في دورته التاسعة    إصدار شهادات تجديد سريان تصاريح وتراخيص توزيع وبيع الطاقة الكهربائية لبعض الشركات    ليتشيانج: مصر والصين شريكان في تحقيق التنمية المشتركة    ترامب يحسم موقفه من دعوة هاريس لمناظرة ثانية.. فماذا قرر؟    بث مباشر مباراة مانشستر سيتي وآرسنال بالبريميرليج    قرار من جوميز بشأن قائمة الزمالك التي ستسافر إلى السعودية لخوض السوبر الأفريقي    مفاجأة بشأن مصير «جوميز» مع الزمالك بعد السوبر الإفريقي    أخبار الأهلي: مفاجأة بشأن أشرف داري.. شوبير يكشف تشكيل الأهلي أمام الزمالك في السوبر الإفريقي    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 23 سبتمبر    سقوط ديلر بحوزته كوكايين ب10 ملايين جنيه بالقاهرة    تغيب مجدي شطة عن جلسة محاكمته بالاتجار والتعاطي في مواد مخدرة    إصابة 12 شخصاً في حادث تصادم بالشرقية    «عدم انتظام ضربات القلب».. تطورات الحالة الصحية للفنانة آثار الحكيم    الليلة.. حفل غنائي لمجد القاسم على هامش مهرجان الغردقة السينمائي    الأكثر عدوى.. الصحة العالمية توضح كيفية الوقاية من متحور فيروس كورونا الجديد إكس إي سي؟‬    ضمن مبادرة "بداية جديدة".. اتحاد شباب كفر الشيخ ينظم قافلة طبية    مكون سحري في مطبخك لعلاج الإمساك بسهولة    محافظ بورسعيد يحيل 10 مدرسين ومدير للنيابة الإدارية    مليون جنيه في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    محافظ الدقهلية يتفقد مجمع مدارس طلخا في أول يوم دراسة..صور    أسعار البيض اليوم الأحد تنخفض في الأسواق (موقع رسمي)    وزير الشباب والرياضة يشيد بحرص القيادة السياسية على تطوير المنظومة الرياضية    السوبرانو داليا فاروق وعازف الجيتار موريلياس يتألقان في "رودريجو.. روح إسبانيا" بدار الأوبرا    جامعة قناة السويس تشارك فى منتدى بكين الثقافي بالصين    في ذكرى الانتهاء من أعمال نقله.. معبد أبو سمبل| أيقونة السياحة المصرية بأسوان    مصرع وإصابة 47 شخصا إثر وقوع انفجار في منجم للفحم شرقي إيران    الصناعة: السبت المقبل اجتماع مع مستثمري محافظة قنا ضمن اللقاءات الدورية مع أصحاب المصانع    طرح 70 ألف وحدة سكنية ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    لترشيد الكهرباء.. تحرير 148 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    مزاجك من أمعائك- إليك السر    موعد مباراة العين الإماراتي وأوكلاند سيتي في افتتاح بطولة كأس القارات للأندية 2024    بمختلف المحافظات.. رفع 54 سيارة ودراجة نارية متهالكة    ب«التكاتك والموتوسيكلات».. توافد طلاب البحيرة على المدارس في أول أيام العام الدراسي الجديد    "كلامه منافي للشرع".. أول تعليق من على جمعة على تصريحات شيخ الطريقة الخليلية    مدارس دمياط تكرم أبناء شهداء الشرطة في أول يوم دراسي "صور"    خطيب المسجد النبوي يُحذر من الشائعات والخداع على وسائل التواصل الاجتماعي    أسعار الخضروات اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024 في الأقصر    "دعونا نواصل تحقيق الإنجازات".. كولر يوجه رسالة لجماهير الأهلي    الشيخ أحمد ترك لسارقي الكهرباء: «خصيمكم 105 ملايين يوم القيامة» (فيديو)    ساعات برندات وعُقد.. بسمة وهبة تكشف كواليس سرقة مقتنيات أحمد سعد في فرح ابنها (فيديو)    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    اليوم.. إسماعيل الليثي يتلقى عزاء نجله في «شارع قسم إمبابة»    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم عنبتا شرق طولكرم ويداهم عدة منازل    وزير الخارجية يلتقى المفوض السامي لحقوق الإنسان بنيويورك (صور)    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    والد أشرف داري يكشف موقفه من مباراة الزمالك في السوبر الإفريقي    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    نتنياهو يدعو بن غفير وسموتريتش لمشاورات أمنية عاجلة    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة دى ولا انقلاب
نشر في المصريون يوم 16 - 09 - 2013

إن التوصيف الصحيح لما حدث يومى 30 يونيو و3 يوليو هو المدخل الصحيح للتعامل مع الأزمة التى نعيشها الآن،ولذلك فإن مايطالب به البعض بعدم التوقف عند ما تم يوم 30 يونيو وهل هو ثورة أو انقلاب ,وأن الزمن تجاوز هذه النقطة غير صحيح وإلا لماذا كل هذه الجهود والاتصالات الدبلوماسية
والشعبية التى تقوم بها الطغمة الانقلابية للتسويق ليوم 30 يونيو على أنها ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا فى سابقة فريدة من نوعها.. فالثورة لاتحتاج لحملة علاقات عامة والدوران حول العالم والطواف حول السفارت الأجنبية لإقناع العالم بأنها ثورة فلم يحدث هذا فى ثورة 25 يناير الذى سارع العالم للاعتراف والإشادة بها ولو أن الأمر بهذا الوضوح فى 30 يونيو ما احتاج الانقلاب الى بذل كل هذا الجهد لإقناع العالم بها ولما امتنعت معظم دول العالم عن الاعتراف بالنظام الجديد وتوصيف ماحدث فى 30 يونيو على أنه ثورة بالرغم من مرورأكثر من شهرين على هذا الحدث.. لهذا باءت كل المحاولات الدبلوماسية التى قامت بها الطغمة الانقلابية بالفشل لأن سياسات الدول لاتقوم على العواطف، فضلا على أنها ليست فى حاجة لجهود الانقلاب لمعرفة حقيقة وواقع ماحدث فى مصر فى عالم يوصف بالقرية الصغيرة فضلا عن الدور الذى تقوم به سفارات هذه الدول فى القاهرة من قراءة ومتابعة دقيقة لما يجرى فى مصر
إن فهم حقيقة مايجرى الآن فى مصر يتطلب الرجوع الى يوم 11 فبراير عندما تنحى مبارك عن الحكم وتولى المجلس العسكرى السلطة،والذى لم يتعامل فعليا وواقعيا مع ماحدث يوم 25 على أنه ثورة فلم يتعد الوضع بالنسبة له التخلص من رأس النظام سواء لمعارضتهم التوريث أو لإرضاء الشعب الساخط على حسنى مبارك مع الإبقاء على جسد النظام كاملا،ولهذا لم يقدم المجلس على عملية تطهير لمؤسسات الدولة التى كان يجب أن تعقب الثورة بل إن بعض الخطوات التى أقدم عليها المجلس جاءت نتيجة الضغط الشعبى مثل محاكمة مبارك، أوبناء على أحكام قضائية مثل حل الحزب الوطنى والمجالس المحلية
وأخذ المجلس العسكرى فى المماطلة والتسويف فى الاستجابة للمطالب الثورية بتطهير المؤسسات،وعمل المجلس العسكرى على المحافظة على جسد النظام بل وإطالة فترة بقائه فى السلطة لولا الثمن الذى دفعه شباب الثورة من دمائهم لإجبار المجلس العسكرى على تحديد ميعاد لإنهاء الفترة الانتقالية .. بل حاول المجلس الدفع بالفريق عنان للترشح لرئاسة الجمهورية لولا العقبات القانونية التى حالت دون هذا الترشح، وعندما أجريت انتخابات الرئاسة وفاز د مرسى بالرئاسة لم تتقبل أجهزة الدولة ومؤسساتها هذا الأمر وعملت على عرقتله وإفشاله منذ اليوم الأول ،وهذا أمر قد يبدوا طبيعيا لبعض مؤسسات القوة فى الدولة التى كانت مهمتها طوال عقود محاربة ومطاردة الإخوان واعتبارهم خطرا يهدد الأمن القومى
