أبدا لم أشعر يوما بالخوف وأنا أسير في شوارعها. لم ترهبني في أي يوم صفحات الحوادث وما جري وما يجري في بلادي. ولم يهدم الخوف سلاما مستقراً في أعماقي. فمصر آمنة يحرسها الله هذا يقين ولدت به وبه أعيش وقد صار جزءا لا يتجزأ من قناعتي.. وبهذه المشاعر العفوية تعاملت مع من أعرفهم ومن لا أعرفهم وبهذه الطمأنينة الفطرية أتحرك في الأسواق والشوارع وكأنني داخل بيتي ووسط عائلتي. ثم وأنا هكذا في عز الأمان والساعة السابعة مساء أحد الأيام منذ أسابيع قليلة بينما أقود سيارتي في طريق العودة بعد مشوار صغير لشراء بعض الاحتياجات من سوبر ماركت "خير زمان" علي المحور المركزي في مدينة 6 أكتوبر اعترض طريقي شاب علي موتوسيكل. فتوقفت ولم ألتفت إلي وجهه الذي أخفاه بجزء من الطاقية فوق رأسه وفي لمح البصر كان هناك آخر يفتح باب السيارة ويشرع سكينه صوب صدري "قرن غزال" بينما يصيح في وجهي "هاتي الشنطة قبل ما أغزك" "حغزك" هاتي "حغزك" قالها مرات وأنا أصرخ في هلع ولا مجيب. فالجو بارد والحركة هادئة في الشارع رغم أن المنطقة بها بنوك ولكن البلطجي وزميله اصطاداني في جزء من الشارع هاديء وخال من المارة. ولم يكن معي "شنطة" وإنما كيس نقود به كل "أوراقي" سقط في دواسة السيارة دون أن التفت وحين لم يجد شيئا اقترب أكثر وجذب مفتاح السيارة من "الكونتاكت" واستدار لكي يرغمني علي النزول منها وفي أقل من ثانية تمكنت من أن "أسوجر" الباب فلم يتمكن من فتحه. كل هذا وأنا لم أتوقف عن الصراخ والضغط علي "الكلاكس" فربما انتبه أحد.. بعد "وهلة" بدت كالدهر انصرف البلطجي فوق نفس الموتوسيكل علي أمل أن يعود بعد أن أترك أنا السيارة مستخدما المفتاح الذي سطا عليه ولم يتوقع أنني أحمل مفتاحا آخر تحسبا لأي ظرف ولم يخطر ببالي أبدا أن يكون هذا "الظرف" من صنع البلطجية حملة السلاح الأبيض. وبسرعة وأنا تحت تأثير الرعب والاعتقاد بأنني لابد أن أكون مطاردة ومراقبة توجهت إلي قسم البوليس لعمل محضر بالحادثة. الشيء الإيجابي الحقيقي والمدهش بعد هذا الهدم الصاروخي المباغت لمشاعر الأمان والسلام الداخلي وجدته عند رجال الأمن "جنوداً وضباطاً" نعم الأمن فبعد أن شرحت ما تعرضت له للجنود علي باب قسم بوليس 6 أكتوبر في الحي السابع وجدتهم يفسحون بسرعة مكانا للسيارة في حمايتهم ويسمحون بالدخول وفي داخل القسم وجدت عددا من شباب ضباط الشرطة والمحضر الذي كتب المحُضر أحدهم هرع وعاد بكوب ماء ثم وأنا أمام ضابط المباحث الشاب واسمه "إسلام" أمر بفنجان شاي أذاب جمود أصابعي وأوقف الرعشة التي بددت توازني ثم قدم لي "مجلدات لصور مجرمين تم القبض عليهم مؤخرا بتهمة السرقة بالإكراه منهم صغار من مواليد 1992. 1995 ومنهم بنات تشبه بنات الجيران لا تشك أبدا فيهن ونسبة منهم أطلقوا ذقونهم كنوع من التمويه والتخفي ومنهم من ينط الإجرام من وجهه وأحدهم محاسب يعمل في النهار وفي الليل "هجام"!! وفي طريق العودة كانت ترافقني سيارة "بوكس" ولم يتركني رجال الأمن إلا بعد أن اطمأنوا إلي أن السيارة في مكان آمن وأنني داخل بيتي. لقد ضاعت السكينة والسلام الداخلي غير المشروط يا خسارة! وأصبح الحذر والتفتيش في ملامح الوجوه احتياطاً واجباً. ألف خسارة. ولكن وفي نفس الوقت تسللت الكثير من مشاعر الثقة والفهم والمحبة لرجل الأمن والإيمان بدور الشرطة بالغ الأهمية وبالذات أجيال الشباب منهم وهذا مكسب كبير في حد ذاته ولا يصح التفريط فيه.