ابراهيم عيسي استقال اليوم من جريدة التحرير ،تجربة جريدة الدستور تتكرر مرة آخرى مع اختلاف كثير من التفاصيل . فالمؤمنون بالصحافة الحرة التي تكشف الحقيقة وتدافع عن العدل والحرية والذين كانوا حاضرين في تجربة الدستور غابوا عن المشهد ، بعد أن اختلفوا مع عيسي وإدارته للصحيفة ، ثم إن عيسي نفسه لم يعد في أعين الكثير من الأجيال الجديدة التي تمارس المهنة مناضلاً كما كانوا يرونه في السابق بل لم يعد في وجهة نظر هؤلاء أكثر من صحفي يدافع عن السلطة وأخطائها وخطاياها لتنمو علاقاته ونفوذه .. وأمواله . استقال عيسى بعد أزمات مع رئيس مجلس الادارة الجديد أكمل قرطام ، و بعد مطالبات بتسريح عدد كبير من الصحفيين ، وإغلاق الصحيفة لمدة شهر حتي يعيد قرطام هيكلتها من جديد بعد أن خسرت الملايين خلال الفترة الماضية أضف إلي ذلك أزمات كثيرة عاشتها الصحيفة خلال الشهرين الماضيين وصلت لحد خصم نصف رواتب الصحفيين . العرض الذي وصل إلى عيسى حتي يتم التوصل لحل لأزمة صحيفة التحرير والذي قدمه أكمل قرطام يقوم علي وجود رئيس تحرير جديد للصحيفة مع بقاء ابراهيم عيسي كرئيس لمجلس التحرير ، وهو موقع شرفي بكل تأكيد ، المثير للدهشة أن المعلومات تؤكد أن عيسى وافق بالفعل على هذا العرض وإن كان قد إشترط بقاء عدد من المقربين له دون تغيير ، وهو الأمر الذي يرفضه رئيس مجلس الادارة أكمل قرطام . دعك من كل التفاصيل الماضية وانتبه ، فعيسى عندما كان الصحفي الشجاع وقت تجربة الدستوروعندما تعرض لأزمة مماثلة قامت الدنيا ولم تقعد ، وتضامن معه كل أصحاب الرأي والفكر ، وكل المدافعين عن حرية الصحافة ، أما عندما تحول عيسى إلى صحفي مدافع عن السلطة وأخطاءها فلم يجد من يقف بجانبه ، لكن الأصعب أنه لم يكلف نفسه قبل تقديم استقالته بالتفوه بكلمة واحدة يدافع فيها عن الزملاء الصحفيين العاملين معه منذ سنوات ، ويخلق ترتيبات تحفظ حقوقهم ، بل اكتفى بالدفاع عن نفسه وشلته وفضل الإنسحاب وترك الصحفيين يواجهون مصيرهم . باختصار هذا هو درس الصحافة الحرة ، كلما كنت متمسكاً بالحق والعدل في سلوكك ومواقفك وكتاباتك كلما زادت قيمتك و قوتك ، وكلما فرطت وتراجعت وتخاذلت كلما دفعت اثمانا كبيرة . لكنها أثمان يستحقها كل من فرط أو تنازل أو تخاذل من أجل القوة والنفوذ … والمال .