وبالنسبة لقادة المؤسسة العسكرية فيبدوا أنه كان من الصعب عليهم تقبل أن يتولى مدنى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952 فضلا عن اعتقادهم أنهم هم المسؤلون بالدرجة الأولى عن الأمن القومى المصرى فضلا عن الرؤية الإسلامية التى يحملها د مرسى والتى تتعارض مع رؤية قادة الجيش وعلى رأسهم وزير الدفاع ورئيس الأركان اللذان تلقيا تعليمهم العسكرى فى الولايات المتحدة ومن الواضح من تصريحات السيسى رؤيته المعارضة لرؤية الإخوان وترديده نفس الاتهامات التى يرددها المعادون للإخوان مثل اتخاذ الإخوان الديمقراطية سلما وإن كان زاد عليهم أنهم لم يلقوا السلم بعد وصولوهم بل اخذوه معهم!!! وأنهم لايعون وظيفة الدولة وأنهم يسعون لإمبراطورية إسلامية ويفتقدون معانى الوطنية
ومن الواضح أنه كان هناك مخطط واضح يقوده مايسترو أو الرجل الكبير على طريقة الأفلام المصرية، والذى يقود الموقف ويحرك الأحداث دون أن نعرف شخصيته إلا فى نهاية الفيلم فمنذ اليوم الأول لتولى الرجل المسؤلية وحالة من التربص تحيط به من كل جانب تقودها آلة إعلامية جهنمية على رأسها الفضائيات التى عملت على زرع الإحباط واليأس بجانب بعض القضاة الذين عملوا على عرقلة استكمال مؤسسات الدولة لقد كشف الانقلاب عن قوة مايسمى بالدولة العميقة والذى أعتقد أن الكثيرين لم يكونوا يعتقدون أنها بكل هذه القوة والشراسة بحيث أسقطت رئيس الجمهورية بكل سهولة ويسر بالرغم من الأكاذيب التى روجوها عن الأخونة التى قالوا وزعموا أنها طالت كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والداخلية
وهكذا واجه الرئيس "الممتحن" محمد مرسى عاما من المعاناة والألام استطاعت قوى التأمر فى الداخل أن تغرقه فى كثير من المشكلات التى أدت الى سخط الناس وعلى رأسها مشكلات السولار والبنزين وانقطاع الكهرباء وغياب الأمن وسط دعم من قوى التأمر فى الخارج سواء الولايات المتحدة وحليفها الكيان الصهيونى أودول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية اللتان شاركتا ودعمتا الانقلاب
لقد تحدث مرسى كثيرا عن المؤامرات التى تحاك ضد مصر وتعرض لحملات من التشويه والتكذيب ومحاولة وضعه فى موقف حرج بمطالبته بالكشف عن هذه المؤامرات ،وهو أمر كان ربما من الصعب عليه القيام به لما سيترتب على ذلك من سلبيات وأضرار ربما تكون - من وجهة نظره - أكثر من الإيجابيات التى ستتحقق جراء الكشف عنها فهل كان من المستساغ أن يخرح مرسى ليتهم الإمارات بالتآمر ضد مصر،أويتهم أجهزة من المفروض أنها تعمل تحت قيادته بالتآمر عليه؟
لقد تولى مرسى السلطة وأجهزة الدولة ومؤسساتها تمتلىء بأنصار النظام القديم وكانت محاولة تطهير بعض الموسسات تصطدم بقضية الشرعية الثورية والشرعية الدستورية.. فإذا أقدم على عزل النائب العام خرجوا يتحدثون عن الشرعية الدستورية والقانونية وأنه ليس من حقه إصدار إعلانات دستورية، وكنت تجد من كانوا ينادون بعزل النائب العام وتطهير القضاء فى التحرير هم أول المعارضين لعزل النائب العام.. لقد واجه مرسى مشكلات جمة مابين مؤامرات داخلية وخارجية وتنكر مايسمى بالقوى المدنية للمبادىء التى تتشدق بها وسعيها ومطالبتها بتدخل الجيش فضلا عن معارضة بعض القوى الشبابية لسياسة مرسى وحجم التطلعات الكبير لدى الشعب والتى تفوق إمكانيات الدولة
من المؤكد أن حجم وكم التحديات والمؤامرات لاتعفى مرسى من تحمل جزء ليس بالقليل من المسؤلية وقد اعترف الرجل بارتكاب بعض الأخطاء وأعتقد أن هذه التجربة يجب أن تخضع للمراجعة فى الوقت المناسب وبعد أن تتكشف حقيقة ماجرى خلال هذا العام
فى هذه الأجواء المحتقنة ظهرت حركة تمرد وحملة جمع التوقيعات التى تطالب بسحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة والدعوة لمظاهرات 30 يونيو.. وبصرف النظر عن حقيقة حركة تمرد وهل هى من صنع أجهزة الدولة العميقة، أو أنها استقطبت بعض عناصرها الرئيسية فإن المؤكد أن المؤسسة العسكرية وجدت فيها وفى جبهة الإنقاذ وغيرها من الحركات المختلفة التى كانت تستدعى الجيش للتدخل فرصة للقيام بالانقلاب العسكرى مع توفير غطاء شعبى لإظهار تحرك الجيش على أنه استجابة للإرادة الشعبية
وهكذا جرت عملية حشد مركزة يوم 30 يونيو شاركت فيها عناصر متباينة فى الأهداف والتوجهات ويمكن تحديد العناصر التى شاركت فى هذا اليوم فى الحشد الطائفى التى تبنته الكنيسة ،وأعضاء الحزب الوطنى وأنصار نظام مبارك ومن تم حشدهم بالمال وأحزاب المعارضة والكارهين للإخوان،والقوى الشبابية والثورية المعترضة على سياسة مرسى والتى اعتقدت أن هذه المظاهرات هى موجة ثورية جديدة لاستكمال أهداف ثورة 25 يناير.. بالإضافة الى أناس ليس لهم انتماء سياسى خرجوا معترضين على سوء الأوضاع الحياتية
ثم جاء تحرك القيادة العسكرية وبسرعة خاطفة وبعد بضع ساعات من المظاهرات لتوجه إنذار صريح وواضح للرئيس خلال 48 ساعة ثم كان إعلان الانقلاب يوم 3يوليو فى إخراج مسرحى شاركت فيه بعض الرموز الدينية والسياسية لإضفاء مشهد يوحى بتوافق فئات المجتمع المختلفة،وأن ماحدث موضع رضا الجميع وأنه جاء استجابة للإرادة الشعبية
وهكذا انتهت المؤامراة على مرسى بانقلاب عسكرى واضح المعالم مكتمل الأركان كما تعرفه كل قواميس وعلوم السياسة فى العالم بأسره تمثل فى إزاحة واختطاف الرئيس الشرعى المنتخب، وهدم كل الموسسات المنتخبة وتقييد الحريات وتكميم الافواه واتباع كل الممارسات التى تنتهجها النظم الانقلابية
ومن المهم التوقف عند الحجج التى يسوقها قادة الجيش للتدخل والتى ترتكز بالأساس على المظاهرات الشعبية التى خرجت يوم 30 يونيو والتى عبرت – حسب زعمهم - عن الإرادة الشعبية التى استجاب لها الجيش، وهى الحجة الوحيدة التى يواجه بها كل مؤيدى الانقلاب من يتحدث عن الانقلاب فليس على لسانهم سوى 30 يونيو، وأن الجيش تدخل لحقن الدماء ومنع الحرب الأهلية التى كانت تهدد البلاد
وإذا سلمنا بكل الحجج الذى سيقت فى هذا الصدد، وإذا سلمنا أن قادة الجيش لم يكن لهم أى يد فى المظاهرات التى حدثت وأنهم فقط تحركوا من منطلق الحرص على مصلحة الوطن رغم أنهم ليس من حقهم التدخل فى الشأن السياسى، وتوجيه الإنذارات الى رئيس الجمهورية الذى من المفترض أنهم يعملون تحت رئاسته إذا سلمنا بهذا فهل كان الموقف الذى اتخذوه هو الموقف الصحيح؟
نأتى لحجة الحشود التى خرجت يوم 30 يونيو والإلحاج على أن هناك 33 مليون مصرى خرجوا فى هذا اليوم فمن حيث المبدأ هل يستقيم لإحداث تغيير فى بلد على طريق التحول الديمقراطى الاحتكام الى حشود
شعبية أم الى الألية الوحيدة التى يعرفها العالم الديمقراطى وهى صناديق الانتخابات الحرة والنزيهة،والتى تعبر بدقة عن الإرادة الشعبية، وإذا كانت قوى المعارضة تملك كل هذه الملايين فلماذ لم تسلك الطريق الطبيعى وهو دخول الانتخابات البرلمانية التى تتيح لها إذا حصلت على الأغلبية تشكيل الحكومة التى تملك كل السلطات ماعدا السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومى.. كما تملك إذا حصلت على أغلبية الثلثين ايقاف رئيس الجمهورية عن العمل وإحالته للمحاكمة والسؤال الآن أيهم كان أجدى السير فى الانتخابات البرلمانية التى لوسارت فى طريقها الطبيعى لكنا الآن نعيش فى ظل الحملات الانتخابية لها أو على الأقل فتح باب الترشح أم ما نعيشه الآن بعد الانقلاب العسكرى؟!!!
