يبدو أن العشوائية صارت هي منهجنا خلال المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر حاليًا.. فشلنا في إدارة العديد من الأزمات بدءًا من انبوبة البوتاجاز وحتي قضية التمويل الأجنبي وانتهاء بمعركة الدستور؟! المشكلة أننا لا نتعلم من الفشل حتي لا نقع في فشل جديد.. بل وأحيانا ما يخيل لي أننا نسعي بأنفسنا وراء هذا الفشل ونقدم له كل التسهيلات والتبريرات التي تؤكد دون أدني شك أننا "فاشلون"!! أزمة قضية التمويل الأجنبي والنهاية الدراماتيكية بسفر المتهمين الأجانب إلي بلادهم.. هي آخر عناوين الفشل في إدارة الأزمات.. لأنه كان من الممكن التوصل إلي حل لهذه الأزمة ونحن مرفوعو الرأس.. ولكن ما حدث أهان مصر وقضاء مصر وشعب مصر!! إن تنحي المستشار محمد محمود شكري وعضوي اليمين واليسار عن نظر قضية التمويل الأجنبي في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن مغادرة المتهمين الأجانب الأراضي المصرية عبر طائرة عسكرية أمريكية أثار الكثير من الشكوك والظنون خاصة بعدما تردد أن هناك ضغوطًا مورست علي هيئة المحكمة لإلغاء قرار حظر سفر هؤلاء المتهمين!! كان من الممكن التوصل إلي حل لأزمة قضية التمويل الأجنبي دون الزج بالقضاء في تلك القضية.. لكننا كما ذكرت أعتدنا الفشل وحين وقعت الأزمة تبرأ الجميع من فضيحة سفر المتهمين الأجانب وألبسوا التهمة إلي قضاء مصر الشامخ الذي ظن في بادئ الأمر أن القضية جنائية وتعامل معها وفقا للقانون ثم تبين له في النهاية أن القضية سياسية ولا يجوز حلها إلا بالسياسة وليس بالقانون!! إن قضاة مصر الشرفاء في ثورة حقيقية- ولهم كل الحق- فهم يرفضون التشكيك في نزاهتهم وتلويث سمعتهم المشهود عنها بالنزاهة والحيادية حتي مع أصعب القضايا.. فما بالهم حين يتعلق الأمر بقضية انتهي أحد فصولها بتلك النهاية الهزلية بعد أن ظنوا أنها قضية دفاع عن سيادة واستقلال وطن بحجم مصر!! إن تصريحات وأقوال الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي أمام النيابة العامة وبيان المجلس العسكري الذي أكد رفضه لأي هيمنة علي استقلال وسيادة مصر مشيدا في الوقت نفسه بقضاء مصر الشامخ.. بالإضافة إلي التصريحات النارية للدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الانقاذ الوطني التي أكد فيها مرتين أن مصر لن تركع أمام التهديدات الأمريكية واعترافه الصريح بأن واشنطن تمارس ضغوطًا علي الدول العربية الشقيقة لعدم تقديم مساعدات مالية لمصر ولو في صورة استثمارات.. لنفاجأ في النهاية أن مصر "ركعت" من أول جولة!! لقد عرف العامة قبل الخاصة أن هناك "صفقة" وراء سفر المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي.. ولسنا في حاجة إلي اعترافات وزير الخارجية الألماني فيستر فيلله بأن هناك صفقة سياسية وراء تلك الانفراجة التي طرأت علي قضية التمويل الأجنبي.. لأننا ببساطة شديدة نعتبرها "صفعة" علي وجه مصر لا تستوي معها كل أموال الدنيا.. لأن تاريخ مصر أكبر من كل ذلك!!