لم يكن أستاذنا نجيب محفوظ يجد حرجاً في أن يراجع الراحل سعيد السحار إبداعاته الروائية والقصصية. كان محفوظ يثق في قراءة السحار لأعماله. ما يري أنه يستحق التصويب يقومه. وهو ما كان يفعله سعيد السحار مع غالبية المبدعين الذين يتعاملون مع مكتبة مصر: محمود البدوي. صلاح ذهني. عبدالحميد السحار. أحمد زكي مخلوف. أمين يوسف غراب. وغيرهم. أشارت ابنتا نجيب في حوار لهما مع الزميلة "الأخبار" أن ما كان يكتبه والدهما. لم يكن يدفع به إلا إلي عامل المطبعة. ولعلنا نذكر نصيحته لمحفوظ بان ينشر رواية "بين القصرين" علي ثلاثة أجزاء. أذكر شخصياً حينما تسلم نجيب محفوظ مجموعته "حب تحت المطر" ليراجع بروفاتها النهائية. ويعطي موافقته علي الغلاف. لاحظت أن عنوان المجموعة تغير إلي المظلة. أبديت ملاحظتي لنجيب محفوظ قائلاً: إن عنوان القصة قيمة في ذاته بما أحدثه من تأثير في الواقع الثقافي المصري عقب نكسة 1967. اتصل محفوظ تليفونياً بالسحار أبلغه بملاحظتي. وأصر أن يعود العنوان القديم. وقد أشرت إلي هذه الواقعة في كتابي "آباء الستينيات" الذي صدر في أواسط التسعينيات من القرن الماضي. والحق أن نجيب محفوظ لم يكن يجد ما يعيب في عرض إبداعه علي المقربين من الأصدقاء. قبل أن يقدمه إلي سعيد السحار. لكنه فوجيء بتصرف روائي صديق أنصت إلي تحمس نجيب في جلسات كازينو أوبرا لرواية الأجيال. أو الرواية النهر. وأنها ستكون عمله التالي لأولاد حارتنا. وغاب الروائي الصديق عن الكازينو بضعة أشهر. ثم عاد بأصول ما وجد أنه أول رواية أجيال. ما حدث شكل حافزاً لمحفوظ كي يكتب رواية أجيال حقيقية. أصدق تعبيراً عن المجتمع المصري. وعن الفنية العالية التي يستلزمها هذا النوع الروائي. القرار الذي اتخذه نجيب محفوظ منذ تلك الواقعة ونصحني به ألا يحدث الآخرين مهما توثقت الصداقة عن مشروعاته الإبداعية. ولا يعرض عليهم كتاباته. قبل أن تصدر في كتاب مطبوع. لكن عامل المطبعة لم يكن هو الذي يتسلم أعمال محفوظ. كان سعيد السحار يسبقه إلي تسلمها. وقراءتها. وتصويب أخطائها القليلة. وقد أتاح لي تعاملي ككاتب مع الناشر نفسه أن أطلع علي مسودات تلك الأعمال المحفوظية. قبل إجراء التصويبات. وفي حوزتي صفحات من كتابات محفوظ. ظلمتها سرعة الكتابة. فشابتها أخطاء قليلة. وهو المأزق الذي يواجه غالبية المبدعين. بصرف النظر عن تفوق قدراتهم اللغية. ولعلي أشير إلي رأي الصديق أستاذ البلاغة عبداللطيف عبدالحليم أن اللغويين يتجاوزون عن نسبة ضئيلة في أخطاء اللغة.. وأشير أيضاً إلي نسبة العشرة في المائة التي حددها البرنامج الثقافي الإذاعي. كي لا تتحول اللغة في استخداماتنا إلي مشكلة يصعب حلها! هامش: يقول ملصق إعلان مارتن سكوربيدس عن فيلم "سائق التاكسي" في كل شارع من كل مدينة. يوجد لا أحد يحلم في أن يكون أحداً!