وإذا عدنا الى قضية الحشود فإن المظاهرات فى الدول الديمقراطية هى وسيلة للتعبير عن رفض موقف أوسياسات معينة وليست وسيلة للتغيير لقد نزلت الملايين للاعتراض على موقف بوش من غزو العراق ولكن لم يطالب أحد فى أمريكا بانتخابات مبكرة،ولا قام وزير الدفاع الأمريكى بالانقلاب على بوش بحجة اعتراض ملايين الأمريكان عليه فالتعلل بالحشود والمظاهرات الشعبية يفتح باب للفوضى لأن فى كل الأحوال سيوجد ملايين لا ترضى عن سياسة الرئيس أوالحكومة القائمة ولوتحركت هذه الملايين فى الشارع وتم الاستجابة لها فلن يمكث نظام فى الحكم لعدة أسابيع، ومع ذلك فلابد من التوقف عند الأعداد التى زعموا أنها نزلت فى 30 يونيو لقد تم التركيز على رقم محدد وترديدده حتى يتم تثبيته فى الذهن والتعامل معه على أنه حقيقة لا تقبل الجدل والحقيقة أن المرء لم يكن ليقف لمناقشة هذا العبث لولا أن المسوغ الوحيد الذين يستندون عليه فيما قاموا به من انقلاب وهدم لجميع مؤسسات الدولة المنتخبة هى مظاهرات 30 يونيو وأنها تعبير عن الشرعية الشعبية ،وإذا سلمنا بالاستناد الى حكاية الحشود فيجب عليهم أن يوضحوا الأليات التى تحكم نظرية الحشود فكما توجد أليات محددة تحكم العملية الانتخابية مثل اشراف القضاة ووجود مندوبين ومراقبة من جانب الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى الى غير ذلك من أليات ووسائل فيجب أن يكون هناك ألية نعرف من خلالها عدد المشاركين فى التظاهرات ومن الذى سيقوم بهذا الاحصاء ومعرفة الأعداد المؤيدة والمعارضة!!!!
ومع ذلك نتوقف عند رقم ال33مليون وهو رقم يصعب تصورحشده سواء من جانب المؤيدين أوالمعارضين على حد سواء استنادا للعقل والمنطق فإذا استبعدنا من عدد سكان مصر المصريين بالخارج، وعدد الأطفال، وهم يشكلون نسبة كبيرة من سكان مصر بالاضافة الى كل العاملين بالمحلات والمصانع والمؤسسات المختلفة التى تعمل مساءا وإذا استبعدنا المؤيدين والمتعاطفين معهم وكذلك الملايين التى لايعنيها بقاء مرسى أو ورحيلة يصبح من المستحيل وجود هذه الأعداد فى الميادين ثم يبقى السؤال من الذى قدر هذه الأعداد وعلى أى أساس؟
الواقع أنه لاتوجد إجابة خاصة أن بعض الجهات التى قيل إنها قدرت أعداد المتظاهرين مثل جوجل ايرث نفت ذلك فضلا عن أن هناك تباينا واضحا فى التقديرات مابين 33 مليون وهو الرقم الأثير لدى الطغمة الانقلابية الى 30 و20 و17 و14 الى أقل من ذلك بكثير - كما سنرى - وهو تباين يصل بين بعض التقديرات وبعضها البعض الى عدة أضعاف وهو ما يقدح فى صحة هذه الأرقام وهو أمر طبيعى لأنة لاتوجد أى وسيلة عملية لتحديد أعداد أى مظاهرة ولو أجرينا تجربة بسيطة وطالعنا عدة جرائد فى صباح إحدى المليونيات أوالمظاهرات لوجدنا تباينا كبيرا فى تقدير أعداد المتظاهرين ولن نجد اتفاقا بين جريدتين اثنتين فقط حول عدد المتظاهرين
وقد نشر موقع " ميدل ايست مونيتور " تقريرا حول الأعداد التي شاركت يوم 30 يونيو حيث قام باحثون غربيون باستخدام مسطرة Google Earth لقياس حجم استيعاب ميدان التحرير والأماكن المحيطة به وذلك باستخدام معادلة أربعة أشخاص لكل متر مربع، وقد انتهى الباحثون الى أن المجموع الكلي للمتظاهرين في ميدان التحريروالاتحادية يبلغ حوالي 632 ألف شخص وحتى إذا تمت زيادة الأرقام، فإن عدد المتظاهرين يوم 30 يونيو لا يمكن أن يزيد عن بضع ملايين من الناس في مصر كلها .. من الواضح أن المبالغة الشديدة فى أعداد المتظاهرين وقيام طائرة عسكرية بتصوير حشود المتظاهرين كان الهدف منه إضفاء الجيش المشروعية على الانقلاب العسكرى
أما فيما يخص أن تدخل الجيش كان لتجنب البلاد الحرب الأهلية وسفك الدماء فإن هذا المبرر يشكل إدانة لتدخل المؤسسة العسكرية لأن معنى وجود حرب أهلية أن هناك طرفين ومعنى تدخل الجيش لصالح طرف لتجنب الحرب الأهلية أن هناك احتمالا لقيام الطرف الأخر بأعمال عنف تؤدى الى حرب أهلية إلا إذا كانت واثقة أن الطرف الآخر وهو الإخوان لن تلجأ للعنف، أما تجنب سفك الدماء فإن الدماء التى سالت والمذابح المروعة التى حدثت أكبر رد على هذه الحجة
إذن ما هو الدور الذى كان من المفروض أن يقوم به الجيش إذا كان بعيدا فعليا عن المشهد وليس له دورفى تحريك الأحداث؟
إن الدور المفروض أن يقوم به هو أن يظل بعيدا عن المشهد وأن يترك المظاهرات والاعتصامات تأخذ مجراها الطبيعى كما كان يعلن المنظمون ليوم 30 يونيو أن تحركاتهم سلمية وأنهم سيعتصمون أمام الاتحادية وأن دخول شهر رمضان لن يثنيهم عن الاعتصام وكان دور الشرطة والجيش هو تأمين المتظاهرين والمعتصمين ومنع أى احتكاك إن وجد بين المؤيدين والمعارضين، وأعتقد أن ماقامت به الشرطة والجيش بعد ثورة 30 يونيو المجيدة!!! يدلل على قدرتهم على ذلك
لقد كان تواصل الاعتصام سيترتب عليه عدة احتمالات :.
