علي خلفية أحداث الإفراج عن المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي، فإني أتساءل: كان ليه منع الأجانب من السفر من الأول؟! بل وكان ليه القضية كلها تحال للقضاء المدني؟! مادام أننا لسنا بالقوة التي تسمح بمواجهة بعض الدول المشاركة في هذه القضية، فكان من المفروض ألا نقحم القضاء المدني فيها ونترك أمرها إلي أي جهة سيادية أخري للتحقيق فيها، من المعروف في العالم كله أن هناك قضايا سياسية يتم التصرف فيها حسب مصالح الدول الأطراف، ويكون هذا التصرف في مقابل صفقات غالبا ما تكون سرية بين أطراف القضية، ومن صور هذه القضايا.. قضايا الجاسوسية وقضايا أمن الدولة بصفة عامة مثل هذه القضايا يتم تحقيقها والتصرف فيها عن طريق جهات أمنية وعسكرية، بعيدا عن القضاء المدني، حتي يسهل التصرف فيها حسب مصالح الدول الأطراف. كل هذا معروف للعالم كله.. ولكن، الغريب في هذه القضية، ورغم اتهام بعض المتهمين بانتمائهم إلي دول تسعي لإشاعة الفوضي في البلاد، فكان من المفروض أن تحال هذه القضية من بادئ الأمر إلي جهة سيادية أخري لتتولي التحقيق فيها ولا نقحم القضاء المدني بنظرها. الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القيادة المصرية، هو إحالة هذه القضية للقضاء المدني، الذي نطالب جميعا بضرورة استقلاله عن باقي سلطات الدولة الأخري ومنع التدخل في شئونه، حتي ينعم الكافة بالعدل والمساواة. وللحق.. فإني لم أفهم السبب وراء إحالة هذه القضية للقضاء المدني العادي، صحيح هناك متهمون مصريون وآخرون أجانب، ولكن هذا لا يمنع إطلاقا من إحالة القضية برمتها لأي جهة تحقيق أخري خلاف القضاء المدني، خاصة أنه كان من الواضح تماما من بداية هذه القضية، أن القصد منها لم يكن هو محاكمة المتهمين بأشخاصهم، بقدر ما كان للضغط علي الدول الأجنبية، التي ينتمي إليها المتهمون الأجانب. إذن.. فإن القضية من أولها، كانت قضية سياسية بالدرجة الأولي، فلو كانت أحيلت منذ بدايتها لأي جهة سيادية أخري غير القضاء المدني، مثلها مثل القضايا العديدة المماثلة التي تمس أمن الدولة، لكنا جنبنا أنفسنا هذه الضجة الكبري التي حدثت من جرائها ومست قضاء مصر الشامخ، وكنا تجنبنا أيضا إثارة الرأي العام سواء بالنسبة للسلطة العسكرية أم بالنسبة للقضاء المصري، فالقضاء المصري هو الحصن الأخير والملاذ الآمن لكل مظلوم. ومن الأمور الغريبة والعجيبة أيضا في ملابسات هذه القضية، ما أثير عن تصريحات السيناتور الأمريكي «جون ماكين» الذي كان مرشحا للرئاسة والذي حضر إلي مصر لبحث مشكلة الأجانب المحتجزين في هذه القضية، وقابل سيادة المشير حسين طنطاوي في العلن، كما قابل القيادة الإخوانية- خيرت الشاطر نائب المرشد العام- سرا، هذه التصريحات حملت الشكر الكثير لجهود كل من المجلس العسكري والإخوان المسلمين، لما بذلاه من جهد في سبيل الإفراج عن المتهمين الأمريكيين. الذي أفهمه من هذا الشكر الخاص، رغم نفي المتحدث باسم الإخوان المسلمين، بعدم التدخل في هذه القضية، انه من الواضح أن هناك تفاهما كبيرا، قد تم بين المجلس العسكري وبين الإخوان المسلمين في أمور كثيرة من ضمنها هذه القضية، فمن الصعب أن يعلن السيناتور الأمريكي للكافة أمراً غير حقيقي لا أساس له، لأن الشعب الأمريكي لن يسمح بالتضليل، خاصة في مثل هذه المواقف، فضلا عن أن علاقة السلطة المصرية بأمريكا كانت طيبة للغاية وأن علاقة الإخوان المسلمين بالسفارة الأمريكية قد بدأت منذ سنوات عدة، وهناك لقاءات عديدة تمت بين الأمريكان وكل من المجلس العسكري والإخوان المسلمين. نعود فنقول... وكان ليه من الأول كل هذه الفضائح?! ألم يكن من الأفضل أن تحال هذه القضية إلي أية جهة سيادية أخري «ولا من شاف ولا من دري»!! مصر يا سيادة توقر قضاءها، فلا تلوثوه وتعرضوا سمعتنا للقيل والقال.