أحيانا أري في برنامج "عالم الحيوان" بالتليفزيون أن وعلين من ذوي القرون الطويلة يتناطحان بقوة.. أحدهما يجبر الآخر علي التقهقر إلي الخلف بضع خطوات.. ثم ينعكس الأمر يتراجع الأول أمام الثاني.. وتظل المناطحة قائمة دون هزيمة أحدهما أو انتصار الآخر. هذا يذكرني تماما بالخلاف المستحكم بين حكومة الدكتور كمال الجنزوري وبين حزب الحرية والعدالة الإخواني ونوابه في مجلس الشعب حول القرض الذي تتفاوض حوله الحكومة مع صندوق النقد الدولي بمبلغ 2.3 مليار دولار للخروج من الأزمة الاقتصادية المستحكمة التي تمر بها مصر حاليا والتي يمكن أن تتحول إلي فاجعة مدمرة. الحكومة تتفاوض مع الصندوق الذي اقتنع بسلامة موقفها وأوشك علي توقيع الاتفاق. لكن حزب الحرية والعدالة يرفض لأن حكومته المنتظرة بعد انتهاء الفترة الانتقالية هي التي ستتورط في سداده دون ان تعرف أوجه صرفه وكيفية تدبير الموارد لسداده. استبشرنا خيرا بانفراج الأزمة عندما أعلن ممتاز السعيد وزير المالية أمس في "الأهرام" ان اعضاء مجلس الشعب تفهموا الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا.. ومن المنتظر التوقيع علي خطاب النوايا بين الحكومة والصندوق قبل نهاية الشهر الحالي. وقال ان توقيع خطاب النوايا سيمهد لعرض الاتفاق علي ادارة الصندوق للحصول علي موافقتها ثم يعقب ذلك عرض الاتفاق علي مجلس الشعب لإقراره. وعزز الوزير كلامه قائلا: ان اعضاء البعثة الفنية للصندوق تزور مصر حاليا أعربوا عن ارتياحهم للتوصل إلي توافق بين الحكومة ومجلس الشعب بشأن القرض. كما سبق ان قلت اننا استبشرنا خيرا بتصريحات الوزير وتوقعنا ان تكون الأزمة قد انتهت إلا اننا فوجئنا بتصريحات للسيد عبدالحافظ الصاوي رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة ردتنا علي اعقابنا وخيبت آمالنا من جديد. فماذا قال الصاوي؟ قال ان حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية البرلمانية لم يعلن موافقته علي القرض. فمن أين جاءت تصريحات الحكومة التي تؤكد حدوث توافق حوله.. ثم أتبع قائلا: ان الحزب لن يقدم موافقة ضمنية علي قرض لم يشارك في وضعه. ومن المقرر ان يلتزم به في حالة تشكيل حكومته. عدنا إذن من جديد لمعركة التناطح بالقرون بين الحكومة والبرلمان ولا سبيل إلي حل توافقي علي غرار استحالة الوصول إلي رئيس توافقي فما هي النتيجة التي يمكن أن تترتب علي استمرار هذا التناطح؟! النتيجة نعرفها من تصريحات الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الذي قال ان الوضع الاقتصادي خطير.. فالاحتياطي الاستراتيجي للسلع الاساسية تراجع بنسبة 80 في المائة.. في الوقت الذي تراجع فيه الاحتياطي النقدي ليصل إلي نحو 15 مليار دولار بعد ان كان قد وصل إلي أكثر من 34 مليارا "انتهي كلام الجنزوري". الذي لا شك فيه انه سوف يترتب علي ذلك أوضاع اقتصادية سيئة للغاية أو بمعني أصح أننا يمكن أن نتعرض إلي مجاعة.. وإذا كانت مصر منفلتة حاليا.. فما بالنا إذا تعرض الشعب كل الشعب إلي مجاعة؟!