الاحتمال الأول:. تزايد الاحتجاجات وأعداد المعتصمين بأعداد لا وجه للمقارنة بينها وبين أى حشود أخرى خاصة فى ظل حرية الاعتصامات والمسيرات التى كانت متاحة والتى كانت تسمح للمتظاهرين بالوصول لأسوار الاتحادية بل وإعتلاء الأسوار وقذف المولوتوف ومحاولة خلع أبوابه دون أن يطلق عليهم الرصاص الحى وفى هذه الحالة كان سيؤدى الضغط الشعبى الواضح الى الاستجابة الى مطالبهم وبهذا تكون هذه الاحتجاجات قد حققت اهدافها بطريقة شعبية لامجال للتشكيك فيها
الاحتمال الثانى:. أن تقل وتنحسر أعداد المتظاهرين مع الوقت وتنتهى هذه المظاهرات دون أن تحقق أهدافها
الاحتمال الثالث:.أن يكون هناك حشود متوازنة بين المؤيدين والمعارضين وأن يتم التوصل الى حلول وسط بين الفريقين، أو تكون هناك مبادرة تعمل على تقليل أعداد المعارضين وتؤدى الى إنهاء الأزمة كما حدث فى أزمة الإعلان الدستورى
الاحتمال الرابع :. وهو أسوأ الاحتمالات وهو انفلات الوضع الى الفوضى وعدم السيطرة عليه وهنا قد يجد الكثيرون مبررا لتدخل الجيش وتقبل هذا الأمر
لقد انتظر الجيش فى ثورة 25 يناير 18 يوم ،وأعطى فرصة لمبارك لحل المشكلة بل وتواطأ فى بعض المواقف كما حدث فيما يعرف بموقعة الجمل ولم يتدخل ليطلب من مبارك التنحى إلا بعد أن اتضح صعوبة السيطرة على الموقف ،وأن رحيل مبارك هو الحل للأزمة التى تعيشها البلاد مع الفارق بين ثورة 25 ينايروانقلاب 30 يونيو، ففى25 يناير كانت هناك ثورة على نظام استبدادى ديكتاتورى قمعى استمر لثلاثين عاما سدت فيه كل وسائل التغيير عبر الأليات الديمقراطية ،وهى ثورة حظيت برضا الأغلبية الساحقة من المصريين فلم تخرج جموع حاشدة للدفاع عن هذا النظام والتظاهر والاعتصام من أجله ،وتأكد ذلك عبر صندوق الانتخاب فى الانتخابات البرلمانية حيث لم يحقق المرشحون المنتمون لنظام مبارك سواء عبر الأحزاب أوالفردى نتيجة تكاد تذكر ولم يفز منهم إلاعدد محددود للغاية فى دليل واضح على حالة العزل السياسى التى فرضها الشعب عليهم
لقد كانت عوامل الثورة حاضرة بقوة فى نظام مبارك من شعور بالظلم والاستبداد والفساد أما فى 30 يونيو فما هى العوامل التى تدفع الى ثورة ضد رئيس منتخب هل كان ديكتاتورا مستبدا؟
أعتقد دون خوض فى التفاصيل أن المقارنة قبل 30 يونيو وبعده هى فى صالح مرسى على كل الأصعدة بما فيها الصعيد الاقتصادى والحديث عن انخفاض شعبية الرئيس نتيجة سوء الأداء ليس مبررا لثورة فى أى نظام ديمقراطى فالرئيس الفرنسى هولاند الذى تزامن انتخابه مع مرسى تقريبا انخفضت شعبيته للحضيض ومع ذلك لم يخرج الفرنسيون للمطالبة بالثورة عليه، والرئيس الأمريكى أوباما انخفضت شعبيته بصورة حادة فى إحدى الفترات ومع ذلك استطاع أن يسترد شعبيته ويفوز بفترة رئاسية ثانية فالشعبية ليست ثابتة بل تتعرض للارتفاع والانخفاض فى كل دول العالم الديمقراطى وفى النهاية يتم الحكم على أى رئيس فى نهاية الفترة الدستورية من خلال صناديق الانتخاب ..فالحكم على أى رئيس يكون بالجملة وليست بالقطاعى لأننا لو استخدمنا نفس هذه الحجة فيجب على من خرجوا على مرسى لسوء الأداء - إن كانوا صادقين - الخروج على الحكومة الانقلابية الفاشلة حاليا ومع هذا لو افترضنا أن أداء مرسى وصل لمرحلة من السوء لايمكن تحملها فقد كانت هناك فرصة للتغيير من خلال الانتخابات البرلمانية التى كانت على الأبواب
لقد كان التحرك السريع للجيش بتوجيه الإنذار للرئيس المنتخب غير مبرر ولا يمكن فهمه إلا فى ضوء أن لهم يدا فى استدعاء هذه المظاهرات لاتخاذها غطاءا لتبرير الانقلاب ،وأنه جاء استجابة للإرادة الشعبية ،وحتى لو افترضنا جدلا أنه ليس لهم يد فى تدبير هذه المظاهرات فإن أقل وصف لتحركهم أنهم "ما صدّقوا!!!"
لقد كانت هناك خيارات أمام الجيش أفضل للتعامل مع الموقف مثل التدخل بين الطرفين للتوصل الى حل وسط،وأعتقد أن تدخل الجيش كان سيتم الاستجابة له، وحتى على فرض أن مرسى رفض اقتراحات الجيش - مع أن المبادرة التى قدمها تتفق مع ما جاء فى خريطة الطريق التى طرحها الجيش تقريبا باستثناء عزل واختطاف الرئيس - فإن المطلب الذى كان مطروحا من تظاهرات 30 يونيو كان انتخابات رئاسية مبكرة.. فلماذا لم يدع الجيش بعد أن قام بالانقلاب الى هذه الانتخابات المبكرة داخل الشرعية الدستورية.. إن هذه الدعوة للانتخابات كانت ستبرىء ساحة الجيش من الاتهام بالرغبة فى التدخل والعودة الى الساحة السياسية لأن هذة الانتخابات كانت ستجرى خلال ستين يوما وستوضح بجلاء حقيقة الإرادة الشعبية كما كان سيعقبها الانتخابات البرلمانية
والغريب أنهم وضعوا الانتخابات الرئاسية فى نهاية خريطة الطريق والوضع الأشد غرابة أنهم أتوا برئيس المحكمة الدستورية كرئيس مؤقت وحكاية تولى رئيس المحكمة الدستورية كانت موجودة فى دستور 1971..ففى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية فإنه يتولى منصب الرئيس رئيس مجلس الشعب وفى حالة عدم وجود مجلس الشعب يتولى رئيس المحكمة الدستورية منصب الرئاسة على أن تجرى انتخابات الرئيس خلال ستين يوما ،ومن الواضح من هذا النص أن تولى رئيس مجلس الشعب أورئيس المحكمة الدستورية كان الهدف منه إدارة البلاد لمدة محدودة حتى يتم إجراء الانتخابات،وقد طبق هذا النص مرة واحدة بعد مقتل السادات عام 1981 حيث تولى صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب منصب الرئاسة حتى أجريت انتخابات الرئاسة وقد استغرقت فترة رئاستة أقل من أسبوعين، وقد الغى دستور2012 مسألة تولى رئيس المحكمة الدستورية الرئاسة ،وحتى لو جىء برئيس المحكمة رئيسا مؤقتا حتى إجراء انتخابات الرئاسة لكان ممكن تقبل الأمر على أساس أنه ليس من الملائم تولى أحمد فهمى الرئاسة المؤقتة طبقا للدستور وهو من نفس حزب مرسى
ولكن الغريب أن يأتوا برئيس المحكمة الدستورية لتولى الرئاسة مؤقتا بعد قيام ما يطلقون عليه ثورة 30 يونيو!!! فما علاقة رئيس المحكمة الدستورية بالثورة وهل أصبح من يعمل بهذه الوظيفة فى مصر ثوريا !!!
فإذا كنتم تعتبرون 30 يونيو ثورة فالمفروض أن يتولى قيادة البلاد قائد الثورة، أو تشكيل مجلس قيادة الثورة ليعمل على تحقيق أهداف الثورة.. فهل رئيس المحكمة الدستورية هو قائد الثورة وكيف علمتم مدى ثوريته وإيمانه بهذه الثورة؟!!! وماهى قدراته السياسية التى تؤهله لقيادة البلد فى ظل هذه الأزمة التى نعيشها خاصة أن الرجل سيتولى منصبه لمدة 9 شهور هذا إذا تم الالتزام بما يسمى خريطة الطريق .. بل الغريب أن الرجل سيكون رئيسا معينا فى وجود مجلس شعب منتخب حسب هذه الخريطة،والرجل جاء لهذا المنصب بصفته الوظيفية وليس بصفته الشخصية والمفترض أنه طوال عمره - والرجل يقترب من السبعين - بعيدا عن العمل السياسى بحكم وظيفته من الواضح أنه جىء به ليشكل واجهة مدنيه تخفى خلفها حقيقة الحكم العسكرى للبلاد،ولتجنب تشكيل مجلس رئاسى يثير المشكلات حول تشكيله أعضاءه، والخلافات التى قد تنشأ بينهم!!!
كما كانت هناك فرصة لأهل الانقلاب لإبراء ذمتهم ودوافعهم لهذا الانقلاب عن طريق إجراء استفتاء حول خريطة الطريق التى وضعوها وهو الأمر الذى كان سيضعف حجة الرافضين للانقلاب إذا رفضوا الاستفتاء على أساس أن ما بنى على باطل فهو باطل على أساس أن الاستفتاء معناه الاحتكام للشعب الذى هو مصدر السلطات.. كما أنه يتم وفق ألية محددة لاخلاف عليها، ولكن تم رفض إجراء استفتاء لأنه ببساطة شديدة سيدحض أكذوبة 30 يونيو وحكاية ال33 مليون لأنه إذا صدقنا حكايه ال33مليون وافترضنا أن عدد المعارضين للانقلاب نصف عدد المؤيدين أى 16.5 مليون فيكون المجموع ،49.5 وإذا كان عدد الناخبين المقيدين فى جداول الانتخاب هو 52 مليون تقريبا فمعنى ذلك أن نسبة المصوتين ستكون 95% تقريبا وهى نسبة لم تحدث فى أى انتخابات فى تاريخ مصر على الاطلاق سواء كانت الانتخابات سليمة أومزورة ،وأكبر عدد ذهب للانتخابات كان فى انتخابات مجلس الشعب الذى حلته المحكمة الدستورية بعد ثورة 25 يناير ولم يصل عدد المصوتين الى 30 مليون مع العلم أن الانتخابات أجريت على ثلاث مراحل كل مرحلة يومان بالاضافة ليومين آخرين للإعادة على المقاعد الفردية ،والاستفتاء الذى جرى فى مارس بعد ثورة 25 يناير وشهد إقبالا غير مسبوق بلغ عدد المصوتين فيه 18.5 مليون فقط
فاذا أجرى الاستفتاء وجاءت نسبة المصوتين أقل حتى من عدد ال 33 مليون وكان منهم الموافقون والرافضون حتى لوكانت الأغلبية موافقة فإنها لاشك ستدحض أكذوبة الأرقام والحشود التى ذكرت يوم 30 يونيو
فى الحقيقة لقد وقع أهل الانقلاب فى سوء تقدير كبير للموقف أدى الى الأزمة التى نعيشها الآن ،والتى أعتقد يقينا أنهم لم يتوقعوا أن تصل فى أسوأ الاحتمالات الى ما وصلت اليه اليوم ويتمثل سوء التقدير من جانب الانقلاب فى عاملين أساسيين :.
العامل الأول:.رد فعل الإخوان على الانقلاب لقد وقع العسكر أسرى للمقولات الشائعة عن الإخوان، والتى يرددها بعض النخبة والمثقفين - الذين يكن معظمهم العداء للإخوان - فى وسائل الإعلام والتى أصبحت المصدر الرئيسى الذى يحصل من خلاله المصريون على معلوماتهم فالإخوان قوم يتسمون بالانتهازية والبرجماتية وهم يعلون مصلحة التنظيم (البعض يطلق عليه وثن التنظيم ) والحفاظ عليه على مصلحة الوطن ويلجئون الى عقد الصفقات ومن الواضح أن هذه المقولات - والتى لا أناقش هنا مدى صحتها من عدمه وإن كنت أذكر هنا كباحث للتاريخ الحديث ودارس لتاريخ الإخوان أن كثيرا من هذه الاتهامات يقوم على قراءة خاطئة لتاريخ الإخوان - والتى يبدو أن العسكر قد سمعوها مباشرة من بعض من شجعوهم على القيام بالانقلاب قد جعلت توقعهم لرد فعل الإخوان أنه لن يزيد عن بعض المظاهرات والاحتجاجات من جانب أعضاء الإخوان التنظيميين والذين يقدرون ببضع مئات من الألاف لن تستمر فى أسوأ الاحوال أكثر من بضعة أيام ،وأن قدوم شهر رمضا ن كفيل بفض احتجاجاتهم وأنهم سيضطرون للجلوس للحوار والتصرف بواقعية لتجنب ضرب التنظيم والحفاظ على الجماعة وضمان وجود لهم على الساحة السياسة
العامل الثانى:. عدم وضع رد الفعل الشعبى فى الاعتباروقد جاء هذا التقدير بناءعلى المشكلات الحياتية التى أثرت على حياة الناس مثل البنزين والسولار والكهرباء فضلا عن حملة الكراهية ضد الإخوان التى قادتها وسائل الإعلام المختلفة بكثافة خاصة خلال العام الماضى عن طريق نشر الأكاذيب والإشاعات وتسليط الضوء على أى سلبيات مهما كان حجمها والتى أدت فعليا الى تآكل فى شعبية الإخوان كان يلمسها المرء فى المقاهى ووسائل النقل والتجمعات المختلفة بالإضافة للمحاولات المضنية التى بذلت منذ ثورة يناير لتدجين الشعب وقتل الحس الثورى فيه وشيطنة الثورة وجعل الناس يكفرون بها ويترحمون على أيام مبارك
لقد جاء رد الفعل على الانقلاب ليثبت خطأ التقدير فى الجانبين لقد كان أمام الإخوان طريقان:.
الأول:. معارضة الانقلاب العسكرى والتمسك بعودة الشرعية وعدم الاعتراف بما ترتب على الانقلاب من نتائج وآثار ورفض فرض الأمر الواقع مع الاستعداد للتفاوض والحوارولكن على أساس عودة الشرعية
الثانى:. هو الاستسلام للأمر الواقع ومحاولة تجنب الضربات التى ستصيب الجماعة والحفاظ على التنظيم وضمان تواجدها على الساحة السياسية
لقد اتسم رد فعل الإخوان بالصلابة والمبدئية لإدراكهم حقيقة توصيف ماحدث يومى 30 يونيو و3 يوليو، وأن ماحدث هو انقلاب على ثورة 25 يناير وعودة الى الحكم العسكرى، وأن ماجرى تم الترتيب والتدبير له منذ فترة طويلة، وهو ما أشار اليه وحذر منه مرسى كثيرا خاصة فى خطابه الأخير الذى حذرفيه من خطف الثورة.. إن معنى تعاطى الإخوان مع ما حدث يوم 30 يونيو هو الإقرارفعليا وعمليا بأن ماحدث هو ثورة،وهو مايعنى التسليم بكل ماقيل عن الفترة التى قضاها مرسى فى الحكم
وعلى جانب رد الفعل الشعبى فقد جاء هو الآخر مخالفا لكل التوقعات وأعتقد أنه كان مفاجئا لكلا الطرفين الجيش والإخوان على حد سواء لقد استجابت جموع كبيرة من الشعب المصرى لدعوة الإخوان للتظاهر ضد الانقلاب.. بل يمكن القول دون مبالغة أن ما تم بذله من حملات الكراهية ضد الإخوان قد تبخرت مع وقوع الانقلاب واستطاع الإخوان ليس فقط أن يستعيدوا مافقدوه من شعبيتهم بل وزيادة هذه الشعبية مع التأكيد أن كثيرا من معارضى الانقلاب ليسوا مؤيدين للإخوان، لقد تباينت دوافع رافضى الانقلاب من غير الإخوان ويمكن إجمالها فيما يلى :.
- المتعاطفون مع الإخوان
- الرافضون للمجازر التى ارتكبها الانقلابيون
- الذين أدركوا حقيقة الانقلاب وأنه انقلاب على ثورة 25 يناير، وأنه عودة لحكم النظام السابق
- المؤمنون بالمسار الديمقراطى وإكمال الرئيس مدته وعدم فتح باب للفوضى وأن يكون التغيير من خلال الصندوق
- الناحية العاطفية لدى البعض الذين شعروا أن هناك مؤامرة ضد الرئيس خاصة مع توفر البنزين والسولار والكهرباء فور اختطاف الرئيس
- الرافضون لتدخل العسكر فى ميدان السياسة
- ممارسات الانقلاب مقارنة بفترة حكم مرسى خاصة فى مجال الحريات وهى إحدى المكتسبات التى تحققت فى ثورة 25 يناير وشعر الناس بثمارها
- سوء الأحوال الأقتصادية وارتفاع الأسعار وسوء الخدمات
لقد جاء الانقلاب ليعقد الأمور على الساحة السياسية على عكس ماكانوا يتوقعون.. أحيانا تكون هناك أمور فى غاية الوضوح ولكن فى زخم الأحداث المتلاحقة تتوه الحقائق ،والحقيقة أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان الانقلاب فإن المشهد السياسى قد تعقد ودخلت البلاد فى نفق مظلم لاتساع الهوة بين طرفى الأزمة العسكر والإخوان باعتبارهم الطرف الرئيسى المعارض للانقلاب فالجانبان على طرفى نقيض لامجال فيه للحلول الوسط والالتقاء فى منتصف الطريق شأن أى تفاهمات تتم بين جانبين على مائدة الحوار ولا أقول المفاوضات.. فالإخوان وحلفائهم يرون أن ما وقع انقلاب والحل هو العودة الى الشرعية، والطرف الاخر يعتبر ماحدث ثورة فكيف يمكن الجمع بين الطرفين؟
إن أى مبادرة للتوفيق بين الجانبين أو الوصول الى حل وسط وفق نظرية لاغالب ولامغلوب يعنى أن يقدم كل طرف تنازلات وهذا التنازل لاشك سيترتب عليه إعادة توصيف ماحدث يوم 30 يونيو، وإعادة النظر فى خريطة الطريق التى وضعها العسكر
وهو أمر صعب قبوله بصفة أساسية من جانب العسكر لذلك فإن الطرف الذى من مصلحته عدم التفاهم والتحاور بجدية هو جانب العسكر لأنه هو الذى يملك السلطة ،وهو المطالب بالتنازل عن بعض مواقفه التى يدعى أنها جاءت نتيجة مايسمى بالإرادة الشعبية وقد كشفت استقالة البرادعى بالاضافة الى ماصرح به أعضاء الكونجرس الأمريكى الذين زاروا مصر وما كشفته الصحف الأمريكية أن الإخوان كان عندهم استعداد للتفاهم وأن الطرف الآخر هو الذى يعيق التفاهم كما أنهم لم يتجاوبوا مع المبادرات التى حاولت التوفيق بين الجانبين
إن أى حل وسط سيكون معناه إقرار بالشرعية حتى لوكانت شكلية فلو نظرنا الى مبادرة العوا فانها تقر بعودة مرسى مع تنازله عن سلطاته وتفويضها للحكومة فهذه النقطة على سبيل المثال تمثل حلا وسطا ظاهريا فهى ترضى المطالبين بعودة الشرعية بعودة مرسى وترضى العسكر من زاوية أن عودته بدون سلطات ولكنها من زاوية أخرى لا تلبى العودة الكاملة للشرعية وإن كانت تقر مبدأ الشرعية، أما بالنسبة للعسكر فهى تعنى إقرارهم بأن ماحدث كان انقلابا وينسف كل ماسيق عن ثورة 30 يونيو والاستجابة للإرادة الشعبية، وقد يضع من قام بالانقلاب وشارك فيه للمساءلة القانونية بتهمة الخيانة العظمى وقلب نظام الحكم فى يوم من الأيام بالإضافة الى ما يمكن اعتباره من جانب العسكر إهانة لشرف وكرامة العسكرية فى حالة تراجعهم عن خريطة الطريق التى وضعوها نتيجة للتكوين العسكرى الذى يحكمهم وغياب البعد السياسى الذى قد يعتبر تراجع السياسى أمر يحسب له هذا بالإضافة أن إقرار العسكر بعودة الشرعية بأى صورة من الصور قد تعنى القضاءأو على أقل تقدير عرقلة طموحات السيسى فى تولى حكم مصر وعودة العسكر الى الحياة السياسية
وإذا كان هذا هو الموقف بعد الانقلاب مباشرة فماذا يكون الموقف بعد المجازر التى ارتكبت فى الحرس الجمهورى ثم النصب التذكارى ثم فض اعتصامى رابعة والنهضة؟ لقد حرص التحالف الوطنى لدعم الشرعية فى بداية الانقلاب على التأكد على عودة الشرعية وتمثلت فى عودة الرئيس والدستور ومجلس الشورى مع الاستعداد للتحاور والتفاهم فى كل الأمور من خلال الرئيس والملاحظ أنهم لم يتعرضوا للموقف من السيسى مما يعنى إيجاد مخرج له فى حالة التوصل لتفاهم مع العسكر، أما بعد المجازر التى ارتكبت فقد ارتفعت مطالب تحالف دعم الشرعية الى محاكمة السيسى ومن ارتكبوا المذابح ضد المعتصمين ،والواقع ان الأمور قد ازدادت تعقيدا فلا يتصور أن يكون هناك تفاهم لايقوم على عودة الشرعية ومحاكمة السيسى ورئيس الأركان أو إزاحتهم من على الساحة وانتهاء دورهم على أقل تقدير وكذلك من شاركوا فى المجازر التى ارتكبت، وأى تفاهم من جانب الإخوان لا يأخذ ذلك فى الاعتبار سوف يعد خيانة لدماء الشهداء والمصابين وسوف يفقد الجماعة التأييد والتعاطف الشعبي الذى حققته كما سيثير أزمة داخل صفوف الإخوان إذا أخذنا فى الاعتبار أن العدد الأكبر من الشهداء والمصابين هم من الإخوان
ولذلك وفى ضوء ماسبق يجب فهم اللجوء للعنف والمجازر من جانب الانقلاب إن فشل الانقلاب لا يعنى انتهاء مستقبل وطموح السيسى فقط الذى أصبح مصيره يرتبط بنجاح الانقلاب أو فشله ولا الذين شاركوا فعليا فى الانقلاب ومن الممكن أن يتعرضوا للمحاكمة طال الوقت أوقصر، ولكن سيؤدى أيضا الى اختفاء وجوه كثيرة من الساحة سواء السياسية أوالاعلامية أوالثقافية بل وفى كافة المجالات خاصة أن الانقلاب أسقط الأقنعة عن كثير من الوجوه وأدى الى فرز حقيقى لا لبس فيه بين المؤيدين للانقلاب والرافضين له
ولذلك كان من الطبيعى فى هذا السياق إقدام الانقلاب على استخدام العنف لمحاولة فرض سيطرته على الوضع وإقدامه على فض اعتصامى النهضة ورابعة بالقوة بالرغم من النتائج السلبية المتوقعة على عملية الفض بالقوة لأن اعتصام رابعة شكل تهديدا خطيرا للانقلاب ليس فقط لأنه أصبح منبرا إعلاميا يوميا ،ومركزا لتجمع واستقطاب المعارضين للانقلاب، ومكانا آمنا للقاء وتجمع قيادات التحالف ،ولكن لأن خطره الأكبر تجلى فى المسيرات اليومية التى كانت تنطلق فى القاهرة وكان وجود الاعتصام يوفر مكان آمن لعشرات الألاف الذين يعطون قوة وزخم لهذه المسيرات التى كان ينضم اليها الألاف من المواطنين وهو الأمر الذى شكل ازعاجا حقيقىا للانقلاب وصداعا مزمنا جعله يتخذ قرار استخدام القوة لفض الاعتصام فضلا عن أن التهديد بفض الاعتصام وعدم القيام بذلك كان ينال من هيبة العسكر الذين يملكون السلطة الفعلية فى مصر بعيدا عن الحديث الذى لا معنى له عن تفويض وزير الداخلية بفض الاعتصام
ولهذا كان خيار استخدام القوة لفض الاعتصام خيارا متوقعا بالرغم من استبعاد البعض لذلك نتيجة توقع سقوط عدد كبير من الضحايا فضلا عن رد الفعل المحلى والدولى المتوقع
ولا توجد علاقة حقيقية لفض الاعتصام بما ترددها أبواق الانقلاب عن فقد الاعتصام لسلميته وأنه تحول لاعتصام مسلح فأجهزة الدولة المختلفة تدرك جيدا عدم تبنى الإخوان للعنف، وحتى الحوادث التى غالبا ما تشير اليها وسائل الإعلام لإتهام الإخوان باستخدام العنف هى أحداث وقعت منذ أكثر من 65 عاما مثل حادثة الخازندار واغتيال النقراشى وهى حوادث جاءت فى سياق زمنى وتاريخى مختلف، ولا توجد على الأقل حادثة عنف أوحتى محاولة عنف يتهم فيها الإخوان من السبعينات حتى الآن على أقل تقدير، ومع ذلك لو افترضنا جدلا أن جماعة الإخوان تريد أن تلجأ للعنف فهل من الحكمة وأبسط قواعد المنطق أن تقدم عشرات الألاف من أعضائها وليمة لنيران الشرطة والجيش!!! وهل تستطيع أى أسلحة مهما كانت فى بقعة محدودة أن تواجه امكانيات شرطة وجيش لدولة مثل مصر!!!إن أى جماعة تريد أن تسلك الطريق الخاطىء وتقدم هدية من ذهب لسلطات الانقلاب بالإقدام على استخدام العنف تعرف جيدا أن الطريق الى ذلك هو اللجوء الى حرب العصابات وفق نظرية اضرب واجرى لا الدخول فى مواجة مباشرة مع الشرطة والجيش تعد بمثابة عملية انتحار جماعى
إن المفأجاة الحقيقية فى عملية فض اعتصام رابعة والتى أعتقد أن أحدا لم يتوقعها ليست عملية فض الاعتصام ذاتها بل هى المذبحة وحرب الإبادة التى تمت للقضاء على هذا الاعتصام لأن عملية فض الاعتصام لم تكن تتطلب كل هذه الممارسات الإجرامية التى تمت ،وكان يمكن فض الاعتصام بقدر ضئيل جدا من الضحايا
لهذا أعتقد ان الانقلاب ليس أمامه إلا السير فى نفس الطريق طريق العنف والاعتقالات وتكميم الافواه ومحاولة فرض سياسة التعتيم الإعلامى، ومطاردة القنوات القليلة التى تكسر هذا التعتيم، ومحاولة تصوير مايقوم به على أنه حرب ضد الارهاب وأن المعركة تدور بين الإخوان وكل من الجيش والشرطة وباقى الشعب المصرى مستغلا فى ذلك الأله الإعلامية الجهنمية التى يسيطر عليها سواء وسائل الإعلام الخاصة أوالحكومية واللعب على مسألة الوقت والمراهنة على الملل والإحباط واليأس الذى يمكن أن يتسلل الى نفوس رافضى الانقلاب فضلا عن محاولة فرض الأمر الواقع والقفز للأمام، وتأكيد المضى قدما فى خريطة الطريق، وتحقيق أول مرحلة من مراحلها الخاصة بالدستور، وحشد الناس للتصويت عليه لمحاولة إضفاء مصداقية ومشروعية شعبية عليه من خلال صناديق الانتخاب ،وإقناع العالم الرافض للاعتراف بالانقلاب أنه يمضى قدما فى تحقيق الديمقراطية
أما على جانب مؤيدى الشرعية فإنه ليس أمامهم غير الطريق الذى يسيرون فيه الآن، وهو العمل على كسر وإسقاط الانقلاب وإذا كان يجب التوقف عند ما يطرحه البعض سواء بحسن نية أوسوء نية عن موقف الإخوان تحديدا فالبعض يلومهم ويحملهم المسؤليىة وأنه يجب عليهم أن يجنبوا البلد سفك الدماء بالتعاطى مع الوضع الراهن ،وهو حسب رأيهم أخف الضررين ،وأن عليهم أن ينخرطوا فى العملية الديمقراطية ،وأن يقبلوا بخريطة الطريق،وأن الفرصة مازالت سانحة أمامهم لتجنب مايتعرضون له وضمان المشاركة فى العملية السياسية بوقف مظاهر الاحتجاج ،وأن المرحلة الانتقالية ستنتهى خلال تسعة أشهر بإجراء انتخابات الرئاسة، ومن قبلها انتخابات مجلس الشعب ويستطيعون المشاركة فيها وأن التأخر فى المشاركة ووقف المظاهرات ليس فى صالحهم
إن هذه الأصوات التى توجه حديثها للإخوان سواء من باب النقد أو النصح تعيدنا مرة أخرى الى مابدأنا به المقال حول أهمية توصيف ماحدث فى 30 يونيو لأنه المدخل الصحيح للتعامل مع الأزمة والواقع أن إلقاء اللوم على الإخوان معناه لوم المجنى عليه الذى من المفترض أن يتعرض الى الظلم ولايصرخ ولايتألم ولايطالب بحقه وحق أمته ،وأنه لاسبيل أمامه غير تقبل الأمر الواقع تماما كما يفعل الكيان الصهيونى مع الفلسطنيين ،أومثل اللص الذى يعتدى على أحد المنازل ثم يطلب من ساكنيه أن يقبلوا بالإقامة تحت السلم وفق شروطه
لقد أطاح الانقلاب بالإرادة الشعبية التى تجلت فى خمسة استحقاقات انتخابية تمت جميعا تحت إشراف المجلس العسكرى باستثناء الاستفتاء على الدستور الذى أشرف الجيش على تأمينه أماعملية أخف الضررين وهى نفس الحجة التى ساقها شيخ الأزهر فأعتقد بأن المذابح والمجازر التى تمت كفيله بالرد على هذه الحجة فضلا عن أن سيطرة العسكر على البلاد ستجر الكوارث على مصر ويستطيع أى انسان أن يراجع الأنظمة العسكرية وماجرته على بلادها من نكبات ومصائب تجعل من التضحيات التى تتم الآن لإفشال الانقلاب أخف من الأضرار التى ستلحق بالبلاد إذا مكن لهم والأمثلة كثيرةعلى ماسببه العسكر من نكبات فى البلاد التى سيطروا عليها، ولكن اكتفى هنا بما ذكره السيسى نفسه من تصريحات قبل الانقلاب حذر فيها من نزول الجيش وأنه خطر شديد وأنه إذا نزل الجيش "اتكلم عن مصر بعد تلاتين أربعين سنه"
أما موضوع الانخراط فى خريطة الطريق فهل يوجد احتمال ولو ضئيل أن الإخوان إذا سمح لهم بعيدا عن دعاوى الإقصاء والاستئصال والمطالبة بحل حزب الحرية والعدالة واعتبار جماعة الإخوان جماعة ارهابية أن يترك لهم المجال هم وحلفائهم بالحصول على أغلبية فى مجلس الشعب وهو احتمال وارد إذا أجريت انتخابات حرة ونزيهة أو أن تكون لهم نسبة كبيرة مؤثرة ،أو أن يفوز أحدا منهم مرة أخرى بالرئاسة هل ستسمح مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام بوصول الإخوان للسلطة مرة أخرى؟ هل سيسمح السيسى ومحمد إبراهيم بوصول الإخوان للسلطة لعزلهم ومحاكماتهم عن المذابح والجرائم التى تمت فى ظل الانقلاب؟ هل سيسمح السيسى بوصول الإخوان والقضاء على طموحه فى حكم مصر هل سيسمح بذلك وهو الذى تحدث عن سلم الديمقراطية الذى أخذوه معهم وأنهم يريدون أن يمكثوا فى الحكم 500 عام وأنهم يتحدثون عن إمبراطورية إسلامية ويفتقدون معنى الوطنية الى غيرذلك من اتهامات؟
الواقع أنه إذا نجح الانقلاب فلن يسمح للإخوان فى أفضل الحالات إلا بما كان يسمح به مبارك فى فترات تسامحه مع الإخوان من حرية العمل فى نطاق داوئر وخطوط معينة لايتجاوزوها ولايخرجون عنها مع السماح ببعض المقاعد فى مجلس الشعب
إن الحكم العسكرى بطبيعته لن يسمح بوجود مستقل لأى تنظيمات أو اشخاص بعيدا عن سيطرته وإذا كانت الحرب الآن مركزة على الإخوان فإنها ستطال الجميع غدا بل إن نذر الحرب بادية للعيان من مطاردة لبعض شباب ثورة 25 يناير وتشويه صورتهم ومهاجمتهم فى وسائل الإعلام ومهاجمة من يبدى تبرما بانتهاكات حقوق الانسان التى يقوم بها الانقلاب ضد الإسلاميين حتى لو كان مؤيدا ل30 يونيو
إن الحكم العسكرى يعمل جاهدا لفرض سيطرته وسلطته على الوضع وترسيخ استقلالية الجيش واعتباره دولة داخل الدولة وربما فوق الدولة فالحملات التى لا تتوقف عن الدعوة لترشيح السيسى رئيسا.. وتعمل على صناعة فرعون جديد تأتى فى هذا السياق وحتى إذا حالت الأوضاع دون الأخذ بهذا التوجه الآن فإن العسكر سيعمل على ترشيح شخصية عسكرية لمنصب الرئاسة، ومع ذلك فإنهم من باب الاحتياط لأى ظروف يعملون على دسترة الوضع المتميز للجيش ولعل نظرة سريعة للتعديلات التى أدخلتها ما تسمى بلجنة العشرة على الدستور فيما يخص الجيش توضح بجلاء حقيقة هذا التوجه فقد جاء فى النص المعدل فيما يخص تعيين وزير الدفاع "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها، بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة( فقد أضاف النص المعدل موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو ما يعنى غل يد رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية المنتخبين عن تعيين وزير الدفاع ويجعل هذه السلطة فعليا فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مما يجعل الجيش دولة داخل الدولة
وفيما يخص مجلس الدفاع الوطنى فقد جاء النص المعدل كالاتى
"ينشأ مجلس للدفاع الوطنى، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.
ويختص المجلس بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، وتدرج رقمًا واحدًا فى موازنة الدولة، ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى. ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى من المختصين والخبراء لحضور اجتماع المجلس دون أن يكون له صوت معدود".
ونلاحظ أن النص المعدل الغى عضوية رئيس مجلس الشورى فى مجلس الدفاع الوطنى بناء على الغاء اللجنة لمجلس الشورى، وقد ترتب على ذلك تعادل أعداد المدنيين والعسكريين بعد أن كانت الغلبة للمدنيين بفارق صوت واحد كما أضاف التعديل إدراج ميزانية الجيش رقما واحدا وهذا لم يكن موجودا فى الدستور الذى عطله الانقلاب
وفيما يخص مهمة القوات المسلحة فقد أبقت لجنة التعديلات على نفس نص الدستور المعطل " القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها ..." والمشكلة فى هذا النص أنه مطاط ويمكن تفسيره بما يسمح بتدخل الجيش فى الشأن الداخلى ولكن مع هذه الصياغة المطاطة إلا أن مقدمة الدستور التى تعتبر جزء منه كانت تنص بجلاء على عدم تدخل الجيش فى الشأن السياسى "الدفاع عن الوطن شرف وواجب وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لاتتدخل فى الشأن السياسى وهى درع البلاد الواقى "
والملاحظ أنه فى الوقت التى أبقت فيه لجنة العشرة على نص الدستور فيما يخص مهمة الجيش إلا أنها فى مقدمة الدستور عمدت الى الغاء نص عدم التدخل فى الشأن السياسى فجاء نص مقدمة الدستور المعدل كالأتى ""الدفاع عن الوطن شرف وواجب، وقواتنا المسلحة درع البلاد الواقى تحمى حدود الدولة وتذود عن أمنها القومى"
فالتعديل الغى النص الذى كان يمكن الاستناد اليه لمنع تدخل الجيش فى السياسة وأبقت على نص الدستور المطاط ولم تكتفى بذلك بل واضافت الذود عن الأمن القومى وهى كلمة ابتذلت من كثرة استخدامها بكثرة هذه الأيام حتى رأينا اعتصام رابعة خطر يهدد الأمن القومى والبطة المهاجرة خطر يهدد الأمن القومى !!!!فهو تعبير يفتح الباب واسعا لتدخل الجيش فى الشأن السياسى بحجة الحفاظ على الأمن القومى ،وهو يحقق أكثر مما كانت تطالب به ماتسمى بالقوى المدنية من النص فى الدستور على أن القوات المسلحة هى الضامن للدولة المدنية
ولم يتوقف الأمر عند الدستور فقد أصدر الرئيس غير الشرعى قانون فى 28 أغسطس بتعديل قسم ضباط الجيش ليحذف منه النص على ''أن أكون مخلصًا لرئيس الجمهورية' وهو أمر لايمكن تفسيره إلا فى ضوء محاولة ترسيخ استقلالية الجيش عن السلطة التنفيذية التى من المفترض أنه فرع منها خاصة أن طلب الجيش من منصور إصدار هذا القانون فى هذا التوقيت وفى ظل تلك الأحداث التى تعيشها البلاد لايمكن فهمها إلا فى هذا السياق كما أن التعديل نفسه بحذف الاخلاص لرئيس الجمهورية وقصره على القيادات العسكرية يتجاهل أن للرئيس صفة عسكرية كقائد أعلى للقوات المسلحة ،وحتى التعديل الذى تم كان يمكن تفهمه لوجاء فى سياق مختلف وظروف مستقره غير التى نحياها
لا يوجد أمام القوى الرافضة للانقلاب سوى العمل على كسر هذا الانقلاب بكل الطرق السلمية عن طريق ابتكار وسائل متنوعة وغير تقليدية تضرب الرهان على عامل الوقت مع ادراك أهمية النفس الطويل فى هذه المعركة ،وأن الزمن جزء من العلاج كما تقول أدبيات الإخوان كما يجب العمل على كسر التعتيم الإعلامى وهو مايتطلب فى ظل السيطرة القوية للانقلاب على وسائل الإعلام ومحاربته للقنوات المحدودة المتعاطفة مع مناهضى الانقلاب اللجوء للاتصال المباشر بالمواطنين من خلال المسيرات والوقفات التى تجوب أنحاء مصر، وأن يعتبر كل مناهض للانقلاب نفسه فضائية متحركة لتوضيح الحقائق ومواجهة حملات التزييف والتأكيد على أن ماحدث هو انقلاب على ثورة 25 وعودة للنظام الاستبدادى ،وأن القضية ليست قضية د مرسى وإن كان يشكل رمزا للشرعية ،وأن الصراع ليس مع الجيش وأنه يجب التفريق بين الجيش وقادته كما يجب التفريق بين الأزهر وشيخه فالمؤسسات لها احترامها ،ولكن المؤسسه ليست رهينه بقائدها الذى يمكن أن ينحرف بها
كما يجب العمل على ضم فئات جديدة من الشعب لمناهضة الانقلاب فالفئات المؤيدة لحكم العسكر يمكن إجمالها فى أغلبية الأقباط التى قد تفضل حكم العسكر على حكم ذى طبيعة إسلامية وفلول النظام السابق التى تريد استعادة والحفاظ على مصالحها، وبعض الأحزاب التى توهمت أنها ستستخدم العسكر لتحقيق مصالحها والتى تريد أن تحقق من خلال العسكر مالم تستطع أن تحققه من خلال صندوق الانتخاب، وكذلك بعض الفئات التى تدفعها كراهيتها للإخوان للترحيب بحكم العسكر وهناك بعض فئات الشعب التى ليس لها انتماء سياسى وقد ترى أن الحكم العسكرى قد يحقق الاستقرار والتقدم الاقتصادى انطلاقا من ثقتها فى القوات المسلحة وتأثرها بوسائل الاعلام التى تنطلق من رؤية واحدة
إن القوى المناهضة للانقلاب أمامها فرصة كبيرة لضم عناصر جديدة حتى ممن شاركوا فى 30 يونيو مثل الحركات والائتلافات التى شاركت فى 30 يونيو على اعتبار أنها موجة ثورية جديدة مكملة لثورة 25 ثم اكتشفت حقيقة ماحدث وأنه انقلاب عسكرى وكذلك الذين شاركوا للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة دون الانقلاب على الدستور والشرعية كما يجب توسيع دائرة التحالف المناهض للانقلاب وضم تجمعات وقوى مختلفة الاتجاهات إليه، وألا يكون قاصرا على اتجاه واحد ،وتشجيع الكيانات التى قد تنشا من رحم الثورة على الانقلاب ،وتجنب استخدام تعبيرات تعطى انطباعا بأن العملية ترتبط بشخص أوتصوير المسألة كما يحاول الإعلام أن يصورها أنها صراع بين فصيل واحد هو الإخوان فى مواجهة الجيش والشرطة والشعب وليس بين جموع كبيرة من الشعب المصرى والانقلاب، ولهذا لا أحبذ استخدام تعبير مؤيدى محمد مرسى والأفضل التركيزعلى تعبير رافضى الانقلاب ومؤيدى الشرعية كما يجب الاستفادة من عنصر الوقت الذى لا يصب فى مصلحة الانقلاب فى بعض النواحى وعلى رأسها الناحية الاقتصادية التى تشهد تدهورا شديدا خاصة فى مجال السياحة والاستثمار والتى تنعكس على حياة الناس من تدهور للخدمات وارتفاع الأسعار ،وهو مايدفع بعض الفئات للمشاركة فى الفعاليات المناهضة للانقلاب خاصة أن الوضع الاقتصادى مرشح للتدهور نتيجة الخسائر الكبيرة نتيجة حالة الطوارىء وحظر التجول ومهما بلغت المعونات المقدمة من دول الخليج فإنها لن تعوض هذه الخسائر كما أنها لن تستمر لمدة طويلة وهى فى أحسن الأحوال لن تزيد عن كونها مسكن لبعض الوقت
إن الخيارات المطروحة على الساحة الآن هى:.
الخيار الأول استمرار سياسة العسكر فى ترسيخ وفرض الأمر الواقع واستخدام الشدة والعنف والمضى قدما فى فرض خارطة الطريق وهى سياسة قد تطيل أمد الانقلاب لبعض الوقت ولكنه لن يحقق أهدافه على المدى البعيد
الخيار الثانى هو استمرار وتصاعد حركة المقاومة السلمية وازدياد الضغط الشعبى بما قد يؤدى الى انهيار الانقلاب وعودة الشرعية كاملة
الخيار الثالث أن يدرك الطرفان أنه لاسبيل الا بالحوار والوصول لحل سياسى للأزمة الحالية وإن كان هذا الخيار تقابله مشكلات متعددة خاصة مصير من قاموا بالانقلاب والمسؤلية عن الدماء التى أهدرت
الخيار الاخير هو تنحى السيسى وصدقى صبحى وتولى قيادة جديدة للتفاوض فى ظل الحفاظ على تماسك القوات المسلحة والتى يحرص كل وطنى غيور عليها
وفى كل الاحوال فإن الخيار الأفضل هو نجاح الثورة الشعبية فى كسر الانقلاب وتولى الأمر دون أى شروط أو قيود واستكمال ثورة 25 واعتبار يوم نجاح الثورة ضد الانقلاب هو يوم 2ا فبراير 2011
د صفوت حسين

مدرس التاريخ الحديث والمعاصر

كلية التربية – جامعة دمنهور

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.